خلال وجود فريق صندوق النقد الدولي، هذه الأيام، في القاهرة، عقدوا، بالتعاون مع البنك المركزي ووزارة المالية، مؤتمراً، قبل يومين، عن "النمو الشامل وخلق فرص العمل في مصر".
وبعيداً عن الاستقرار الاقتصادي الذي يراه الصندوق ولا يراه المواطن المصري، قال وزير المالية، عمرو الجارحي، إن "الدين العام المصري وصل إلى خمسة أضعافه، خلال السنوات الخمس الأخيرة"، في محاولة، على ما يبدو، لـ "صرف العين" عن الاقتصاد المصري وإنجازاته، بتكرار الرقم خمسة، كما أكد أنه "سيواصل الارتفاع خلال الفترة المقبلة".
تصدّر الخبر الذي أعلنه الوزير المصري عناوين العديد من الصحف العربية، وكأن هناك مفاجأة فيما قاله بالنسبة لحاضري المؤتمر، أو للإعلام، أو حتى لجموع المواطنين الذين يطالعون الصحف كل يوم، ويرون تلهّف الحكومة المصرية على الاقتراض من هنا ومن هناك، حتى لا يكاد يمر يومٌ إلا وهناك خبر في جريدة عن قرض اقترضته مصر، أو اتفقت على اقتراضه، من إحدى الدول أو المؤسسات الدولية. لكن الحقيقة أن ما بين سطور الخبر يحمل مفاجآت أكبر كثيراً من الخبر المنشور وتفاصيله!
بدايةً، تحدّث الوزير عن وصول الدين العام إلى خمسة أضعاف ما كان عليه قبل 5 سنوات، ولا أعتقد أن الوزير قد أخذ في اعتباره ما تم اقتراضه، خلال العام الحالي، حيث إن آخر رقم معلن للدين الخارجي على سبيل المثال كان 82.9 مليار دولار، بنهاية 2017.
لكن الحكومة أعلنت، في أكثر من مناسبة، بيعها سندات دولية وأذون خزانة، بالدولار واليورو، بالإضافة إلى حصولها على قروض من البنك الدولي ومن المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، بما يزيد مجموعه، وقت كتابة هذه السطور، عن 12 مليار دولار، من القروض الجديدة وحدها، منذ بداية العام الحالي 2018.
فكم ضعفاً سيكون الرقم الحقيقي إذاً؟ وما مبرر تأخير الإعلان عن الرقم الحقيقي للدين الخارجي والدين العام كل هذه الشهور، رغم أن البيانات متاحة بدرجة كبيرة، حتى إن بعض الدول لديه "ساعة للدين"، يعرف بها حجم الدين العام لديه في كل لحظة، وبكل تفاصيل مكوناته.
بعد ذلك، تحدث الوزير عن وصول نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 107%، خلال العام المالي 2016-2017. فماذا سيكون الوضع أيضاً لو أدخلنا في الاعتبار كل ما تم اقتراضه بعد ذلك التاريخ؟ وكيف يستطيع الرجل النوم في بيته وهذه النسبة آخذة في الارتفاع، وتقول التقديرات الدولية إنها تخطت 120%؟ ثم يقولون بكل ثقة وتفاؤل "ستواصل الارتفاع خلال الفترة المقبلة".
هذه النسبة، يرى كثيرٌ من الاقتصاديين أنها لا تعبر في حد ذاتها عن حقيقة الوضع بصورة كاملة، حيث ينبغي معها دراسة ثلاثة أشياء: أولها طبيعة الدائنين، وهل هم كيانات محلية أم خارجية.
وفي الدَيْن المصري، فإن الأرقام المعلنة بنهاية 2017 تقول إن المكون الخارجي يمثل 30%. لكن لو أضفنا المبالغ التي تم اقتراضها بالدولار واليورو في 2018، بالإضافة إلى استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية التي قدّرها المسؤولون بالمعادل لحوالي 22 مليار دولار، فإن نسبة المكون الخارجي تقفز إلى أكثر من 45%، وهو ما يتعارض تماماً مع مصلحة الوطن، ويزيد من خطورة الاعتماد عليه كمكون للدين العام.
