ريف حلب الجنوبي... عنوان قديم جديد لاستنزاف النظام وحلفائه

أحمد حمزة

avata
أحمد حمزة
19 يونيو 2016
864A7BEE-EDBC-43E1-BB5A-CF156D02953A
+ الخط -
يبقى الميدان السوري مشتعلاً على جبهات عدة، وتبقى حلب هي المعركة الأبرز هذه الأيام، مع تواصل المواجهات العنيفة بريفها الجنوبي. وشهدت هذه المنطقة، خلال اليومين الماضيين، انتكاسة جديدة للنظام وللمليشيات الأجنبية التي تقاتل معه هناك، إذ باتت فصائل "جيش الفتح" على بعد أقل من خمسة كيلومترات من بلدة الحاضر الاستراتيجية، والتي تتخذها تلك المليشيات معقلاً أساسياً لها جنوبي حلب.

وسيطرت فصائل "جيش الفتح" ليل الجمعة – السبت، على ثلاث قرى جديدة، كانت خسرتها قبل أشهر لصالح المليشيات الأجنبية التي تقاتل مع النظام في ريف حلب، وذلك بعد معارك استمرت نحو أربعة أيام، أسفرت عن خسارة النظام ومليشياته لقرى: خلصة، زيتان، برنة، وهي مناطق تقع إلى الشرق من أوتستراد حلب – دمشق الدولي.

وحول تفاصيل تلك المعارك، قال مسؤول الإعلام العسكري في "حركة أحرار الشام الإسلامية"، أبو اليزيد التفتنازي لـ"العربي الجديد"، إن "الجولة الجديدة لتحرير بلدة خلصة، انطلقت مساء الجمعة، بتمهيد صاروخي ومدفعي كثيف على مواقع قوات النظام والمليشيات المساندة لها"، لافتاً إلى أن مقاتلي "جيش الفتح تقدّموا بعد ساعات من التمهيد، ليسيطروا على بلدة خلصة بالكامل". وأكد أن "قوات النظام والمليشيات انسحبت على شكل مجموعات كبيرة" بالتزامن مع تقدم القوات المهاجمة، مشيراً إلى "مقتل وجرح العشرات منها نتيجة القصف والاشتباكات". كما كشف التفتنازي عن أن العمليات العسكرية انطلقت "من بلدة خلصة إلى قرية زيتان القريبة، لتتم السيطرة عليها بوقت قياسي، عقب انسحاب كافة المليشيات منها"، قبل أن ينتقل "العمل للسيطرة على قرية برنة القريبة، والتي تعتبر بوابة بلدة الحاضر، المعقل الأكبر للمليشيات الأجنبية جنوب حلب".

وتقع هذه المناطق المهمة التي كانت تتمركز فيها مليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية متحالفة مع النظام السوري، شرقي أوتستراد حلب - دمشق الدولي، وبين بلدتي الحاضر جنوباً والوضيحي شمالاً، إذ تقع قرية زيتان على بعد نحو عشرة كيلومترات فقط إلى الغرب من الوضيحي، إحدى أهم مناطق سيطرة النظام بالريف الجنوبي لحلب. ولا تبعد قرية برنة إلا نحو خمسة كيلومترات إلى الغرب من بلدة الحاضر، وهي المعقل الرئيسي للمليشيات الأجنبية في تلك المنطقة. أما قرية خلصة الواقعة شرق زيتان، والتي سيطرت الفصائل المهاجمة عليها ليل أول من أمس الجمعة، فتعتبر ذات أهمية عسكرية، تمنح الجهة المسيطرة القدرة على رصد المناطق المحيطة بها، إذ إنها تحوي تلالاً مرتفعة، تكشف مناطق سيطرة المليشيات هناك، وخاصة نقاط تواجدهم في السابقية، وسد شقيدلية المتاخم لبلدة الحاضر.

ورغم هدوء وتيرة المعارك صباح أمس السبت، إلا أن المواجهات لا تزال مستمرة، إذ أكدت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، أن الاشتباكات المسلحة انتقلت لتقترب من منطقة سد شقيدلية جنوب قرية خلصة وشمال بلدة الحاضر، والتي كانت فصائل المعارضة السورية خسرتها لصالح المليشيات الأجنبية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مستفيدة حينها من غارات الطيران الروسي.

وشكل تقدم المليشيات الأجنبية في ريف حلب الجنوبي حينها، تحدياً خطيراً وغير مسبوق لفصائل المعارضة السورية، والتي كانت تتحرك بأريحية في تلك المناطق على مدار نحو ثلاث سنوات مضت، قبل أن تبدأ الطائرات الروسية، بتقديم غطاء جوي لقوات النظام والمليشيات الأجنبية، والتي قضمت مناطق مهمة إثر ذلك، وكادت تستعيد أوتستراد حلب–دمشق الدولي، والذي بات مهدداً. لكن نتائج معارك الأيام الأخيرة أزاحت نسبياً عن فصائل المعارضة السورية، شبح حرمانها من هذا الطريق الاستراتيجي.


