رئيس موريتانيا السابق متهم بالفساد ويرفض المثول أمام لجنة تحقيق برلمانية

08 يوليو 2020
ولد عبد العزيز رفض تسلم الاستدعاء (لينتاو زهو/Getty)
+ الخط -

أثار رفض الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، المثول أمام لجنة التحقيق البرلمانية التي شُكلت للتحقيق معه تمهيدا لمحاكمته، وإصراره على عدم استلام الاستدعاء الذي وجهته إليه اللجنة للحضور إلى مقر البرلمان اليوم الخميس، جدلا واسعا في الشارع الموريتاني، ونقاشا حادا بين الخبراء القانونيين والدستوريين، الذين حاولوا تبرير تصرّف الرئيس السابق وشرح السيناريوهات المحتملة في حال استمر ولد عبد العزيز في رفض المثول أمام اللجنة.

وفاجأت الطريقة التي اختار الرئيس السابق التعاطي بها مع اللجنة المكلفة بالتحقيق معه، ورفضه المثول في أول جلسة له، الجميع، على اعتبار أن ولد عبد العزيز سبق وأن أعلن، في آخر مؤتمر صحافي له قبل أشهر، أنه لا يخشى أي تحقيق، وأنه على استعداد للمثول أمام أي لجنة مكلفة بذلك، إضافة إلى حرصه على الظهور العلني لتفنيد أي اتهام وإتقانه خلط الأوراق والضغط بتصريحات مثيرة للجدل.

فاجأت الطريقة التي اختار الرئيس السابق التعاطي بها مع اللجنة المكلفة بالتحقيق معه، ورفضه المثول في أول جلسة له، الجميع

ووجهت لجنة التحقيق البرلمانية المشكّلة من برلمانيين موالين ومعارضين استدعاء لولد عبد العزيز، الذي حكم البلاد عشر سنوات (2009 - 2019)، من أجل الاستماع إلى شهادته بشأن "وقائع وأفعال يحتمل أن تشكل مساسا خطيرا بالدستور والقوانين"، حصلت خلال فترة حكمه، والتحقيق معه في بعض الملفات، من بينها إدارة العائدات النفطية، وبيع ممتلكات عامة، وتصفية شركة عمومية، والتعاقد مع شركة صيد صينية.

ورفض ولد عبد العزيز استلام الاستدعاء بعد إيصاله إليه من طرف عدل منفذ.

وقالت اللجنة إن استدعاء ولد عبد العزيز يأتي حرصا منها على إبراز الحقيقة وضمن الصلاحيات المخولة لها، محددةً الخميس موعدا لتقديم ولد عبد العزيز للمعلومات والإيضاحات التي بحوزته حول ملفات تتعلق بفترة حكمه.

 

ضغط الشارع

وتأتي تطورات قضية التحقيق مع الرئيس السابق في وقت يعيش النظام الحالي أزمة ثقة تفجرت بعد اختلاس موظفين في المصرف المركزي أكثر من 2.4 مليون دولار، وسرقة ملفات وأجهزة إلكترونية من مبان حكومية، بهدف منع بدء التحقيق في صفقات مالية، ما أثار شكوكا حول مدى جدية النظام في حماية المال العام ومحاربة الفساد والمحسوبية.

ولعل إضفاء طابع الجدية على عمل لجنة التحقيق وتحديدها موعدا للاستماع للرئيس السابق، ودخول القضية المرحلة الأهم والأخطر، قد يشكل طوق نجاة للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني للإفلات من سهام الاتهامات والتشكيك في سعيه إلى محاربة الفساد، خاصة مع إصرار البعض على التذكير بعلاقة النظام الحالي بالنظام السابق.

يرجح نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي أن يواصل ولد عبد العزيز رفض التحقيق معه، ويتوقعون أن تتخذ اللجنة إجراءات لإرغامه على الحضور للتحقيق معه

ومنذ رفض ولد عبد العزيز استلام الاستدعاء الذي وجهته إليه لجنة التحقيق، يتداول الشارع الموريتاني سيناريوهات عدة لما ستؤول إليه الأمور بعد يوم الخميس. 

