قصدت الطبيبة السعودية، زهور عسيري، مدينة سيدني الأستراليّة لدراسة الطبّ في عام 2006، إلّا أنّ القدر أخذها إلى مكان آخر. لم يخطر في بالها يوماً أن تزور المجر أو تدرس فيها، إلّا أنّ هذه المرأة، التي تخرجت من جامعة "ديبريسين" في عام 2015، لم تكتف بحقل الطب، بل تصف نفسها بـ "المحظوظة" لدخولها عالم اللاجئين طوال عام ونصف العام، لتتعلّم الكثير عن التطوّع والحياة.
ومع بروز أزمة اللّاجئين في أوروبا في عام 2015، برز اسم عسيري في السعودية والعالم العربي، إذ تطوعت لمساعدة اللّاجئين في أوروبا. وحتّى اليوم، ما زالت تحرص على مساعدتهم، رغم تشدّد القوانين الأوروبيّة. لم تختر الدراسة في المجر، وقد انتقلت من أستراليا إلى المجر ضمن برنامج الملك عبد الله للابتعاث، وتقرّر ذهابها إلى ديبريسين لدراسة الطبّ في عام 2009.
اليوم، تتحدّث عسيري اللّغة المجريّة، إذ درستها في الجامعة، وتدرّبت على استخدامها خلال حديثها مع المرضى في المستشفى. تقول: "كانت تجربتي ثريّة جداً. لم تكن جامعتي مجرّد كليّة طب. فيها، كنت أتعلّم أولى خطواتي في الحياة". برأيها، الشعب المجري لا يشبه ما يحاول الإعلام تصويره، لافتة إلى أنّه ظُلم بسبب المصورة الصحافية المجرية، بيترا لازلو، التي ركلت لاجئاً كان يحاول الهرب من الشرطة على الحدود المجرية – الصربية في عام 2015.
تقول عسيري إنّ الحقيقة التي يجهلها كثيرون هي أنّ المجريّين ساعدوا اللاجئين، مشيرة إلى أنّهم قدّموا لهم الطعام والشراب، والإنترنت مجاناً في محطة قطار كليتي في بودابست، فيما تفرّغ آخرون للبحث عن بعض أفراد العائلات التائهين بين المدن المجرية.
في هذا البلد، عمل العرب والمجر معاً على مساعدة اللاجئين في بودابست. تقول: "كان جهداً جباراً جداً. كنّا نعمل مثل خليّة نحل من دون تعب أو ملل، إلى حين خروج آخر لاجئ من المنطقة، وإقفال الحدود". تضيف: "ما زلت أذكر لحظة مغادرة آخر قطار، وكنتُ سعيدة لأنّنا أنجزنا المهمة، ولأنّ ما فعلناه عكس مدى الإنسانية". عملت عسيري أيضاً مع اللاجئين في اليونان، لافتة إلى أنّ شعب اليونان قدّم الكثير للاجئين، وأحياناً "أكثر من العرب".
إلّا أنّ أعمال عسيري الإنسانيّة لم تبدأ من المجر، ولم تقتصر على اللّاجئين. بدأ ذلك قبل توجهها للدراسة في أستراليا. فقد عملت مع مجموعات تطوعيّة في الرياض، وسعت إلى توفير "كسوة العيد" و"كسوة الشتاء" للفقراء والمحتاجين. وفي المجر أيضاً، ساعدت المشردين والأطفال المصابين بأمراض السرطان. وفي رومانيا، عملت مع منظمة أميركية تساهم في ترميم المدارس والبيوت.
