تحمل السفن والبواخر معها في العادة زوارق نجاة. وهي زوارق يفترض استعمالها لدى حدوث طارئ في السفينة من نوع عاصفة عاتية، حريق، أوعطل يهددها بالغرق. الهدف من هذه الزوارق هو إنقاذ الركاب من المخاطر. ويفترض أن تتوافر على نحو كافٍ لجميع المسافرين من دون استثناء. هناك الكثير من التفاصيل التي تندرج في إطار السلامة البحرية ولا مجال لتعدادها الآن.
ما جرى في الأيام القليلة الماضية، وقبلها مرة ومرات، من غرق الزوارق التي تحمل لاجئين عرباً أو أفارقة إلى أوروبا يؤشر إلى عملية موت مجاني تحدث وسط مياه البحر المتوسط، الهادئة في هذا الفصل.
المئات من الشبان، والكثيرون منهم هم من الطلاب الذين يطمحون إلى إكمال دراساتهم الجامعية أو العليا، يتحولون إلى مجرد محتويات لأكياس البلاستيك التي توضع فيها جثثهم. بعضهم لا يتم العثور على جثمانه أصلاً، ويتحول إلى طعام لأسماك البحر. على هذا النحو تكون نهاية أحلام هؤلاء الشبان الذين يقعون فريسة وعود المافيات التي تجذبهم إلى شباكها، وتغريهم بإمكانية بلوغ المدن والجامعات وأسواق العمل الأوروبية بأمان.
من يستمع إلى أحاديث الآباء والأمهات عن أبنائهم الذين ركبوا موج البحر يحدوهم الأمل بدراسة جامعية منتجة أو عمل وضمانات، يسمع قصصاً تقشعر لها الأبدان عن خساراتهم. خصوصاً من أولئك الأهل الذين قاموا بتدبير كلفة مشروع السفر، وإيصال أبنائهم إلى الشاطئ، وتسليمهم باليد إلى الجزارين الذين يقذفونهم بدون رحمة أو ضمير إلى بطن الحوت، بينما يبقون هم في مكاتبهم يديرون الأعمال، وكأن شيئاً لا يحدث.
المعضلة الكبرى أن أحداً لا يقف ليطرح الأسئلة الشائكة التي تلقيها الجثث المنتفخة التي يتم العثور عليها على الشواطئ. ومثل هذه الأسئلة تصفع كل المؤسسات. وكل المؤسسات، تعني السلطات السياسية العربية والأفريقية، كما تعني المؤسسات التعليمية، ولا سيما الجامعات والمعاهد العليا المهنية والأكاديمية. لكنها أوسع مدى من ذلك إذ تطال بشظاياها المجتمعين المدني والأهلي معاً. فكل هذه الفئات تعاونت بقصد أو من دون قصد على إيصال الأوضاع إلى حدود المقامرة على حياة أجيال برمتها، بعد أن باتت الحياة في الأوطان المصابة بهذه الحمى مستحيلة وفي حال من الموت الفعلي.
طبعاً نضيف إلى ما ذكرناه من قوى، الفاشية الصهيونية التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة، عبر مسلسل حروبها التدميرية، التي تشعلها كلما لأمت بعض الجراح. لكن الحصيلة هي هي: العرب عموماً ومعهم الأفارقة يخسرون أكبادهم بفعل وهم زائف وزوارق تحولت قوارب موت وهلاك محتوم.
*أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية