في قائمة الأعمال المسجلة للممثلة رجاء الجداوي في "قاعدة بيانات السينما المصرية"، هناك 369 عملاً، بين السينما والمسرح والتلفزيون، وهو رقم ضخم للغاية، حتى بالقياس على مسيرة ممتدة لأكثر من 60 عاماً. ومن الملفت أنه من بين تلك الأعمال، لا يوجد دور محدد مميز يمكن تذكّرها به أو اعتباره أيقونة، وعلى الأغلب فحتى أكثر محبيها لن يعتبرها "ممثلة عظيمة" مثلاً أو استثنائية، ومع ذلك كانت دائماً "صديقة" للفن المصري ومُصاحبة لمراحله المختلفة طوال عقود. فإذا لم يكن هذا بسبب موهبة تمثيل كبرى.. لماذا بَقيت رجاء الجداوي؟ ربما يأخذنا ذلك إلى سؤال أبعد عن علاقة "المتفرج" بـ"الممثل".
قبل بداية السينما، كان فن "التمثيل" مقترناً بالمسرح، وبسبب المسافة بين المتلقي وخشبة العرض، كانت سمات الممثلـ/ـة الجسدية بالإضافة إلى صوته هي "أدواته الأهم". مع دخول الكاميرا إلى المُعادلة، وما يصحبها من قربٍ شديد للممثل، صارت "الأدوات" مختلفة، الموهبة والقدرة التعبيرية قطعاً هي الجانب الأهم، ولكن هناك جانب آخر مهم أيضاً، وهو ما يتعلّق بالقبول والكاريزما؛ أن يحب الجمهور ممثل أو ممثلة ما، وبالتعبير المصري يكون "خفيفاً على القلب"، وتلك -تحديداً- كانت الميزة الكبرى لرجاء الجداوي، والتي زاد منها أنها هي نفسها تعاملت مع الفن بخفة ومحبة، وصرحت دوماً وفي لحظات مختلفة من مسيرتها بأن علاقتها به "حب من نظرة أولى".
نشأت الجداوي في عائلة فنية، وليست أي عائلة، فخالتها (شقيقة والدتها) هي الممثلة والراقصة الأيقونة تحية كاريوكا، وانتقلت الجداوي لتقيم معها في سنين حياتها الأولى، وبالتالي كان "الفن" و"السينما" و"الممثلين" و"الكاميرا" جزءاً من نشأتها كطفلة -حسب تعبيرها- ومع ذلك لم تفكر بالضرورة أن تصبح ممثلة، فما أرادته في البداية هو أن تكون عارضة ومصممة أزياء، وهو المسار الذي تحركت فيه فعلاً أثناء مراهقتها، ولكن حصولها على لقب "ملكة جمال القطر المصري" عام 1958، حين كانت في الـ 20 من عمرها، ثم رؤية المخرج أحمد بدرخان لها في بيت كاريوكا جعله يعرض عليها العمل معه بدور صغير في فيلم "غريبة"، من بطولة المطربة الشابة -حينها- نجاة الصغيرة، ووقتها دخلت الجداوي إلى "بلاتوه" السينما ولم تغادره أبداً.
اقتصر حضورها لوقتٍ طويل على كونها "الفتاة الجميلة"؛ أمام فاتن حمامة في "دعاء الكروان" (1959) أو صديقة لسعاد حسني في "إشاعة حب" (1960) وشادية في "كرامة زوجتي" (1967)، وغيرها من الأفلام الكلاسيكية التي كان حضورها فيها عابراً ولطيفاً. قبل أن تكبر أيضاً في السبعينيات والثمانينيات كـ"صديقة للبطلة"، كما حدث مع نادية لطفي في "على ورق سيلوفان" (1975) ومع سعاد حسني من جديد في "موعد على العشاء" (1981).
ومع نهاية الثمانينيات، كانت الجداوي قد تجاوزت الخمسين من عمرها، ودخلت في مرحلة جديدة، ميّزها شيئان؛ الأول هو صداقتها والكيمياء الفنية بينها وبين الممثل الكبير عادل إمام، وهو ما جعلها شريكته في العديد من الأعمال طوال 30 عاماً؛ سواء في المسرح "الواد سيد الشغال" (1986) و"الزعيم" (1993)، أو السينما مثل "حنفي الأبهة" (1991) و"التجربة الدنماركية" (2003) و"بوبوس" (2009)، أو التلفزيون مثل "عوالم خفية" (2018)، وغيرها من الأعمال التي اشتركت فيها مع إمام وخلقت لحظات ومشاهد مميزة وباقية.
الشيء الآخر هو حضورها التلفزيوني المكثف بشدة. صحيح أنها شاركت في أفلام مهمة مع جيل أكثر شباباً (مثل "السلم والثعبان" و"سهر الليالي" وغيرها)، ولكن النسبة الأكبر من مسيرتها الفنية كاملة كان المسلسلات التي شاركت فيها، والتي وصلت أحياناً إلى ثمانية مسلسلات في عامٍ واحد. كما شاركت في خمسة مسلسلات في عام 2018 وهي في الثمانين من عمرها، ولكن بروحٍ خفيفة، وكانت تبرر دوماً كثافة حضورها بأنها "تحب التمثيل والكاميرا"، تماماً بهذا الشكل المُبسط من دون أي مبالغة أو ادعاء، ولهذا فقد أحبها الناس، وصاحبت السينما والتلفزيون والمسرح في مصر لـ60 عاماً، كانت فيها صديقة الجميع، كأنها صديقة للفن نفسه.