للمسرح التونسي رافدان أساسيان، مسارح العاصمة ومسارح المدن الداخلية (الكاف، قفصة، صفاقس أساساً) التي ظهرت منتصف ستّينيات القرن الماضي ضمن سياسة اللامركزية الثقافية التي اتبعتها الدولة التونسية المستقلّة حديثاً، وسرعان ما وفّرت بدائل وتنويعات في خطاب المسرح التونسي.
قليلون من تقاطعوا مع التجربتين، ومن هؤلاء الفنان المسرحي الراحل أمس، المنصف السويسي (1944 – 2016). فهو وإن كان ابن حي شعبي من العاصمة عُرف من خلاله مسرح الهواة وبعض الظهورات التمثيلية مع فرق محترفة في تونس العاصمة، فإن مسيرته الاحترافية ستبدأ في أقصى الغرب التونسي؛ مدينة الكاف التي عهدت إليه وزارة الثقافة بعد عودته من دراسة المسرح في فرنسا (1966) أن يؤسّس فيها فرقة مسرحية.
كان على صاحب مسرحية "القرار" إيجاد طاقم مسرحي في مدينة داخلية تونسية، ومن ثم توفير دورات تدريبية وفضاءات وغيرها مما تحتاجه التجربة إلى النضج، والتي لم تتأخر في إعطاء ثمارها فكانت أعمال "الهاني بودربالة" (1967) و"الزير سالم" (1969) و"البيادق" (1970) وخصوصاً في "ديوان ثورة الزنج" (1972).
في الثمانينيات، وكأن الدولة التونسية تراجعت عن "اللامركزية"، حيث أن معظم صانعي هذه التجربة سنجدهم مجدّداً في العاصمة؛ المنصف السويسي ولمين النهدي من الكاف، وكذلك محمد رجاء فرحات وفاضل الجعايبي وفاضل الجزيري من قفصة.
هنا، أيضاً سيُعهد للسويسي تأسيس "المسرح الوطني التونسي" (1983) المؤسسة الإنتاجية الأبرز في المسرح التونسي من عقود. هذا البُعد التأسيسي لدى السويسي سنجده في اتجاهات أخرى، فقد كان أحد مؤسسي "أيام قرطاج المسرحية" كما أسّس قبله "المهرجان الدولي لمسرح المتوسط".
في الثمانينيات أيضاً، سيكون للسويسي مساهمات تأسيسية في بلدان خليجية (الكويت، قطر والإمارات) حيث عمل على إضفاء بُعد مؤسساتي على العمل المسرحي فيها.
أكثر من 60 عملاً مسرحياً بين إخراج وكتابة هي حصيلة مشوار السويسي. أعمال وإن كانت قريبة من الهموم الشعبية وتراوح بين الكلاسيكيات ومحاولات التجريب إلا أنها لم تبلغ تلك الدرجة من الجماهيرية التي عرف كيف يبلغها مجايلوه حين اختاروا الابتعاد عن المؤسسة الرسمية في إطار تجربتهم في "المسرح الجديد".