أذكر أنني سمعتُ أحدهم يتحدّث، في ندوة، عن تمسّكه بقراءة الكتاب الورقي؛ لأنه بالإمكان "حمله وضمّه وتشمّم رائحته وتلمّس ذرّات غباره". فتدخّل أحد الحاضرين الشباب قائلاً: "بإمكانك فعل كلّ ما ذكرت مع الـ "آيباد"، فللجهاز رائحته، وهو يلتقط الغبار أيضاً.. أكثر من الكتاب ربّما".
يعيدنا هذا الجدل إلى جدالات مشابهة مع ظهور كل اختراع جديد. ورغم أن الإجابات كانت تميل إلى افتراض أن الجديد سيقضي على القديم، كان الواقع يأتي بإجابات مختلفة: تطوَّر التلفزيون واتّخذ أشكالاً وأحجاماً وطرُق بثّ لا حصر لها، دون أن يختفي الراديو؛ كما تشير معظم الدراسات إلى أن الصحافة الورقية لن تختفي، على المدى المنظور على الأقل.
ولنا أن نتوقّع أنه مع موجة اختراعات وسائط الاتصال، لن يندثر الكتاب ولا أي شيء يجري توقّع اندثاره.
لكن الأمر ليس مقتصراً على هذا البُعد، فـ "الآيباد" وغيره من وسائط الاتصال، يلعب هذا الدور غير البريء: دور الوسيط.
لقد باتت الوسائط الممرّ الأساسي للعبور إلى المعرفة والفن والأفكار. وحين تقوم بذلك، تسطّح كل شيء على مستوى واحد؛ فكل شيء يتحوّل إلى "صورة في جهاز".
وهذا هو موقع التأثير الحقيقي، وغير المرئي، لوسائط الاتصال؛ إنها لا تغيّر شيئاً من الوسائل القديمة، ولكنها ببساطة تغيّر علاقة الإنسان بها. إنها تقوم بعملية "تخريب ناعم" للعلاقة بين الأشياء والإنسان.