تبدو الأحداث متسارعة على الحدود الجنوبية لتونس، وتؤشر إلى تغييرات وشيكة في الجارة ليبيا؛ فمع تعطل التوصل إلى حكومة وحدة وطنية، يبدأ سيناريو العد العكسي لإنهاء الأزمة التي طالت أكثر مما ينبغي، والذي عبرت جهات دولية عديدة عن اعتقادها بحدوثه خلال شهر رمضان.
لكن في ظل هذه التطورات، ظهر قلق تونسي من تحولات الأزمة الليبية واحتمال التدخل العسكري فيها، خصوصاً بعد الدخول الأوروبي على الخط من باب محاربة الهجرة غير الشرعية في المتوسط، فيما كُشف عن أياد تونسية خفية عملت على عرقلة أزمة الدبلوماسيين المختطفين، وتحاول بث الخلاف بين البلدين الجارين، بحسب الجهات الرسمية التي وجهت الاتهام.
اقرأ أيضاً: خلاف أوروبي حول سبل صدّ أمواج المهاجرين
تغييرات ميدانية
وتتمثل هذه المؤشرات الجديدة في التغيير الواضح في ميزان القوى على الأرض، وإعادة انتشار الجهات المتنازعة في بعض المدن، وتغيير المعادلات السياسية التي تضع قوة "فجر ليبيا" في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). غير أنّ الأحداث أثبتت، في الوقت نفسه، ضعف "فجر ليبيا" في السيطرة على بعض كتائبها المسلحة، ومثلت حادثة خطف الدبلوماسيين التونسيين مثالاً جلياً عن ذلك.
التغييرات طالت أيضاً الأوضاع في درنة، أكثر المدن الليبية حرارة، بالإضافة إلى إعلان دول الاتحاد الأوروبي عن تحركات عسكرية مريبة في المتوسط؛ هدفها المعلن مكافحة المهربين والمتاجرين بالبشر، لكن باطنها يبقى مجهولاً. وهو الأمر الذي ردت عليه حكومة طبرق بتوجيه إنذار واضح بأن "أية سفينة تدخل المياه الإقليمية الليبية دون إذن ستكون هدفا للمقاتلات الليبية".
ريبة روسية تونسية من التحركات الأوروبية
يأتي ذلك وسط مخاوف أثارتها روسيا حول التحركات الأوروبية وشرعيتها الدولية، فيما تُطرح فرضيات حول رغبة ما في الضغط على الفرقاء للإسراع في إنجاز المصالحة، أو حسم الأمور عسكرياً، وإحداث ميزان قوى جديد لا أحد يعرف شكله المقبل إلا مهندسوه.
وسبق لوزير الخارجية الألماني، فرانك شتاينماير، أن أعلن صراحة، بمناسبة استضافة بلاده جولة مفاوضات ليبية منذ أيام، أنها "الفرصة الأخيرة".
وفي إطار المخاوف الروسية من التحركات الأوروبية، قال الكرملين، الاثنين، إنه "غير واثق من شرعية العملية العسكرية ضد السفن التي تحمل المهاجرين عبر المتوسط". واعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن مسألة شرعية الإجراءات المعلنة لا تزال قائمة، مضيفاً "لا تزال أمامنا مسألة معرفة إلى أي مدى يمكن أن تتطابق هذه الإجراءات مع مبادئ القانون الدولي. وعلينا دراسة مثل هذا القرار من جهة الشرعية".
واللافت أن الموقف الروسي تزامن مع زيارة الأمين العام الجديد لحزب "نداء تونس"، محسن مرزوق، إلى موسكو، مبعوثاً من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
والتقى مرزوق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وأكد الطرفان في بيان مشترك أن "الحوار الوطني الواسع، وضمان التوصل إلى توافق دون تدخلات خارجية وإملاءات، هما الطريقان الوحيدان الموثوق بهما لتحقيق تسوية سياسية طويلة الأمد للتوتر الداخلي والمواجهة في ليبيا وسورية واليمن ودول أخرى"، وهو ما يعكس قلقا روسياً وتونسياً إزاء ما يجري الإعداد له في ليبيا.
ودفع القلق التونسي أيضاً الرئيس الباجي قائد السبسي، إلى إرسال مستشاره الخاص خميس الجهيناوي، إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، يوم الثلاثاء الماضي، حاملاً معه رسالة شخصية، كانت ليبيا أبرز مواضيعها.