الأمر الثاني الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند النظر إلى نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، هو معدل نمو هذا الناتج مقارنة بمعدل نمو الدَيْن. فإذا اعتبرنا أن الدَيْن العام لا ينمو إلا بمعدل الفائدة المطبق عليه، رغم أن هذا غير صحيح، حيث إنه ينمو بمعدلات أسرع كثيراً، إلا أنه حتى مع هذا الافتراض، فإننا نجد أن الناتج المحلي ينمو بمعدل أقل من 5.5% سنوياً، بينما متوسط معدل الفائدة المطبق على الدين يكون في حدود 9% و10%، الأمر الذي يؤكد أن هذه النسبة مرشحة للزيادة في الفترة القادمة، حتى مع افتراض عدم زيادة الاقتراض.
أما الأمر الثالث الذي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار عند النظر إلى هذه النسبة، فهو وجود استراتيجية لدى الدولة لتقليلها، أو لسداد القروض.
وللأسف، فمن الواضح غياب أي استراتيجية في هذا الاتجاه لدى الحكومة المصرية، إلا لو اعتبرنا أن تمديد أجل بعض الودائع، أو تجديدها، مع تحويل البعض الآخر من قصيرة الأجل إلى متوسطة وطويلة الأجل، هو من قبيل تلك الاستراتيجيات المطلوبة أو المقبولة!
اقــرأ أيضاً
الحد الآمن إذاً الذي يتوهم البعض أننا مازلنا لم نتجاوزه لن يكون آمناً في حالتنا، ومواجهة المشكلة ونشر الحقائق والدعوة للمشاركة المجتمعية، هي بداية الطريق الصحيح للعلاج. أما الخداع باستخدام عناوين رنانة، للإيحاء بأن كل الأمور تحت السيطرة، فهو أقرب طريق للانهيار.
لا يوجد شيء اسمه فائض أو عجز أولي. بعض المؤسسات اخترعت هذا العنوان لتسهيل مهمة الحكومات في خداع المواطنين، وحتى يتمكن وزير المالية من نيل الثناء، فيقول لهم إن الموازنة لأول مرة تحقق فائضا أول بنسبة 2%، بينما الحقيقة تقول إن الموازنة تجاهد لتصل بالعجز إلى 10%!
ولو استمررنا في اتباع هذا النهج، فلن ينفعنا شيء عند حدوث الأزمة، وهي حادثةٌ لا ريب عن قريب.
وبعيداً عن الاستقرار الاقتصادي الذي يراه الصندوق ولا يراه المواطن المصري، قال وزير المالية، عمرو الجارحي، إن "الدين العام المصري وصل إلى خمسة أضعافه، خلال السنوات الخمس الأخيرة"، في محاولة، على ما يبدو، لـ "صرف العين" عن الاقتصاد المصري وإنجازاته، بتكرار الرقم خمسة، كما أكد أنه "سيواصل الارتفاع خلال الفترة المقبلة".
تصدّر الخبر الذي أعلنه الوزير المصري عناوين العديد من الصحف العربية، وكأن هناك مفاجأة فيما قاله بالنسبة لحاضري المؤتمر، أو للإعلام، أو حتى لجموع المواطنين الذين يطالعون الصحف كل يوم، ويرون تلهّف الحكومة المصرية على الاقتراض من هنا ومن هناك، حتى لا يكاد يمر يومٌ إلا وهناك خبر في جريدة عن قرض اقترضته مصر، أو اتفقت على اقتراضه، من إحدى الدول أو المؤسسات الدولية. لكن الحقيقة أن ما بين سطور الخبر يحمل مفاجآت أكبر كثيراً من الخبر المنشور وتفاصيله!
بدايةً، تحدّث الوزير عن وصول الدين العام إلى خمسة أضعاف ما كان عليه قبل 5 سنوات، ولا أعتقد أن الوزير قد أخذ في اعتباره ما تم اقتراضه، خلال العام الحالي، حيث إن آخر رقم معلن للدين الخارجي على سبيل المثال كان 82.9 مليار دولار، بنهاية 2017.
لكن الحكومة أعلنت، في أكثر من مناسبة، بيعها سندات دولية وأذون خزانة، بالدولار واليورو، بالإضافة إلى حصولها على قروض من البنك الدولي ومن المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، بما يزيد مجموعه، وقت كتابة هذه السطور، عن 12 مليار دولار، من القروض الجديدة وحدها، منذ بداية العام الحالي 2018.
فكم ضعفاً سيكون الرقم الحقيقي إذاً؟ وما مبرر تأخير الإعلان عن الرقم الحقيقي للدين الخارجي والدين العام كل هذه الشهور، رغم أن البيانات متاحة بدرجة كبيرة، حتى إن بعض الدول لديه "ساعة للدين"، يعرف بها حجم الدين العام لديه في كل لحظة، وبكل تفاصيل مكوناته.
