وبعد نهار طويل من مفاوضات اللحظة الأخيرة، التزمت جميع الأطراف بالوساطة القطريّة، التي تولّاها مدير الاستخبارات القطرية غانم الكبيسي، والتي كان للمدير العام للأمن العام اللبناني عباس ابراهيم دور بارز فيها، لجهة تواصله مع النظام السوري وضمان التزامه بتعهداته. ورمت صفقة أعزاز بظلالها على المفاوضات من اليوم الأول، وخصوصاً أن النظام السوري لم يلتزم بتعهداته بإطلاق جميع المعتقلات اللواتي اتُّفق على إطلاقهن في صفقة أعزاز، بحسب ما تنقل جهات إسلاميّة عن الخاطفين.
وتُشير المعلومات إلى أن المفاوضات بدأت مع رئيس بعثة الأمم المتحدة في سوريا، مختار لماني، لكن ما لبثت هذه القناة أن توقفت لتترك الأمور للوساطة القطريّة. وبعد أشهر من المفاوضات المكثفة، التي تخللتها جولات مكثّفة لموفدين قطريين، دخل هؤلاء الموفدين في بعض الزيارات إلى بلدة يبرود السورية.
ترى مصادر قريبة من النظام السوري في لبنان، أن ما سرّع عمليّة التبادل هو اقتراب قوات الجيش السوري وحزب الله من دخول يبرود، وبالتالي شعور الخاطفين بضرورة إجراء التبادل لتأمين بعض المكاسب، بدل خسارة كلّ شيء. وتُضيف هذه المصادر أن الخاطفين حاولوا وضع شروط ميدانيّة، مثل فتح طريق لانسحاب المقاتلين باتجاه رنكوس السورية أو عرسال اللبنانيّة، أو إعلان هدنة لفترة زمنيّة، وهو ما رفضه الجانب السوري. كما تُضيف هذه الرواية بأن الخاطفين تلقوا مبالغ مالية، من قبل راعي الصفقة، أي الجانب القطري.
وفيما يخص المعتقلين، تقول رواية النظام السوري، إن الخاطفين طالبوا بإطلاق سراح موقوفين غير سوريين في البداية، كما طالبوا بإطلاق سراح مئة وخمسين موقوفاً إسلامياً في السجون اللبنانيّة. وتنفي هذه الرواية إطلاق سراح معتقلين غير سوريين في الصفقة.
في المقابل، تروي مصادر إسلاميّة لبنانيّة على تواصل مع الجهات الخاطفة، أن سبب حصول صفقة التبادل، هو نضوج شروط الحلّ، وتنفي لـ"العربي الجديد"، أن يكون هناك أي مبرر ميداني أو مطالب ميدانيّة، "فجميع الأطراف المقاتلة في يبرود تُعلن أنها قادرة على الصمود لفترة طويلة، حتى لو استطاع حزب الله والجيش السوري محاصرتها".
كما تؤكّد هذه المصادر أن سبب عرقلة المفاوضات في اللحظات الأخيرة، يوم أمس، هو محاولة النظام عدم إطلاق سراح الموقوفة العراقيّة سجى الدليمي. وتلفت المصادر الإسلاميّة، إلى أنه وبسبب تجربة صفقة أعزاز، اشترط الخاطفون إطلاق سراح الموقوفات (سوريات وغير سوريات) قبل الراهبات "وهو ما حصل، وقد أطلق سراحهن، وتوزّعن على المناطق المحررة في سوريا. ذهب بعضهن إلى الشمال السوري، وأخريات إلى مناطق في ريف دمشق، وقلّة إلى يبرود، من بينهن الدليمي إضافة إلى وصول بعضهن إلى لبنان". وبالتالي، تأخّر تنفيذ الصفقة حتى وصول الدليمي إلى يبرود.
وتنفي هذه المصادر، بشكل مطلق، ربط قضية الراهبات بملف الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية في لبنان، إذ "عادة ما يتأمّل الموقوفون الإسلاميون بقرب الإفراج، لكن هذا المطلب لم يُطرح على طاولة البحث يوماً، بل تم تداوله إعلامياً بهدف ربط الموقوفين بجبهة النصرة"، بحسب أحد المشايخ المتابعين لملف الموقوفين الإسلاميين.
وتؤكّد المصادر الإسلاميّة عدم وجود مقابل مالي في هذه الصفقة، لكنها تلفت إلى وجود بند سري "ينص على إطلاق سراح ثلاثة قطريين كانوا موقوفين لدى الجانب السوري، وهو الأمر الذي حصل في صفقة أعزاز عندما أُطلق سراح موقوفين قطريين وأتراك خلال الصفقة".
وقد خطفت الراهبات في الثالث من ديسمبر/ كانون الاول 2013، من قبل "جبهة تحرير القلمون"، المقرّبة من "جبهة النصرة"، وفي السادس من ديسمبر/ كانون الاول، ظهرن في أول شريط مصوّر قلنَ فيه إنهن لسن معتقلات، ويتلقين معاملة حسنة. وفي 15 يناير/ كانون الثاني 2014، سُرّبت معلومات عن نقلهن إلى شقة في منطقة يبرود.
في التاسع من فبراير/ شباط الجاري، تم تسريب شريط ثانٍ طالبن فيه بإطلاق سراحهن وإطلاق المعتقلات في سجون النظام السوري، وأكدن على حرية كل المعتقلين في سجون النظام السوري. وقد بثّت جبهة النصرة شريطاً مصوراً لعمليّة التبادل، يظهر في منتصفه تسلّم امرأة وأربعة أولاد من الأمن العام اللبناني، من المفترض أنهم سجى الدليمي وأولادها.