مهدت مجموعة "مونتي بايثون"، التي ظهرت في الستينيات، لخلق شكل جديد من الكوميديا اللاذعة، البذيئة أحياناً و"السخيفة"، وشديدة النقدية، وقد تُوّج عملها عبر سلسلة "السيرك الطائر"، التي بثت بين عامي 1969 و1979 على شبكة الـ BBC.
ازدادت شهرة الإنكليز الستة؛ غراهم تشابمان، وجون كليس، وتيري غيليام ومايكل بلاين وتيري جونز، بعد عدّة أفلام قدموها، أبرزها "الكأس المقدسة" (1975)، و"حياة براين" (1979)، و"معنى الحياة" (1983). أعمال مثّلت محاكاة ساخرة للقصص التاريخيّة، يُحاكِم عبرها الفريق، بأسلوب نقدي وساخر، بعض الأسئلة التي شغلت البشريّة، وتكفلت الأديان بالإجابة عنها. تنزع سلسلة الأفلام هذه القدسية عن بعض الأفكار والشخصيات عبر تقديم سياق مغاير وسخيف. الأهم أن أسلوب بناء النكات في سلسلة "السيرك الطائر" الذي استخدم أيضاً في الأفلام، أعاد النظر في مفهوم الكوميديا وكيفية بناء الحكاية القائمة على اللامنطق والارتجال الذي يتم إثره بناء مواقف كاملة، كحالة سكيتش "وزارة المشي السخيف" الذي يخلق التناقض بين سخف الأداء وجدية الموضوع، إذ يحاول أحدهم فيه الحصول على منحة لتطوير مشية سخيفة قد تفيد البشريّة.
قبل يومين، رحل عن عالمنا تيري جونز (1942 - 2020)، مؤسس فريق "مونتي بايثون"، والعقل المدبّر لسلسلة "السيرك الطائر" الذي اعتمد في بناء الحبكات والنكات على غياب الهدف من النكتة، مركزاً على الكوميديا الجسدية والأخطاء وكوميديا المواقف، المهارة التي طورها قبل "مونتي بايثون" إثر عمله في المسرح، وتقديمه عدداً من الكوميديات ككاتب ومؤد. استلهم في عمله من الأميركي باستير كيتون، الممثل والكاتب والمخرج في السينما الصامتة الذي راهن على المفارقات والمخاطرات الجسدية لخلق الإضحاك.
تجربة جونز أوسع من "مونتي بايثون"؛ إذ أخرج الفيلم الشهير "المتاهة" الذي جسّد بطولته ديفيد بوي، وهو حكاية سورياليّة عن فتاة تحاول تجاوز متاهة يحكمها بوي. الفيلم، حسب تعبير جونز، يشبه حكاية "أليس في بلاد العجائب"، لكنه أكثر إضحاكاً. كذلك قام عام 2015 بإخراج فيلم "أي شيء بالتأكيد"، عن معلم مدرسة تراقبه كائنات فضائية. وكأن جونز لا يبتعد في تجربة الغرائبي، والتناقضات بين المنطقي والمستحيل، موظفاً المفارقات التي قد تنشأ عن هذا التلاقي، والذي يحول الكوميديا إلى أداة بحثية في طبيعة الاحتمالات المستحيلة، وهي واحدة من خصائص منهج العبث الذي يرى أن أحد وظائفه البحث في حلول متخيلة لمشاكل العالم، حسب تعبير ألفريد غاري.
اقــرأ أيضاً
ازدادت شهرة الإنكليز الستة؛ غراهم تشابمان، وجون كليس، وتيري غيليام ومايكل بلاين وتيري جونز، بعد عدّة أفلام قدموها، أبرزها "الكأس المقدسة" (1975)، و"حياة براين" (1979)، و"معنى الحياة" (1983). أعمال مثّلت محاكاة ساخرة للقصص التاريخيّة، يُحاكِم عبرها الفريق، بأسلوب نقدي وساخر، بعض الأسئلة التي شغلت البشريّة، وتكفلت الأديان بالإجابة عنها. تنزع سلسلة الأفلام هذه القدسية عن بعض الأفكار والشخصيات عبر تقديم سياق مغاير وسخيف. الأهم أن أسلوب بناء النكات في سلسلة "السيرك الطائر" الذي استخدم أيضاً في الأفلام، أعاد النظر في مفهوم الكوميديا وكيفية بناء الحكاية القائمة على اللامنطق والارتجال الذي يتم إثره بناء مواقف كاملة، كحالة سكيتش "وزارة المشي السخيف" الذي يخلق التناقض بين سخف الأداء وجدية الموضوع، إذ يحاول أحدهم فيه الحصول على منحة لتطوير مشية سخيفة قد تفيد البشريّة.
