ضمن قائمة الـ168 شخصاً ممّن أعلنت أمس عن رحيلهم وزارة الصحة الفرنسية من ضحايا فيروس كورونا، انتبه العالم الأكاديمي إلى أن من بينهم المفكّر لوسيان سيف، ولعله يشكّل أول التقاء بين دائرة المفكّرين بالوباء الذي يضرب العالم منذ أسابيع ويغيّر الكثير من معادلاته.
عن 93 عاماً، رحل سيف الذي ولد سنة 1926 في مدينة شامبيري، واشتهر خلال مسيرته المعرفية بمحاولات تطوير النظرية الماركسية، والخروج بها من الرؤية السياسية-الاقتصادية الضيّقة إلى منهجية شاملة تتناول مختلف حقول الحياة، وتنفتح على نظريات اعتبرت في وقت سابق مناقضة لها.
لأسباب كثيرة خفّ إشعاع سيف في العقدين الأخيرين، ومن ذلك خفوت الاستثمار الأكاديمي في البحوث ذات النزعة الماركسية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وأيضاً نظراً إلى رحيل كامل الجيل الأول من مفكّري اليسار ممن كانوا في الواجهة، ويمثّلون حلقة الوصل بين بيئة البحث والحياة العامة، ومن هذه الأسماء من احتكّ بهم سيف مباشرة: لوي ألتوسير وجان بول سارتر.
من أبرز الإصدارات المبكرة للمفكر الفرنسي عملٌ بعنوان "المدرسة والعلمانية" (1965)، وفيه يقدّم خلاصة نقدية لجميع التيارات الفكرية التي تناولت موقع المدرسة في المجتمع، ومن ورائها يدرس السياسات التي تحكم الفضاء العام، وقبل ذلك أصدر في 1962 كتاباً موسوعياً بعنوان "الفلسفة الفرنسية المعاصرة من 1789 إلى أيامنا"، ورغم أهمية العمل لم يجد حظوة لدى القراء، حيث كان سيف وقتها باحثاً غير معروف لدى الجمهور، لكنه سرعان ما حقّق مكانة مرموقة في الإطار الأكاديمي كأحد أنشط الباحثين الشباب في الفلسفة المعاصرة.
سيتغيّر الوضع تماماً في عقد السبعينيات، حين حاز سيف موقعاً أساسياً في الخريطة الفكرية الفرنسية ليس بسبب أبحاثه فحسب، بل بفضل موقعه ضمن منظومة النشر، إذ أدار من 1970 إلى 1982 إحدى أبرز دور النشر آنذاك "إيدسيون سوسيال" (المنشورات الاجتماعية).
خلاصة فكر سيف يمكن ملامستها ضمن المشروع الذي تصدّى له في السنوات الأخيرة من حياته، وعنونه بـ"التفكير مع ماركس اليوم"، وقد صدر منه أربعة أجزاء كان أوّلها في 2004 وآخرها السنة الماضية، ومن مفارقات هذا العمل أنه يطرح سؤالاً بدا مستحيلاً منذ سنوات، وهو هل الشيوعية قابلة للعودة؟ لعلّ النموذج الصيني الذي أصبح تحت الضوء بعد أحداث وباء كورونا يشير إلى أن تساؤلات سيف لم تأت من فراغ.