05 نوفمبر 2018
رسائل التطبيع في فيلم "الملاك"
يندرج فيلم "الملاك" عن تعاون أشرف مروان، مستشار الرئيس المصري أنور السادات، وصهر الرئيس جمال عبد الناصر، مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، في إطار أوسع من الجهود المتكرّرة التي لا تتوقف عن تطبيع العلاقات بين العرب والإسرائيليين، وكأن هذا الأمر هو الطبيعي الواجب حدوثه بعيدا عن أي ذكرٍ لجوهر الصراع، من خلال تهميش أسس الخلافات الجوهرية بين الطرفين.
وكغيره من مسرحيات في برودواي، أو مسلسلات وبرامج تليفزيونية أميركية، وبعضها عربي، أو فعاليات في مراكز أبحاث واشنطونية، أو في تغطيات صحافية.. لم يعد أحد يتناول جوهر الصراع، ولماذا هناك خلاف أو خلافات بين الطرفين، ولماذا لم يتم حلها خلال السبعين عاما الماضية، ولماذا ابتعد أمل حل الصراع العربي الإسرائيلي كله، أو حتى الفلسطيني الإسرائيلي، خصوصا بعدما تمكّنت قوى اليمين السياسي من الوصول إلى الحكم، في تل أبيب وواشنطن.
أظهر الفيلم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بمظهر رجعي، على المستويين، الفكري والعائلي. وتهكّم عليه، بسبب تمسّكه بالسوفييت، وإيمانه بما يمكن أن يقدّموه لدعم المجهود العسكري العربي. وأظهره الفيلم أبا متسلّطا يتدخل في تفاصيل علاقة ابنته بزوجها أشرف مروان، بالتهكم عليه، على الرغم من تسميتها ابنهما جمال.
أظهر الفيلم أشرف مروان في صورة مفكر سياسي من طراز فريد، تنبأ بانهيار الاتحاد السوفييتي الحتمي منذ نهايات ستينات القرن الماضي، وحاول إقناع حماه، عبد الناصر، بالتخلي عن السوفييت والتوجه إلى أميركا. كذلك أظهر مروان بصورة الرجل الذي يريد حقن الدماء، حبا ورغبة في تحقيق سلام بين مصر وإسرائيل، وبل ويصرّ على ضرورة عودة سيناء إلى السيادة المصرية في عدة حوارات في الفيلم، وهو ما يظهره بمظهر الرجل الوطني. ولم ينس الفيلم إظهار أشرف مروان رجلا طبيعيا يحب أسرته وزوجته، على الرغم من وجود نزوات هنا وهناك، إلا أنه يبقى رجلا طيبا وأبا حنونا وزوجا عطوفا، ويضعه الفيلم هنا في القالب نفسه الذي يضم أيضا ضابط جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الذي يحب عائلته الصغيرة أيضا وزوجته وابنته التي تقترب من سن جمال نجل أشرف مروان.
يتعلق أخطر ما في الفيلم بإظهار أشرف مروان رجلا طبيعيا تنازعه قوى الخير والشر معا، وفي آن واحد، ما اضطره إلى اللجوء إلى التجسّس من أجل المال تارة، ومن أجل العمل على تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل تارة أخرى. لم يشر الفيلم، من قريب أو بعيد، إلى اللحظة التي وصلت فيها العلاقات العربية الإسرائيلية إلى هذه النقطة في بداية السبعينات، ويشير فقط إلى أن إسرائيل كانت دوما في موقف الدفاع عن النفس. ومن الغريب واللافت للنظر أن الفيلم لم يتهكّم على أجهزة الاستخبارات المصرية، بل أظهرها إيجابية إلى حد كبير، ما يمثل لغزا إلى حد كبير.
ينفرد الفيلم بعرض التاريخ بصورةٍ تهدف إلى خدمة شخصية أشرف مروان، إذ وحده خطط ودفع السادات إلى تبنّي وجهة نظره بالهجوم على إسرائيل، بعد محاولات تمويه عسكرية مرة أو مرتين، قبل بدء المعارك الفعلية في أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وهو الذي اقترح يوم عيد الغفران لبدء الهجوم المصري السوري على إسرائيل. ويدعم الفيلم بصورة مباشرة وغير مباشرة إيمان السادات، وكبار قادة مصر العسكريين حينذاك، باستحالة هزيمة إسرائيل عسكريا. ويترك الفيلم المشاهد متأرجحا في موقفه من مروان "الرجل الساعي إلى تحقيق السلام بين بلاده وإسرائيل"!