قبل يومين، رحل عن عالمنا تيري جونز (1942 - 2020)، مؤسس فريق "مونتي بايثون"، والعقل المدبّر لسلسلة "السيرك الطائر" الذي اعتمد في بناء الحبكات والنكات على غياب الهدف من النكتة، مركزاً على الكوميديا الجسدية والأخطاء وكوميديا المواقف، المهارة التي طورها قبل "مونتي بايثون" إثر عمله في المسرح، وتقديمه عدداً من الكوميديات ككاتب ومؤد. استلهم في عمله من الأميركي باستير كيتون، الممثل والكاتب والمخرج في السينما الصامتة الذي راهن على المفارقات والمخاطرات الجسدية لخلق الإضحاك.
تجربة جونز أوسع من "مونتي بايثون"؛ إذ أخرج الفيلم الشهير "المتاهة" الذي جسّد بطولته ديفيد بوي، وهو حكاية سورياليّة عن فتاة تحاول تجاوز متاهة يحكمها بوي. الفيلم، حسب تعبير جونز، يشبه حكاية "أليس في بلاد العجائب"، لكنه أكثر إضحاكاً. كذلك قام عام 2015 بإخراج فيلم "أي شيء بالتأكيد"، عن معلم مدرسة تراقبه كائنات فضائية. وكأن جونز لا يبتعد في تجربة الغرائبي، والتناقضات بين المنطقي والمستحيل، موظفاً المفارقات التي قد تنشأ عن هذا التلاقي، والذي يحول الكوميديا إلى أداة بحثية في طبيعة الاحتمالات المستحيلة، وهي واحدة من خصائص منهج العبث الذي يرى أن أحد وظائفه البحث في حلول متخيلة لمشاكل العالم، حسب تعبير ألفريد غاري.
يقول جونز إن فيلم "حياة براين" Monty Python's Life of Brian بدأ كإعادة لإنتاج حكاية المسيح، لكن أثناء البحث في الحكايات المقدسة، اكتشف الفريق أنه لا يوجد الكثير مما يمكن السخرية منه، فقد كان يسوع شخصياً لطيفاً، لذا قرروا أن يكون الفيلم عن حياة شاب اسمه براين، ولد إلى جانب المكان الذي ولد فيه المسيح، ليتتبعوا بعد ذلك حياته وعلاقته مع السلطة الرومانيّة. بالرغم من أن الفكرة تبدو "سخيفة"، لكنها تحيلنا إلى التاريخ ما قبل المسيحية، وحكايات الزيلوت الذين ظهروا في زمن المسيح، وادعوا النبوة وقاوموا الرومان، لكن تم صلبهم أيضاً. مع ذلك، منعت في أيرلندا الأفلام الثلاثة التي أخرجها أثناء عمله مع فريق "مونتي بايثون".
الأثر الذي تركه جونز يتجاوز السينما والتلفزيون، إذ لديه عدد من الكتب عن العصور الوسطى، تحولت لاحقاً إلى مسلسلات تلفزيونيّة، كما كتب عدداً كبيراً من الكتب المصورة بالتعاون مع الرسامين مايكل فورمان وبراين فورد ومارتن هونيسيت، كما كانت له آراء سياسية واضحة بخصوص حرب العراق والحرب على الإرهاب التي اشتهرت إثرها مقالته "لماذا تعتبر القواعد اللغوية الضحية الأولى للحرب؟"؛ إذ ينتقد فيها تعبير جورج بوش وطوني بلير، واصفاً الحرب على الإرهاب بأنها كمن يدعو إلى حرب ضد السخافة، وأن العبارة تعبير مجرد و"من الصعب على الأسماء المجردة أن تستسلم في وجه الدول، حقيقة من الصعب على الأسماء المجردة أن تقوم بأي شيء".هناك مفارقة تراجيدية نوعا ما في نهاية جونز، إذ أصيب بالخرف الذي صارعه منذ عام 2015، وهو فقدان القدرة على التفكير والتذكر وحتى الكلام. ذاكرة هذا الكوميديّ تلاشت مع الزمن، وكأنّه أصبح عاجزاً عن تكرار نكاته، بل إن صديق عمره مايكل بلاين، قال إن جونز لم يعد قادراً على معرفته، مع ذلك، كان قادراً على تذكر الكتب المصورة التي كتب نكاتها، بل إنه يضحك على بعضها، وكأن جزءاً منه ما زال حاضراً.