أمّا عملها مع اللاجئين، فلم يقتصر على المجر، بل امتدّ إلى كلّ من سلوفينيا وكرواتيا وصربيا ومقدونيا، بالإضافة إلى المجر واليونان. تلفت عسيري إلى أنّها تستمتع بمساعدة المحتاجين، موضحة أنّ عملها مع اللاجئين لم يكن يقتصر على السوريّين أو العرب، لكنّ عملها مع السوريّين كان مختلفاً. تضيف أنّ مساعدتها اللاجئين السوريّين لم يرتبط فقط بحبّها للمساعدة "كنت مؤمنة بأنّ الوقوف إلى جانب هذا الشعب واجب، وعلينا مساعدته بكل ما نستطيع. تخيل أن تكون في بيتك وبين أهلك، وفجأة يسلب منك كلّ هذا، أي بيتك ووطنك وحتى أوراقك الرسمية، وتجد نفسك تواجه الموت وحدك".
اقــرأ أيضاً
تصف عسيري اللاجئين بأنّهم "أرواح منهكة تقاوم الحياة". وترى أنّنا لن نستطيع استيعاب القصص التي عاشها اللاجئون، وقد نراها مبالغة أو من صنع الخيال. تقول: "كانوا يحكون قصصهم من دون أية تعابير على الوجه. أحدهم يحكي عن مقتل والده، وآخر عن اختطاف شقيقته، وثالث عن تعذيب أخيه. كلّ هذه القصص تُسرد أثناء شرب القهوة أو الشاي في مخيمات اللجوء، وكأنها أحداث طبيعية". تضيف: "كنت أستغرب عدم بكائهم أو حتى غضبهم. كانوا يحمدون الله على نجاتهم".
عاشت مع اللّاجئين وسكنت في خيامهم، وأكلت وشربت معهم، وكانت تعتبر نفسها واحدة منهم. وبعد مرور شهرين على سكنها في إحدى الخيام على الحدود اليونانية ـ المقدونية، اكتشفت نعمة أخرى يغفل كثيرون عنها "عدت إلى بيتي، واستلقيت على سريري تحت سقف. بكيت كثيراً حين لاحظت نعمة سقف البيت الآمن".
اليوم، بات عدد القادمين الجدد من اللّاجئين أقلّ، وعدد المتطوّعين أكثر، في ظلّ القوانين المتشدّدة. لكنّ العمل ما زال مستمراً، والمأساة أيضاً. تستخدم عسيري تطبيق "سنابشات" لتوثيق بعض النشاطات التطوعيّة بهدف "زيادة وعي الشباب العربي حول أهميّة التطوّع". من خلاله، تابع كثيرون تأسيس مدرسة صغيرة في مخيّم للاجئين، وفتح عيادة طبيّة على الحدود المقدونيّة ــ اليونانيّة، بالإضافة إلى عمليّات إنقاذ قوارب اللاجئين من البحر. تلفت إلى أنّ توثيق الأعمال التطوعية قد دفع الكثير من الشباب العرب إلى التواصل معها وخوض تجربة التطوع، التي غيرت نظرة بعضهم للحياة.
ترفض عسيري ما يُشاع حول أنّ السعوديّين يتجنّبون العمل في الفضاء العام في البلدان التي يدرسون فيها في أوروبا أو الولايات المتحدة. كذلك، ترفض فكرة حصر عمل السعوديّين في النشاطات الخيريةّ التي تشرف عليها جمعيّات إسلامية في الخارج، مشيرة إلى أنّ السعوديّين "مبادرون في كلّ مكان". تضيف: "لا أعرف سبب استغراب وجود سعودي ضمن النشاطات الخيرية، فقد تربينا على فعل الخير". وتؤكّد أنّ الكثير من السعوديين والعرب كانوا يعملون مع اللاجئين في أوروبا، مضيفة أنّ الجهات الأمنية الأوروبية تستغرب بداية وجود جوازات سفر سعودية مع جوازات سفر المتطوعين الأوروبيين، وكنا نخضع أحياناً لاستجواب إضافي. لكنّها تؤكّد أنّ السلطات الأمنية لم تكن تخفي احترامها لما يفعله المتطوعون لخدمة اللاجئين "نحن شباب من كل دول العالم نخدم قضية إنسانية واحدة".