وقال الجهيناوي إثر اللقاء إنه "تناول الوضع في المنطقة ولا سيما في ليبيا، وكذلك الإرهاب وخطره على دول الجوار، معرباً عن "أمل البلدين في أن يتوصل الأشقاء الليبيون إلى إيجاد حل سلمي وتشكيل حكومة ائتلاف وطني تسمح لهذا البلد بأن يسترجع عافيته ويتمكن من الحفاظ على وحدته الترابية وأمنه وسلامته".
ووفقاً للجهيناوي، أكد بوتفليقة على "ضرورة التنسيق بين البلدين لدفع مسار السلم التفاوضي في ليبيا". وهو ما يعكس قلقاً تونسياً واضحاً مما يحيط بالملف الليبي من تحركات في الفترة الأخيرة.
أياد تونسية معرقلة
جاءت هذه الزيارة في وقت بقي فيه وزير الخارجية التونسية، الطيب البكوش، في تونس ليعلن عن "قنبلة من الحجم الكبير"، لكن أجّل تفجيرها إلى موعد لاحق، حين أكد أن أطرافاً تونسية، رفض الكشف عنها، تدخلت من أجل عرقلة عملية إطلاق سراح الدبلوماسيين المختطفين في ليبيا، بعد اتصالها بالجهة الخاطفة، وحثها على التمسك بمطلب إطلاق سراح الليبي وليد القليب مقابل الإفراج عن الدبلوماسيين. وقال البكوش إنه كان على وشك التوصل إلى اتفاق عقب لقائه بوزراء داخلية وخارجية وإعلام حكومة طرابلس، وإن الخاطفين كانوا قد بدأوا بالفعل ترتيبات إطلاق سراح المختطفين، لكن هذه "الجهات التونسية" دخلت على الخط وأجّلت العملية إلى حين إطلاق سراح قائد الكتيبة الليبية الموقوف في تونس، مؤكداً امتلاك الوزارة قرائن ثابتة وحججا لا يرقى إليها الشك حول تورط هذه الجهة، حسب قوله، مؤكداً إحالة الموضوع إلى القضاء.
ودافع البكوش عن قرار فتح قنصلية لتونس في طرابلس، مؤكداً أنه كان قراراً صائباً، مكّن تونس من الاطلاع على الوضع في ليبيا بصورة مباشرة وواضحة، وساعد في صياغة المواقف التونسية من طرفي النزاع.
وأكد أنه كان من الأجدر عدم إيقاف وليد القليب، وإعادته مباشرة إلى ليبيا، لأن ما اقترفه كان خارج البلاد، مشيراً إلى أن بلاده ستعوض عن إقفال القنصلية في طرابلس، بفتح مكتب قنصلي على الحدود التونسية الليبية لرعاية شؤون التونسيين المقيمين في ليبيا، والبالغ عددهم 150 ألفا، أو التعاون مع البعثات الدبلوماسية لعدد من البلدان الشقيقة والصديقة التي حافظت على تواجدها الدبلوماسي في ليبيا.
ونفى البكوش خضوع تونس لأي شكل من أشكال المساومة والابتزاز من قبل الجهة الخاطفة، مشيراً إلى أن إطلاق القليب تم بناء على قرار قضائي، تبعاً لطلب تقدمت به السلطة القضائية الليبية لتسليمها القليب مؤقتاً للتحقيق معه.
وهو ما أيّده وزير العدل التونسي، محمد صالح بن عيسى، حين أشار إلى احترام الدولة التونسية القانون والمعايير الدولية والدبلوماسية، في إجراءات تسليم القيادي في "فجر ليبيا" إلى سلطات بلاده.
في المقابل، أشارت قوة "فجر ليبيا" إلى وجود ما وصفته بـ"محاولات يائسة للتفريق بين الشعبين، وتقطيع أواصر المحبة والأخوة، وضرب النسيج الاجتماعي بين الشعبين من قبل أزلام النظام البائد في تونس، الذين تعطلت مصالحهم المادية وصفقاتهم مع شركائهم من أزلام النظام البائد في ليبيا"، معتبرة أن "الحملة التحريضية، وبث روح الفتنة والفرقة، يقودهما الإعلام المملوك لبقايا النظامين المتهالكين في البلدين".
ودعت الليبيين إلى عدم الانجرار وراء التحريض الإعلامي، والتونسيين إلى وقف "حملات التحريض المغرضة والاستهزائية التي تبثها قناة نسمة التونسية "الانقلابية" التي تخدم مصالح الفئة السلطوية الابتزازية التي تعيش على قوت الشعب، والتي اندثرت واضمحلت إبان حكم المنصف المرزوقي الذي دعم الثورات وآمن بمبدأ التغيير"، بحسب بيان قوة "فجر ليبيا".
اقرأ أيضاً: تونس وليبيا.. خسائر بالجملة