وبينما ترى وسائل إعلام محلية أن ولد عبد العزيز سيعدِل عن قرار رفض الاستدعاء ويقرر الحضور في آخر لحظة، يرجح نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي أن يواصل ولد عبد العزيز رفض التحقيق معه، ويتوقعون أن تتخذ اللجنة إجراءات لإرغامه على الحضور للتحقيق معه.

ويتوقع مراقبون أن يطول سيناريو تجديد استدعاء الرئيس السابق ورفض استلام الاستدعاء، باستغلال فريق الدفاع عن ولد عبد العزيز للمبررات المعهودة في هذا الصدد، كالحصانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، والجدل الدائر حول اختصاصات اللجان البرلمانية في التحقيق مع الرؤساء السابقين.

 

إرغام على الامتثال؟

ويتوقع أن جدل تجاوب ولد عبد العزيز مع لجنة التحقيق في حال قرر الحضور حتى من دون الإجابة عن الأسئلة أو رد على بعضها فقط. وفي حال استمر ولد عبد العزيز في رفض الحضور، يرجح مراقبون أن ترفع لجنة التحقيق البرلمانية تقريرا إلى المحكمة العليا والبرلمان.

وأكد الباحث أحمد سالم ولد شيخاني أن الخيار الأخير يظل أقرب إلى الواقع، على اعتبار أن صلاحيات اللجنة محدودة، وأن عليها استشارة هيئات عليا، خاصة المحكمة العليا التي ستباشر الملف بعد مرحلة التحقيق.

وأضاف أنه من ضمن الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها اللجنة في حال رفض الرئيس السابق المثول أمامها، رفع القضية للبرلمان من أجل التصويت على استمرار القضية واتخاذ خطوات جدية مستقبلا، أو إنهائها في هذه المرحلة.

واعتبر أن أفضل سيناريو يمكن أن يحقق النجاح للنواب في هذه اللجنة البرلمانية، قبول الرئيس السابق المثول أمامها، وتوفر الأخيرة على ما يكفي من الأدلة التي تدينه بالفساد والنهب، ثم توجيه اتهام مباشر إليه.

وعن توقعاته لتعاطي الرئيس السابق مع اللجنة، وردّ فعله على أسئلتها، أشار ولد شيخاني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخيارات أمام ولد عبد العزيز كثيرة، منها أن يقبل المثول ويرفض الإجابة عن الأسئلة، ومنها أن يجيب على بعضها باقتضاب ومن دون أن يقبل الاتهامات، وأخطرها أن يستغل المنبر لكشف أسرار وملفات فساد أخرى كأسلوب لرد التهمة عنه.

وبالنسبة للخيارات المتاحة أمام لجنة التحقيق البرلمانية، استبعد الباحث أن ترغم اللجنة الرئيس السابق على المثول بتسخير قوة عمومية لإحضاره، على اعتبار أن "اللجنة البرلمانية مكونة من 9 أعضاء، 6 منهم نواب من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الذي أسسه ولد عبد العزيز، ولهم ولاء على الأقل معنوي لمؤسس الحزب، ولن يجرؤوا على إرغامه على الحضور بالقوة".

اللجنة البرلمانية مكونة من 9 أعضاء، 6 منهم نواب من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الذي أسسه ولد عبد العزيز

وشكّل البرلمان الموريتاني لجنة قبل نحو ستة أشهر للتحقيق في ملفات فساد خلال سنوات حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بعد مطالبة سياسيين بمحاسبته على ما شاب الحقبة التي حكم فيها البلاد من اختلاس للمال العام وفساد ومحسوبية.

ويخول الدستور الموريتاني للبرلمان التحقيق مع رئيس الجمهورية رغم حصانته، ويمكن للبرلمان أن يتهم الرئيس ويتقدم بدعوى قضائية ضده أمام المحكمة العليا.

المساهمون