أنهت عسيري دراسة الطب العام، وترغب في التخصص في طب العيون. تشير إلى أنّها تعيش هذه الأيام "استراحة محارب". أمّا عن مشاريعها المقبلة، فهي تتعلق باللاجئين حصراً. تخطط للسفر في أبريل/ نيسان المقبل إلى اليونان، في إطار حملة طبية لمساعدة اللاجئين هناك.
اقــرأ أيضاً
ومع بروز أزمة اللّاجئين في أوروبا في عام 2015، برز اسم عسيري في السعودية والعالم العربي، إذ تطوعت لمساعدة اللّاجئين في أوروبا. وحتّى اليوم، ما زالت تحرص على مساعدتهم، رغم تشدّد القوانين الأوروبيّة. لم تختر الدراسة في المجر، وقد انتقلت من أستراليا إلى المجر ضمن برنامج الملك عبد الله للابتعاث، وتقرّر ذهابها إلى ديبريسين لدراسة الطبّ في عام 2009.
اليوم، تتحدّث عسيري اللّغة المجريّة، إذ درستها في الجامعة، وتدرّبت على استخدامها خلال حديثها مع المرضى في المستشفى. تقول: "كانت تجربتي ثريّة جداً. لم تكن جامعتي مجرّد كليّة طب. فيها، كنت أتعلّم أولى خطواتي في الحياة". برأيها، الشعب المجري لا يشبه ما يحاول الإعلام تصويره، لافتة إلى أنّه ظُلم بسبب المصورة الصحافية المجرية، بيترا لازلو، التي ركلت لاجئاً كان يحاول الهرب من الشرطة على الحدود المجرية – الصربية في عام 2015.
تقول عسيري إنّ الحقيقة التي يجهلها كثيرون هي أنّ المجريّين ساعدوا اللاجئين، مشيرة إلى أنّهم قدّموا لهم الطعام والشراب، والإنترنت مجاناً في محطة قطار كليتي في بودابست، فيما تفرّغ آخرون للبحث عن بعض أفراد العائلات التائهين بين المدن المجرية.
في هذا البلد، عمل العرب والمجر معاً على مساعدة اللاجئين في بودابست. تقول: "كان جهداً جباراً جداً. كنّا نعمل مثل خليّة نحل من دون تعب أو ملل، إلى حين خروج آخر لاجئ من المنطقة، وإقفال الحدود". تضيف: "ما زلت أذكر لحظة مغادرة آخر قطار، وكنتُ سعيدة لأنّنا أنجزنا المهمة، ولأنّ ما فعلناه عكس مدى الإنسانية". عملت عسيري أيضاً مع اللاجئين في اليونان، لافتة إلى أنّ شعب اليونان قدّم الكثير للاجئين، وأحياناً "أكثر من العرب".
إلّا أنّ أعمال عسيري الإنسانيّة لم تبدأ من المجر، ولم تقتصر على اللّاجئين. بدأ ذلك قبل توجهها للدراسة في أستراليا. فقد عملت مع مجموعات تطوعيّة في الرياض، وسعت إلى توفير "كسوة العيد" و"كسوة الشتاء" للفقراء والمحتاجين. وفي المجر أيضاً، ساعدت المشردين والأطفال المصابين بأمراض السرطان. وفي رومانيا، عملت مع منظمة أميركية تساهم في ترميم المدارس والبيوت.
أمّا عملها مع اللاجئين، فلم يقتصر على المجر، بل امتدّ إلى كلّ من سلوفينيا وكرواتيا وصربيا ومقدونيا، بالإضافة إلى المجر واليونان. تلفت عسيري إلى أنّها تستمتع بمساعدة المحتاجين، موضحة أنّ عملها مع اللاجئين لم يكن يقتصر على السوريّين أو العرب، لكنّ عملها مع السوريّين كان مختلفاً. تضيف أنّ مساعدتها اللاجئين السوريّين لم يرتبط فقط بحبّها للمساعدة "كنت مؤمنة بأنّ الوقوف إلى جانب هذا الشعب واجب، وعلينا مساعدته بكل ما نستطيع. تخيل أن تكون في بيتك وبين أهلك، وفجأة يسلب منك كلّ هذا، أي بيتك ووطنك وحتى أوراقك الرسمية، وتجد نفسك تواجه الموت وحدك".