ويهدف الفيلم إلى إحداث تعاطف مع أشرف مروان بين المشاهدين المصريين والعرب، أو على أقل تقدير، أن يتأرجح موقفهم من شخصيته، رجلا محبّا للسلام، يريد حقن الدماء، وأن تستعيد بلاده أرضها المحتلة في سيناء. ويجمّل الفيلم بصورة كبيرة فكرة التعاون مع إسرائيل، ومع الأخذ في الحسبان أن أغلب مستخدمي "نيتفليكس" (Netflix) من المصريين والعرب هم من الفئة العمرية الأقل من 40 عاما، فهم أقلّ ارتباطا بالقضية الفلسطينية تاريخيا، مقارنة بأجيال أبائهم، وهنا يبرز غرض الفيلم وتوقيت عرضه. ذلك أنه جاء بينما تتبنّى الإدارة الأميركية سياسات دفعت الحكام العرب إلى قبول القدس عاصمة لإسرائيل، وجاء بينما تزيح إدارة ترامب قضية اللاجئين من على طاولة التفاوض، واعتبارها ملايين اللاجئين الفلسطينيين غير لاجئين، ويجيء كذلك وسط جهود حثيثة لفرض سلام على الفلسطينيين والعرب، من تقديم إسرائيل شيئا.
ويدعم الفيلم فكرة أنه لا ينبغي الانتظار لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكي تُحل بقية قضايا الشرق الأوسط وصراعاته، من خلال كلمات أشرف مروان عما سيتمتع به الطرفان حال تحقيق السلام. ويدعم الفيلم فكرة التسليم الكامل لإسرائيل، والقبول بعدم وجود صراع معها من الأساس، وأن احتلال أراضي شعبٍ اسمه الفلسطينيون ليس أصل الصراع. ويدعو، في النهاية، إلى ضرورة التطبيع مع الواقع الجديد، من خلال لقطات احتفالية للرئيس المصري، أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، في صحبة الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، عشية التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.
وكغيره من مسرحيات في برودواي، أو مسلسلات وبرامج تليفزيونية أميركية، وبعضها عربي، أو فعاليات في مراكز أبحاث واشنطونية، أو في تغطيات صحافية.. لم يعد أحد يتناول جوهر الصراع، ولماذا هناك خلاف أو خلافات بين الطرفين، ولماذا لم يتم حلها خلال السبعين عاما الماضية، ولماذا ابتعد أمل حل الصراع العربي الإسرائيلي كله، أو حتى الفلسطيني الإسرائيلي، خصوصا بعدما تمكّنت قوى اليمين السياسي من الوصول إلى الحكم، في تل أبيب وواشنطن.
أظهر الفيلم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بمظهر رجعي، على المستويين، الفكري والعائلي. وتهكّم عليه، بسبب تمسّكه بالسوفييت، وإيمانه بما يمكن أن يقدّموه لدعم المجهود العسكري العربي. وأظهره الفيلم أبا متسلّطا يتدخل في تفاصيل علاقة ابنته بزوجها أشرف مروان، بالتهكم عليه، على الرغم من تسميتها ابنهما جمال.
أظهر الفيلم أشرف مروان في صورة مفكر سياسي من طراز فريد، تنبأ بانهيار الاتحاد السوفييتي الحتمي منذ نهايات ستينات القرن الماضي، وحاول إقناع حماه، عبد الناصر، بالتخلي عن السوفييت والتوجه إلى أميركا. كذلك أظهر مروان بصورة الرجل الذي يريد حقن الدماء، حبا ورغبة في تحقيق سلام بين مصر وإسرائيل، وبل ويصرّ على ضرورة عودة سيناء إلى السيادة المصرية في عدة حوارات في الفيلم، وهو ما يظهره بمظهر الرجل الوطني. ولم ينس الفيلم إظهار أشرف مروان رجلا طبيعيا يحب أسرته وزوجته، على الرغم من وجود نزوات هنا وهناك، إلا أنه يبقى رجلا طيبا وأبا حنونا وزوجا عطوفا، ويضعه الفيلم هنا في القالب نفسه الذي يضم أيضا ضابط جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الذي يحب عائلته الصغيرة أيضا وزوجته وابنته التي تقترب من سن جمال نجل أشرف مروان.
