جاءت التساؤلات التي وجّهتها المرجعية الدينية في النجف، خلال خطبة الجمعة الماضية، لتثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن توقيتها والمغزى منها. ففي الوقت الذي رأى فيها سياسيون ومراقبون أنها بمثابة قيام مرجعية النجف بسحب البساط من تحت أقدام حكومة عادل عبد المهدي، التي لم تعارضها عند تشكيلها في أكتوبر/تشرين الأول 2018، يرى نواب أن هذه التساؤلات تمثل تحذيرات من المرجعية تهدف لتصحيح عمل الحكومة.
ووجّه ممثل المرجع الديني علي السيستاني في كربلاء أحمد الصافي مجموعة أسئلة للحكومة قال إنه لا يعرف أجوبتها، متسائلاً، خلال خطبة الجمعة، "أين ذهبت أموال البلاد بأرقامها المرعبة؟ ولماذا ما زالت معاناة الشعب العراقي مستمرة؟". وأضاف "متى ينتهي التعب والمعاناة؟ نتمنى أن نجد من يجيب عن هذه التساؤلات ويعطي الحلول وينهي المعاناة"، مضيفاً "في كل يوم نسمع عن الفساد وعن أرقامه الكبيرة والمهولة".
وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قال، خلال لقائه عدداً من الصحافيين في بغداد، إن حكومته أنجزت الجزء الأكبر من البرنامج الحكومي خلال الستة أشهر الأولى من عملها، نافياً الأنباء التي تحدثت عن نيّته إجراء تغييرات في حكومته. إلا أن عضو لجنة مراقبة البرنامج الحكومي في البرلمان العراقي محمد كريم أكد أن البرلمان له الحق باستضافة أو استجواب الوزراء بهدف تصحيح عمل الحكومة وليس الانتقاص منها أو إضعافها. وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الومضات التي أرسلتها المرجعية الدينية ستكون عاملاً مساعداً في عملية التصحيح". واعتبر أن مرجعية النجف شخصت الأخطاء بعينها، ولاحظت ما يجري على الساحتين الداخلية والخارجية، قبل أن تطرح توصياتها للارتقاء بالأداء الحكومي، مؤكداً أن الحكومة أخذت فرصة مناسبة للانطلاق، ولا بد لها أن تضع ما يخدم المجتمع والناس نصب أعينها. وأشار كريم إلى أن هدف المرجعية كان حث العراقيين على مراقبة أداء الحكومة، لافتاً إلى أن بعض السياسيين يعتقد أن خطاب المرجعية يمثل الإنذار الأخير ونهاية المطاف للحكومة. وأضاف "أنا كجزء من مؤسسة تشريعية رقابية يجب أن يكون دوري داعماً للمسيرة الصحيحة، والعمل على تصحيح المسارات الخاطئة"، موضحاً أن على البرلمان ممارسة دوره الرقابي على الحكومة المُلزمة بتوفير الخدمات، وهذا الأمر يتطلب استضافات واستجوابات للوزراء بهدف تصحيح عمل السلطة التنفيذية.
من جهته، أكد مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة ستعمل خلال الفترة المقبلة من أجل الإجابة على تساؤلات المرجعية، مبيناً أن حديث بعض النواب والسياسيين عن رفع الدعم عن حكومة عبد المهدي أمر مبالغ به ويهدف للتسقيط السياسي. أما عضو التيار المدني العراقي عماد التميمي فرأى أن الحكومة ستعاني كثيراً خلال المرحلة المقبلة بعد خطاب النجف الحاد تجاهها، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن التجارب السياسية السابقة أثبتت خسارة أي رئيس وزراء تقوم المرجعية برفع الدعم عنه. ولفت إلى أن انتقاد المرجعية للحكومة كان واضحاً لا يقبل الشك، لأن الحكومة هي المسؤولة عن صرف الأموال وتوفير الخدمات والإيفاء بالوعود التي لم يتحقق منها شيء، متوقعاً أن تُحدث هذه الانعطافة تغييراً كبيراً قد ينعكس على الشارع من خلال عودة التظاهرات والاعتصامات المطالبة بالخدمات.
من جهته، توقع المحلل السياسي علي حسين الجبوري أن تستغل المعارضة العراقية الموقف الذي وضعت فيه الحكومة بعد انتقادها من قبل المرجعية والبرلمان لتحقق مكاسب سياسية، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تيار "الحكمة" المعارض سيحاول استغلال أي أزمة تبدو فيها الحكومة ضعيفة، لأنه وفقاً للسياقات الديمقراطية فإن أي ضعف للحكومة يعني قوة للمعارضة. وفي هذا السياق، طالب رئيس تيار "الحكمة" المعارض عمار الحكيم الحكومة العراقية بتقديم إجابات واضحة لتساؤلات المرجعية الدينية بشأن إنهاء معاناة الشعب، مشدداً، في تغريدة على "تويتر"، على "ضرورة قيام الحكومة وبشكل عاجل بتنوير الشعب والرأي العام بإجابات واضحة وشفافة ليكون الناس على بينة من أمرهم. وقال "كفى رهاناً على صبر شعبنا وتحمله".