البعض أشار إلى بُعد صوفي في أعماله وراحوا ينظّرون حوله استناداً إلى اهتماماته بابن عربي ورموز التصوّف أثناء دراسته الفلسفة في "جامعة القاهرة" حيث تخرّج منها عام 1978، رغم أن شخصياته مسكونة بحواسها وباحثة عن تحرّرها في الحياة ومبتدأها الجسد دوماً.
وذهب آخرون إلى التركيز على ثورية صاحب "ليه يا بنفسج" نظراً إلى مشاركته في انتفاضة الخبز في يناير/ كانون الثاني 1977 وتعرَضه إلى الاعتقال الذي تكرّر مرّة أخرى عام 1981 حين سجن السادات مئات من معارضيه، وتأليفه كتاب "الحرية والعدالة في فكر عبد الله النديم"، لكن المتابع لأفلامه التسجيلية والروائية يلاحظ ابتعاده عن طرح المقولات الكبرى التي انشغل بها مجايلوه بشكل مباشر، وفي مقدّمتها الانفتاح الاقتصادي نهاية السبعينيات وتداعياته.
فريق ثالث صنّف تجربة الكاشف في إطار ما أسماه بـ "الواقعية السحرية"، في إشارة إلى تتبّعه القاع الأسطوري الذي يشكّل اللاوعي الجمعي كما يبرزها فيلميه اللذين كتبا نصّهما "ليه يا بنفسج" (1992) "عَرق البلح" (1998)، وفيلمه الروائي الثالث "الساحر" (2002)، غير أن ذلك كان المستوى الأول الذي ينطلق منه لـ"تفكيك الواقع وإعادة تركيبه" كما يشير في إحدى مقابلاته.
بعد ذلك يذهب في تحليل سيكولوجية أبطاله والحفر والتنقيب في دوافعهم واحتياجاتهم حيث يرصد ثلاثة أصدقاء مهمّشين في "ليه يا بنفسج" وكيف يقودهم إحباطهم إلى تغليب تلك المنطقة المظلمة في داخل كلّ منهم فتحرّكهم انتهازيتهم بحثاً عن خلاص من عوالمهم السفلية، أو في تملّك الرغبة الجنسية لنساء النجع في "عَرق البلح" في غيبة رجالهن بعد أن انمحى أي أثر لهم في أنفسهن يستحق من أجله التمسك بـ"العفة".
ولا يتكلّف نسج حبكة واضحة يتمحور حولها العمل، والصراع الأساسي تولّده مواجهة كلّ فرد مع ثقافة الجماعة المكوّنة لوعيها البدائي بقيم الأرض والشرف والعائلة والصداقة، ثم بتحليل تناقضاتها الداخلية وآليات دفاعها عن وجودها ورغباتها ومصالحها، لتتبلور سلوكياتها في النهاية ضمن سياق اجتماعي سياسي هو تعبيّر عن محصّلة هذه الصراعات النفسية والاجتماعية، وليس هو المنطلق في تفسير حياة الناس عبر إسقاط المحطّات المفصلية في التاريخ المصري الحديث عليهم، كما فعل كثير من السينمائيين المعاصرين لصاحب الفيلم التسجيلي "الحياة اليومية لبائع متجول".
كانت نكسة حزيران عام 1967 الباعث في ظهور جيل من المخرجين أرادوا مواجهة الهزيمة، ومنهم رضوان الكاشف، لكنه في لحظة ما قرّر أن يسير عكس التيار فيمّم وجه إلى الجنوب؛ حيث ينتمي إلى محافظة سوهاج في الصعيد الجواني منذ الفيلم الذي قدّمه مشروع تخرجه من "المعهد العالي للسينما" عام 1984 بعنوان "جنوبية".
لم يعر انتباهاً إلى كل ما يلمع تحت الأضواء، فأتى فيلمه "عَرق البلح" الذي لم يجد منتجاً له مدّة عشر سنوات، بحثاً فلسفياً وسينمائياً وسوسيولوجياً في تلك الشمس التي ترمز إلى الخطر والعدو والظل هو الاستقرار والدار والأخلاق، وفي حركة الكاميرا وتراكم الحدث تجلّت القصة كاملة دون فائض كلام حيث الرجال المسافرين للعمل في الخليج يتركون خلفهم موتاً وضياعاً ووطناً ملؤه التشوّه والانكسارات.
عن خمسين عاماً، رحل الكاشف بسبعة أعمال فقط، خاض لأجلها معارك قاسية مع الرقابة واشتراطات السوق لكنه أصّر على مقولته "أنا أفلامي لازم تشبهني" وكان له ما تمنى.