تصف عسيري اللاجئين بأنّهم "أرواح منهكة تقاوم الحياة". وترى أنّنا لن نستطيع استيعاب القصص التي عاشها اللاجئون، وقد نراها مبالغة أو من صنع الخيال. تقول: "كانوا يحكون قصصهم من دون أية تعابير على الوجه. أحدهم يحكي عن مقتل والده، وآخر عن اختطاف شقيقته، وثالث عن تعذيب أخيه. كلّ هذه القصص تُسرد أثناء شرب القهوة أو الشاي في مخيمات اللجوء، وكأنها أحداث طبيعية". تضيف: "كنت أستغرب عدم بكائهم أو حتى غضبهم. كانوا يحمدون الله على نجاتهم".
عاشت مع اللّاجئين وسكنت في خيامهم، وأكلت وشربت معهم، وكانت تعتبر نفسها واحدة منهم. وبعد مرور شهرين على سكنها في إحدى الخيام على الحدود اليونانية ـ المقدونية، اكتشفت نعمة أخرى يغفل كثيرون عنها "عدت إلى بيتي، واستلقيت على سريري تحت سقف. بكيت كثيراً حين لاحظت نعمة سقف البيت الآمن".
اليوم، بات عدد القادمين الجدد من اللّاجئين أقلّ، وعدد المتطوّعين أكثر، في ظلّ القوانين المتشدّدة. لكنّ العمل ما زال مستمراً، والمأساة أيضاً. تستخدم عسيري تطبيق "سنابشات" لتوثيق بعض النشاطات التطوعيّة بهدف "زيادة وعي الشباب العربي حول أهميّة التطوّع". من خلاله، تابع كثيرون تأسيس مدرسة صغيرة في مخيّم للاجئين، وفتح عيادة طبيّة على الحدود المقدونيّة ــ اليونانيّة، بالإضافة إلى عمليّات إنقاذ قوارب اللاجئين من البحر. تلفت إلى أنّ توثيق الأعمال التطوعية قد دفع الكثير من الشباب العرب إلى التواصل معها وخوض تجربة التطوع، التي غيرت نظرة بعضهم للحياة.
ترفض عسيري ما يُشاع حول أنّ السعوديّين يتجنّبون العمل في الفضاء العام في البلدان التي يدرسون فيها في أوروبا أو الولايات المتحدة. كذلك، ترفض فكرة حصر عمل السعوديّين في النشاطات الخيريةّ التي تشرف عليها جمعيّات إسلامية في الخارج، مشيرة إلى أنّ السعوديّين "مبادرون في كلّ مكان". تضيف: "لا أعرف سبب استغراب وجود سعودي ضمن النشاطات الخيرية، فقد تربينا على فعل الخير". وتؤكّد أنّ الكثير من السعوديين والعرب كانوا يعملون مع اللاجئين في أوروبا، مضيفة أنّ الجهات الأمنية الأوروبية تستغرب بداية وجود جوازات سفر سعودية مع جوازات سفر المتطوعين الأوروبيين، وكنا نخضع أحياناً لاستجواب إضافي. لكنّها تؤكّد أنّ السلطات الأمنية لم تكن تخفي احترامها لما يفعله المتطوعون لخدمة اللاجئين "نحن شباب من كل دول العالم نخدم قضية إنسانية واحدة".
أنهت عسيري دراسة الطب العام، وترغب في التخصص في طب العيون. تشير إلى أنّها تعيش هذه الأيام "استراحة محارب". أمّا عن مشاريعها المقبلة، فهي تتعلق باللاجئين حصراً. تخطط للسفر في أبريل/ نيسان المقبل إلى اليونان، في إطار حملة طبية لمساعدة اللاجئين هناك.