يتعلق أخطر ما في الفيلم بإظهار أشرف مروان رجلا طبيعيا تنازعه قوى الخير والشر معا، وفي آن واحد، ما اضطره إلى اللجوء إلى التجسّس من أجل المال تارة، ومن أجل العمل على تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل تارة أخرى. لم يشر الفيلم، من قريب أو بعيد، إلى اللحظة التي وصلت فيها العلاقات العربية الإسرائيلية إلى هذه النقطة في بداية السبعينات، ويشير فقط إلى أن إسرائيل كانت دوما في موقف الدفاع عن النفس. ومن الغريب واللافت للنظر أن الفيلم لم يتهكّم على أجهزة الاستخبارات المصرية، بل أظهرها إيجابية إلى حد كبير، ما يمثل لغزا إلى حد كبير.
ينفرد الفيلم بعرض التاريخ بصورةٍ تهدف إلى خدمة شخصية أشرف مروان، إذ وحده خطط ودفع السادات إلى تبنّي وجهة نظره بالهجوم على إسرائيل، بعد محاولات تمويه عسكرية مرة أو مرتين، قبل بدء المعارك الفعلية في أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وهو الذي اقترح يوم عيد الغفران لبدء الهجوم المصري السوري على إسرائيل. ويدعم الفيلم بصورة مباشرة وغير مباشرة إيمان السادات، وكبار قادة مصر العسكريين حينذاك، باستحالة هزيمة إسرائيل عسكريا. ويترك الفيلم المشاهد متأرجحا في موقفه من مروان "الرجل الساعي إلى تحقيق السلام بين بلاده وإسرائيل"!
ويهدف الفيلم إلى إحداث تعاطف مع أشرف مروان بين المشاهدين المصريين والعرب، أو على أقل تقدير، أن يتأرجح موقفهم من شخصيته، رجلا محبّا للسلام، يريد حقن الدماء، وأن تستعيد بلاده أرضها المحتلة في سيناء. ويجمّل الفيلم بصورة كبيرة فكرة التعاون مع إسرائيل، ومع الأخذ في الحسبان أن أغلب مستخدمي "نيتفليكس" (Netflix) من المصريين والعرب هم من الفئة العمرية الأقل من 40 عاما، فهم أقلّ ارتباطا بالقضية الفلسطينية تاريخيا، مقارنة بأجيال أبائهم، وهنا يبرز غرض الفيلم وتوقيت عرضه. ذلك أنه جاء بينما تتبنّى الإدارة الأميركية سياسات دفعت الحكام العرب إلى قبول القدس عاصمة لإسرائيل، وجاء بينما تزيح إدارة ترامب قضية اللاجئين من على طاولة التفاوض، واعتبارها ملايين اللاجئين الفلسطينيين غير لاجئين، ويجيء كذلك وسط جهود حثيثة لفرض سلام على الفلسطينيين والعرب، من تقديم إسرائيل شيئا.
ويدعم الفيلم فكرة أنه لا ينبغي الانتظار لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكي تُحل بقية قضايا الشرق الأوسط وصراعاته، من خلال كلمات أشرف مروان عما سيتمتع به الطرفان حال تحقيق السلام. ويدعم الفيلم فكرة التسليم الكامل لإسرائيل، والقبول بعدم وجود صراع معها من الأساس، وأن احتلال أراضي شعبٍ اسمه الفلسطينيون ليس أصل الصراع. ويدعو، في النهاية، إلى ضرورة التطبيع مع الواقع الجديد، من خلال لقطات احتفالية للرئيس المصري، أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، في صحبة الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، عشية التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.