وصل رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، الجنرال نيكولاي باتروشيف بصحبة ممثلين عن "وزارات القوة" الروسية، يوم الإثنين، في زيارة لم يُعلن عنها من قبل، إلا على موقع "إيران.رو". والتقى، أمس الثلاثاء، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني.
والملفت أن وسائل الإعلام الروسية تجاهلت هذه الزيارة، ولم تأتِ على ذكرها مطلقاً، سواء قبل حدوثها أم مع بدء أعمالها. فالوكالات الروسية المركزية، مثل "ريا نوفوستي" و"إنترفاكس" و"إيتار تاس"، لم تُفِد بسطر واحد عنها، على الرغم من أن هذه الزيارة يمكن أن تُشكّل حدثاً مفصلياً من أحداث العام الحالي، في العلاقات بين موسكو وطهران. وربما تُحدد شيئاً من طبيعة المواجهة المقبلة في المنطقة، في حال توسع الصراع مع المتشددين وداعميهم ومن يواجههم، ليصل عبر إيران إلى روسيا.
وبعدما أعلن وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، في الاجتماع السنوي لرابطة "جيش الولايات المتحدة"، أن "التهديد الذي يشكّله الإرهابيون، سوف يستمر في الوجود بالنسبة لنا لفترة طويلة، وعلينا أيضا التعامل مع روسيا الرجعية، بجيشها الحديث المتمركز على عتبة حلف شمال الأطلسي والذي يتمتع بكفاءة قتالية".
ويضع هذا التصريح الذي نُشر على موقع "ريا.رو"، روسيا بالنسبة لواشنطن على مستوى التهديد الذي يرقى إليه الإرهاب الدولي، في مسألتي المخاطر والنوع. ولذلك يعتبر الروس أن تعزيز أمن الدولة، يُعدّ على رأس قائمة الأولويات، ويعتبرون أن أي تباطؤ في هذا المجال خطرٌ جسيم.
ويرى الخبراء العسكريون والجيوسياسيون، على المواقع الإلكترونية ذات الشأن، أن "الطور الساخن من مواجهة عسكرية محتملة، بين مصالح روسيا ومصالح الغرب المتضاربة، يُمكن أن يندلع في آسيا الوسطى المتاخمة لروسيا والقوقاز الروسي، ولذلك فلا بدّ، استعداداً لذلك، من التعاون الوثيق بين وزارات القوة الروسية والإيرانية".
وعليه، يُعدّ التعاون مع إيران، في المجالات التقنية العسكرية والسياسية، جزءاً عضوياً من تعزيز الأمن القومي، الذي تنتهجه موسكو على جبهتها الجنوبية، وبالدرجة الأولى على أرضية "الاتحاد الأوراسي الاقتصادي" ودول "اتفاقية الدفاع المشترك".
وفي هذا السياق، يأتي تزويد قرغيزستان وطاجيكستان بأسلحة روسية نوعية حديثة، واستعادة منظومة الدفاع الجوي الموحّدة وتحديثها على الحدود الجنوبية لروسيا، وكذلك، إعادة وحدات الجيش الروسي المتخصصة بالدفاع الجوي الفضائي إلى أراضي الجمهوريات الحليفة وتحديثها.
وهنا يمكن الحديث عن محطة "أوكنو" (النافذة) في طاجيكستان، والتي تعمل في وضع استعداد قتالي منذ العام 2004، وتُعتبر من أكثر المحطات كفاءة لحماية المجال الفضائي في القوات الفضائية الروسية.
كما يُمكن الحديث عن حقل الرمي العملاق "ساري شاغان" في كازاخستان، الذي تستخدمه روسيا لاختبار منظومات الدفاع الصاروخي. علماً بأن ذلك كله يدخل في عداد برنامج روسي متكامل، لتعزيز القدرات الدفاعية وتطوير الأسلحة النووية وحواملها وإعادة تموضعها لتصل إلى أهدافها، وكذلك تطوير وسائل الرصد واعتراض صواريخ العدو المحتمل، في مواجهة الدرع الصاروخية الأميركية وادعاءات واشنطن أنها تستهدف إيران دون روسيا.
ومن خلال برنامج دفاعها المتكامل مع محيطها الذي تربطها به مصالح استراتيجية، تأخذ روسيا على عاتقها أمن أقاليم آسيا الوسطى المتاخمة لها وتُعنى بأمن إيران. وهي تُفعّل من أجل ذلك التكامل العسكري مع أعضاء "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، وربما تخطو خطوة من قبيل ذلك مع إيران. لكنها ستكون خطوة غير مُعلنة، ذلك لأن الكرملين يتجنب المواجهة المباشرة والتصعيد، خصوصاً في ظلّ العقوبات الاقتصادية التي تضيّق الخناق على روسيا.
وفيما يبدو أن التنسيق قد نضج، على المستوى السياسي، فإن آليات الدفاع المشترك تبقى مسألة معقدة وتحتاج ترتيبات سياسية وتقنية عسكرية، ولا تتعلق بالنوايا وحدها، على الرغم من ترسخ صورة العدو المشترك الذي لا يُخفي نفسه، ولم يعد يحتاج الحشد ضده شعارات قومية، سواء في روسيا أم إيران، وهو بالدرجة الأولى: الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يُدرج موقع "إيران.رو"، الذي انفرد بخبر زيارة القيادة الأمنية الروسية لطهران، زيارة باتروشيف والوفد المرافق له من "وزارات القوة" الروسية، ويتوقع في الوقت نفسه أن تنتهي الزيارة بتوقيع بروتوكولات مهمة، تؤكد أن الشراكة الروسية الإيرانية في المجال الأمني ــ العسكري باتت واضحة الأسس، وسيجري بث الحياة فيها لتتحول إلى واقع فعلي في أقرب وقت.
ومن الأشياء التي ربما، لعبت دور العامل المسرّع لإنجاز التنسيق الأمني والعسكري رفيع المستوى، والذي يُنتظر أن يرقى عملياً إلى مستوى الحلف، وإن مؤقتاً، بين موسكو وطهران، تطورّات المنطقة المتمثلة بتشكيل تحالف دولي واسع لمواجهة (مزعومة) مع "داعش"، وإعلان أنها مهمة ستستغرق سنوات، وبالتالي فمن المرجّح أن يتمّ انتشار محتمل لمسرح عمليات "داعش" ومواجهتها إلى دول الجوار، بما فيها إيران والأقاليم الإسلامية الروسية.
فهل تشهد الأيام القريبة المقبلة تحولا في معادلة المنطقة، أم أن واشنطن ستترك للمياه الروسية الإيرانية أن تجري إلى مستقرها، فتتابع سياستها الشرق أوسطية، غير عابئة بما تفعل موسكو وطهران؟