في قصيدة له بعنوان "هذا أنا"، يقدّم محمد الصغير أولاد أحمد (1955 – 2016) نفسَه قائلاً:
"هذا أنا
رجلٌ بلا جيش ولا حرب ولا شهداء
مُنسجمٌ مع اللاّهوت والناسوت والحانوت
لا أعداء لي...
وأشكّ أن قصيدتي مسموعةٌ وحكايتي تعني أحد".
المؤكّد أن قصيدةَ الشاعر التونسي الذي رحل اليوم عن 61 عاماً، ظلّت، ربما أكثر من قصائد أيٍّ شاعر تونسي آخر من معاصريه، مسموعةً في بلاده منذ بداية الثمانينيات، حين أصدر ديوانه الشعري الأوّل.
في "نشيد الأيّام الستّة" (1984)، برز صوتٌ شعري غاضب وساخر ما دفع نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إلى منع توزيع الديوان الذي بقيَ ممنوعاً حتى عام 1988.
في نفس سنة 1984، وجد الشاعر نفسه معتقلاً، بعد أن جرى توقيفه في اعتصام خلال ما عُرف حينها بـ "أحداث الخبز" التي شهدت فيها البلاد احتجاجات بسبب ارتفاع الخبز. أُفرج عنه بعد فترة، لكنه طُرد من عمله.
لاحقاً، توقّفت إصدارات أولاد أحمد، فلم يُصدر الشاعر ديوانه الثاني "ولكنني أحمد" إلا مع تغيّر الحكم من بورقيبة إلى بن علي في 1987، وفيه واصل نبرته الانتقادية التي تراوح بين السخرية والتمرّد.
بعد فترة قصيرة من فتح المجال أمام الحريات، بدأت القبضة البوليسية تخنق من جديد الحياة الشعرية والثقافية في تونس، غير أن أولاد أحمد استغل تلك الفترة كي يعود إلى النشاط الثقافي من مؤسسات وزارة الثقافة حيث أسّس "بيت الشعر" سنة 1993، وترأّسه حتى 1997.
وُلد أولاد أحمد في الخامس من نيسان/ أبريل 1955 في مدينة سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية في 2010. تلك الثورة التي يؤكد البعض أن الشاعر "تنبّأ" بها قبل انطلاقتها، ما جعل بعضهم يلقّبه بـ "شاعر الثورة التونسية".
إضافةً إلى إصدارَيه السابقَين، أصدر أولاد الصغير عدّة دواوين من بينها: "ليس لي مشكلة" (1998)، و"حالات الطريق" (2013)، وعملين نثريين؛ هما: "تفاصيل" (1991) و"القيادة الشعرية للثورة التونسية" (2013).
حصل أولاد أحمد على "جائزة قرطاج العالمية للشعر" في إطار "الملتقى التونسي الإسباني الأول للثقافة" عام 2011. وفي الفترة الأخيرة، نال سلسلةً من التكريمات الرسمية في عدّة مناسبات ثقافية، ما فتح عليه باب الانتقادات على مصراعيه.
اعتذار
عندما لا تجيئين
أزعمُ أنك جئت... ولم تجديني!
أقول:
غداً،
سأذوب بقهوتها
وأعوج على فمها
وأقول لها: سامحيني
وأبحث في النحو عن سببٍ لأبّرر أمرين
مختلفين كأن:
لا تجيئي
وأحسب أنك جئت .. ولم تجديني
هذا أنا..
أمشي مع الشعراء دون حراسة
في المهرجانِ.. مُسلّحاً بمُترجمٍ
لكأنَّ شعري وهو ظلّي وَاقفٌ
ليسَ التدرُّجَ في صعود السلُّمِ
والمهرجان عبارة عن مطعمٍ
يأتي الكتابةَ بالملاعق والفمِ
أمشي.. وأحيانًا أطيرُ.. لأنّني
أهْوى السقوطَ، مع الحَمامِ، على دمي.