يتمسك عدد من نواب البرلمان المصري برفضهم للتعديل التشريعي الذي أدخلته حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي على قانون الجنسية، ويقضي بمنحها للمستثمرين مقابل وديعة مصرفية، محذرين من تداعيات التعديل، وإهانته للمصريين، وتشكيله خطراً على الأمن القومي للبلاد. وكانت الحكومة قد أرسلت إلى قسم التشريع في مجلس الدولة، مشروعاً يسمح بمنح الجنسية المصرية للأجنبي مقابل مبلغ مالي يُدفع في صورة وديعة لمدة 5 سنوات، تقدرها وزارة الداخلية بعد موافقة رئاسة الوزراء، بدعوى "تنشيط الاستثمارات الأجنبية في مصر، وتشجيع الأجانب على القدوم إلى القاهرة، والاستثمار فيها مع التمتع بالضمانات والتسهيلات المقررة للمواطنين المصريين".
يرى عضو تكتل "25-30" البرلماني، هيثم الحريري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بيع الجنسية المصرية للعرب مقابل ودائع مصرفية مرفوض شكلاً ومضموناً"، ويعدّ "إهانة بالغة للشعب المصري". ويشير إلى أن "المقترح الحكومي سيلاقي معارضة شرسة في انتظاره حين إرساله إلى مجلس النواب، الذي لن يقبل أعضاؤه بيع جنسية الوطن لمن يدفع الثمن"، على حد قوله.
ووفقاً للحريري، فإنّ تصرفات حكومة شريف إسماعيل في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية "تؤكد عدم أهليتها لإدارة شؤون المصريين، وخطأ أغلبية البرلمان في منحها الثقة". كما يدعو الحكومة إلى توفير مناخ آمن للاستثمار يهدف لإقامة مشروعات جديدة، بدلاً من طرح جنسية الدولة للبيع.
من جهته، يعتبر نائب الحزب المصري الديمقراطي، خالد شعبان، أن طرح الجنسية للبيع مقابل مبالغ مادية "أمر مُهين"، ويحمل في طياته تداعيات خطيرة ترتبط بأمن مصر القومي. كما يشير إلى أن التعديل التشريعي يحتاج إلى إعادة تقييم، ودراسة متأنية، لأن منح الجنسية لغير المصريين "لا بد وأن يصاحبه تنسيق مع أجهزة الدولة السيادية".
بدوره، ينتقد النائب المستقل، أحمد فرغل، التشريع الحكومي، لافتاً إلى أنه "بدلاً من بيع الجنسية المصرية، يُمكن للحكومة منح تسهيلات للمستثمرين الأجانب تتمثل في الإعفاء المرحلي من الضرائب أو منح الإقامة المؤقتة لمدد محددة". ويحذر من خطورة ترشح المستثمر الأجنبي لعضوية البرلمان وتحكمه في قرارات وقوانين الدولة المصرية.
في السياق نفسه، قدم النائب مصطفى بكري، طلباً إلى رئيس البرلمان، علي عبدالعال، يوم الأحد الماضي، يطالبه فيه بسرعة مناقشة المجلس النيابي لمشروع القانون الحكومي، واستدعاء رئيس الحكومة شريف إسماعيل للرد على تساؤلات النواب المشروعة بشأن خطورة منح الجنسية المصرية للأجانب. ووفقاً لبكري فإن "الأزمة الاقتصادية والحاجة لاستثمارات لا تكون مدعاة للتخلي عن ثوابت الأمن القومي"، لافتاً إلى أن "القانون سيحدث حالة من عدم الاستقرار في البلاد، ولاسيما أن الاستثمار بالوكالة أصبح أمراً شائعاً في دول العالم، لتحقيق أهداف سياسية معادية".
ويتزامن المشروع الحكومي مع اقتراح رئيس لجنة الإسكان في البرلمان، القيادي السابق بالحزب الوطني المنحل، معتز محمود، بمنح الجنسية المصرية للعرب مقابل دفع مبالغ مالية أو ودائع بنكية، ومساهمات من شأنها التأثير إيجاباً على الاقتصاد المصري المتراجع. وبرر محمود اقتراحه بالقول إن عدد العرب الراغبين في الحصول على الجنسية المصرية يقترب من خمسين ألف مواطن، وأنه "يمكن للأجهزة الأمنية استهداف ثلاثين ألفا من بينهم بعد إجراء التحريات اللازمة، ومنحهم الجنسية مقابل تحصيل وزارة الداخلية للأموال من جانبهم".
وينصّ المشروع على استحداث فئة جديدة من الأجانب اسمها "الأجانب ذوو الإقامة بوديعة" وعرّفهم بأنهم الأجانب الذين يودعون وديعة نقدية، ويصدر قرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء، بتحديد المرخص لهم بالإقامة ومدتها وقيمة الوديعة ونوع عملتها وتنظيم إيداعها واستردادها والبنوك التي يتم الإيداع بها.
وفي مادة جديدة رقمها 4 مكرر، يجيز المشروع أن يصدر قرار من وزير الداخلية بمنح الجنسية المصرية لكل أجنبي أقام في مصر إقامة بوديعة لمدة خمس سنوات متتالية على الأقل، سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغاً سن الرشد، وتوافرت فيه الشروط المبينة في البند "رابعاً" من المادة (4) من قانون الجنسية. ووفقاً للمشروع، فإن شروط وقواعد تقديم طلب التجنس تصدر بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء، وفي حالة قبول طلب التجنس، تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة.
وأتى في المذكرة الإيضاحية للمشروع أنه "جاء انطلاقاً من السياسة التي تنتهجها الدولة في تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية، وتيسيراً على الأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوي بمصر، والعمل على خلق جو من الثقة والاستقرار ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشروعاتهم، وتحقيقاً للاستقرار العائلي لهم". وأوضحت المذكرة أن الأجنبي الذي سيدفع الوديعة النقدية المطلوبة تمهيداً لحصوله على الجنسية، سيودعها في أحد البنوك المصرية التي تحدد لاحقاً، وذلك طوال مدة إقامته في مصر، ولمدة 5 سنوات على الأقل ليسمح لهم بعد ذلك الحصول على الجنسية المصرية. وأكدت المذكرة الإيضاحية أنه "تقديراً من الدولة المصرية لدور الأجانب والعرب في المساهمة في تنشيط الاستثمار، ودعم الاقتصاد الوطني، فقد اعتبرت أن إقامتهم في مصر لمدة لا تقل عن 5 سنوات أمراً يشكل نوعاً من الوفاء والانتماء إلى الدولة المصرية، ولذلك يجوز منحهم الحق في طلب التجنس بالجنسية المصرية".