بعد ذلك، تحدث الوزير عن وصول نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 107%، خلال العام المالي 2016-2017. فماذا سيكون الوضع أيضاً لو أدخلنا في الاعتبار كل ما تم اقتراضه بعد ذلك التاريخ؟ وكيف يستطيع الرجل النوم في بيته وهذه النسبة آخذة في الارتفاع، وتقول التقديرات الدولية إنها تخطت 120%؟ ثم يقولون بكل ثقة وتفاؤل "ستواصل الارتفاع خلال الفترة المقبلة".
هذه النسبة، يرى كثيرٌ من الاقتصاديين أنها لا تعبر في حد ذاتها عن حقيقة الوضع بصورة كاملة، حيث ينبغي معها دراسة ثلاثة أشياء: أولها طبيعة الدائنين، وهل هم كيانات محلية أم خارجية.
وفي الدَيْن المصري، فإن الأرقام المعلنة بنهاية 2017 تقول إن المكون الخارجي يمثل 30%. لكن لو أضفنا المبالغ التي تم اقتراضها بالدولار واليورو في 2018، بالإضافة إلى استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية التي قدّرها المسؤولون بالمعادل لحوالي 22 مليار دولار، فإن نسبة المكون الخارجي تقفز إلى أكثر من 45%، وهو ما يتعارض تماماً مع مصلحة الوطن، ويزيد من خطورة الاعتماد عليه كمكون للدين العام.
الأمر الثاني الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند النظر إلى نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، هو معدل نمو هذا الناتج مقارنة بمعدل نمو الدَيْن. فإذا اعتبرنا أن الدَيْن العام لا ينمو إلا بمعدل الفائدة المطبق عليه، رغم أن هذا غير صحيح، حيث إنه ينمو بمعدلات أسرع كثيراً، إلا أنه حتى مع هذا الافتراض، فإننا نجد أن الناتج المحلي ينمو بمعدل أقل من 5.5% سنوياً، بينما متوسط معدل الفائدة المطبق على الدين يكون في حدود 9% و10%، الأمر الذي يؤكد أن هذه النسبة مرشحة للزيادة في الفترة القادمة، حتى مع افتراض عدم زيادة الاقتراض.
أما الأمر الثالث الذي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار عند النظر إلى هذه النسبة، فهو وجود استراتيجية لدى الدولة لتقليلها، أو لسداد القروض.
وللأسف، فمن الواضح غياب أي استراتيجية في هذا الاتجاه لدى الحكومة المصرية، إلا لو اعتبرنا أن تمديد أجل بعض الودائع، أو تجديدها، مع تحويل البعض الآخر من قصيرة الأجل إلى متوسطة وطويلة الأجل، هو من قبيل تلك الاستراتيجيات المطلوبة أو المقبولة!
النسبة إذاً مرتفعة جداً في الحالة المصرية. ووفقاً لوزير المالية، فإنها مرشحة بقوة للارتفاع في الفترة القادمة، والمؤشرات الثلاثة المكملة للنسبة سلبية جداً في الحالة المصرية، لدرجة أن القرض الأخير الذي حصلت عليه مصر من البنك الدولي بقيمة 1.15 مليار دولار، ووقّع عليه السيسي، قبل أسبوع، تجاوز الحد الأقصى الذي وضعه لنا البنك الدولي، مما تطلب دخول إنكلترا كضامن لمبلغ 150 مليون دولار التي تجاوزت الحد!
الحد الآمن إذاً الذي يتوهم البعض أننا مازلنا لم نتجاوزه لن يكون آمناً في حالتنا، ومواجهة المشكلة ونشر الحقائق والدعوة للمشاركة المجتمعية، هي بداية الطريق الصحيح للعلاج. أما الخداع باستخدام عناوين رنانة، للإيحاء بأن كل الأمور تحت السيطرة، فهو أقرب طريق للانهيار.
لا يوجد شيء اسمه فائض أو عجز أولي. بعض المؤسسات اخترعت هذا العنوان لتسهيل مهمة الحكومات في خداع المواطنين، وحتى يتمكن وزير المالية من نيل الثناء، فيقول لهم إن الموازنة لأول مرة تحقق فائضا أول بنسبة 2%، بينما الحقيقة تقول إن الموازنة تجاهد لتصل بالعجز إلى 10%!
ولو استمررنا في اتباع هذا النهج، فلن ينفعنا شيء عند حدوث الأزمة، وهي حادثةٌ لا ريب عن قريب.