في هذا السياق، يشير رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر أحمد بري خلال حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية، تعتبر بلدة الحاضر القاعدة الأساسية لها جنوبي حلب، وتتعامل معها بوصفها خطاً أحمر تسعى للتمسك به، وكانت اتخذتها مع قوات النظام كقاعدة انطلاقٍ للتقدم والسيطرة على أوتستراد حلب–دمشق الدولي". وأكد القيادي العسكري في المعارضة أن "التقدم الحاصل حالياً مهم جداً" وساهم في تحقيق ثلاث نتائج كبيرة؛ الأولى تتمثل في إبعاد "الخطر عن الأوتوستراد الدولي"؛ الثانية تكمن في إزاحة "خطر وعبء القصف بالمدفعية التي كانت متمركزة في المناطق التي تم تحريرها، والتي كانت تقصف مواقع الثوار القريبة سابقاً". أما النتيجة الثالثة والأهم فهي أن "هذه المعارك كسرت الإيرانيين مرة جديدة جنوبي حلب، وكبدتهم خسائر بشرية كبيرة لن يعودوا قادرين على تحملها".

ويمكن القول إن معارك ريف حلب الجنوبي تحولت، منذ أسابيع، إلى جبهات استنزاف للمليشيات الأجنبية التي تقاتل مع النظام السوري، إذ خسرت العشرات من عناصرها في الفترة الأخيرة، خلال المواجهات، وأقرت تلك المليشيات بتعرضها لخسائر جسيمة، مع نعيها المتكرر لمسلحين جدد تابعين لها قضوا على تلك الجبهات المشتعلة.

ولعل خسائر المليشيات المتتالية بريف حلب الجنوبي، والتي تمثلت بفقدانها للعشرات من مقاتليها ولمساحات ومواقع بعضها استراتيجي، هي التي دفعت إلى حصول خلافات مع قوات النظام، الأمر الذي تجسّد علناً يوم الخميس الماضي، باندلاع اشتباكات بين مقاتلين من حزب الله من جهة، وقوات النظام من جهة أخرى.

وفيما أصدر حزب الله بياناً نفى فيه وقوع هذه اشتباكات "وكذلك ادعاء سقوط عدد من شهداء حزب الله في غارات جوية للطيران السوري على مواقع لمجاهدي حزب الله في الأراضي السورية"، معتبراً ما تردد بهذا الشأن مجرد "أكاذيب تصدر عن ماكينة إعلامية اعتادت الكذب والافتراء وقلب الحقائق"، إلا أن مصادر في المعارضة السورية المسلحة، أكدت لـ"العربي الجديد" اندلاع اشتباكات شمالي حلب ليل الأربعاء-الخميس بالفعل بين قوات النظام وعناصر حزب الله والمليشيات العراقية المتحالفة معه، وفي مقدمتها التشكيل الذي يعرف باسم "لواء أبو الفضل العباس".

وبغض النظر عن أسباب نشوب الخلافات التي تحولت إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين المتحالفين، فإن معارك فصائل المعارضة المسلحة ضدهما، تبدو وكأنها آخذة بالتصعيد، إذ يشير مصدر في المعارضة السورية المسلحة إلى أن "المعركة الآن تتجه نحو الزحف إلى بلدتي الحاضر والوضيحي"، ولو أن المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لم يخف خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، وجود "صعوبات جمة قبل حصول هذا التقدم".

وأكد المصدر نفسه وجود دعم جوي روسي للمليشيات الأجنبية خلال معاركها مع فصائل المعارضة المسلحة في ريف حلب الجنوبي، مشيراً إلى أن "يوم الخميس الماضي، لم تتوقف الطائرات الروسية عن التحليق بمناطق المعارك وتنفيذ عدة غارات جنوبي حلب".

وحول إمكانية أن تنجح معارك المعارضة السورية المسلحة في جنوبي حلب، بفتح طريق إمداد جديد نحو مناطق سيطرتها في المدينة، والتي باتت مهددة بفعل الخطر المحدق بطريق الكاستيلو، وهو المنفذ الوحيد حالياً للمعارضة بين المدينة وريفها، قال المصدر العسكري: "إن فتح طريق إمداد من جنوبي حلب نحو أحياء المدينة يُغني عن طريق الكاستيلو، يحتاج لسلسلة عمليات عسكرية صعبة"، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب "تحرير تلة الراموسة والثكنات العسكرية الممتدة قربها وأبرزها كليات التسليح والمدفعية والكلية الجوية ومعمل أسمنت الشيخ سعيد".



ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
نعيم قاسم في كلمة له أثناء تشييع قيادي في حزب الله ببيروت، 22 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

أعلن حزب الله اليوم الثلاثاء انتخاب نعيم قاسم أميناً عاماً له خلفاً لحسن نصر الله الذي استشهد في 27 سبتمبر/أيلول الماضي بغارة إسرائيلية.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير