يغادر رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله، غزة اليوم الجمعة، بعد أن بات ليلة واحدة في القطاع المدمر. كانت زيارة سريعة يمكن وصفها بـ "الرمزية" وفقاً لوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي. أما جوهر الزيارة يتمثل بأنها تسبق مؤتمر المانحين الذي يعقد يوم الأحد المقبل في مصر. وعليه يجب أن يظهر الفلسطينيون موحدين أمام الدول المشاركة في المؤتمر، وكان لافتاً دعوة السلطات المصرية لتركيا وقطر للمشاركة فيه.
تعكس زيارة الحمدالله، وحدة الفصائل الفلسطينية واستمرارية المصالحة، وظهر ذلك خلال مأدبة الغداء التي أقامها رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، على شرف رئيس الحكومة الجديد ووزرائه. وقال هنية، خلال استقباله الحمدالله، إن "شعبنا يتطلع لنتائج ملموسة لزيارة الحكومة وندعو لاستكمال ملفات المصالحة، وهي تفعيل المجلس التشريعي، إجراء الانتخابات، وعقد اجتماع الإطار القيادي لمنظمة التحرير".
ويعلق أصحاب البيوت المدمرة آمالاً على خطوات الحكومة المنتظرة، خصوصاً وأن الحمدالله، وعد خلال مؤتمر صحافي عقده في القطاع أن "الخطط الحكومية ستنتقل من مرحلة الإغاثة إلى تحقيق تنمية شاملة في القطاع".
ويؤكد الحمدالله، أن حكومته ستعمل على ضمان عودة غزة إلى الحياة الطبيعية والربط مع الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأنه يحمل معه إلى مؤتمر المانحين رزم مشاريع تنموية من أجل غزة. واستطاع رئيس الحكومة، رؤية حجم الدمار بعد زيارته لمنطقتي بيت حانون والشجاعية المدمرتين جراء العدوان الإسرائيلي الأخير.
وعلى الرغم من تأخير دخوله إلى القطاع مع وزراء حكومته ورئيس جهاز الاستخبارات ماجد فرج، لنحو ساعة في الجانب الإسرائيلي من معبر بيت حانون، أكد الحمدالله، أن "القيادة الفلسطينية تعمل على تدويل القضية والعمل من أجل انتزاع الحقوق الوطنية المشروعة ومحاسبة الإسرائيليين".
ولم يستطع الحمدالله إخفاء مشاعره عند دخوله غزة، فعبّر قائلاً إن "المشاعر تحتشد وأنا أقف على أرض قطاع غزة. وهي عنوان الصمود والكرامة وحامية الحق والتاريخ وحارسة المكان". ولفت قبل عقد الجلسة الأسبوعية للحكومة في منزل الرئيس محمود عباس، في مدينة غزة، والذي تم تحويله إلى مقر رسمي لمجلس الوزراء في القطاع، إلى "أننا وضعنا سنوات الانقسام خلفنا، وشرعنا في تحقيق المصالحة الوطنية، لوضح المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في إعادة الإعمار ورفع الحصار وفتح كافة معابر غزة، وتشغيل الممر الآمن بين غزة والضفة وتوفير المزيد من مقومات الحياة".
ورحبت معظم الفصائل بزيارة الحمدالله، وسط آمال بأن تساعد الزيارة في طيّ صفحة الانقسام والبدء في العمل الجاد لإعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على غزة.
ويؤكد القيادي في حركة "حماس"، صلاح البردويل، أن الزيارة خطوة في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أنها جاءت متأخرة شهوراً عدة، ما أدى إلى إحداث إرباك في الواقع الفلسطيني.
ويضيف لـ "العربي الجديد" أن الحكومة قامت بالواجب الذي عليها، ونأمل أن تقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها، وفي مقدمتها إعادة إعمار غزة ودمج الموظفين في الضفة الغربية وغزة، علاوة على المساهمة في تحقيق المصالحة المجتمعية والتحضير لإجراء الانتخابات.
ويوضح أن زيارة الحكومة تأخذ بعداً سياسياً وإعلامياً، وهي زيارة رمزية لها ما بعدها، و"نأمل أن تتعامل الحكومة كحكومة وفاق وطني فلسطيني وليست حكومة الفصيل الواحد، وأن تراعي مصالح الشعب من دون تمييز حزبي أو جغرافي".
أما القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، خضر حبيب، فيؤكد على ترحيب حركته بزيارة الحكومة ووزرائها إلى القطاع، ويتمنى أن تمثل الزيارة الخطوة الأولى على طريق ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة إعمار قطاع غزة.
ويقول حبيب لـ "العربي الجديد" إن "شعبنا الفلسطيني تواق لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، ونتمنى أن تكون الزيارة بداية لطي صفحة الانقسام الضارة، بناء على طموحات الشعب الفلسطيني واحتياجاته وتطلعاته".
من جهته، يطالب مسؤول فرع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في القطاع، جميل مزهر، الحكومة الفلسطينية إلى اتخاذ مقر خاص لها في غزة، من أجل مباشرة عملها في مواجهة كل الإشكاليات، وعلى رأسها قضية الإعمار وإيواء النازحين.
ويشير مزهر خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن "على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه كل قضايا ومشاكل المواطنين والموظفين ورواتبهم التي تعتبر جوهر مسؤولية الحكومة".
ويتابع مزهر أنه "نتمنى أن يبنى على هذه الخطوة خطوات أخرى على قاعدة تعميق المصالحة الوطنية ومداواة جراح المواطنين ومعالجة القضايا كافة".
من جهته، يرى النائب في المجلس التشريعي عن حركة "فتح"، أحمد أبو هولي، أن الزيارة مرحب بها وطال انتظارها، ويؤكد لـ "العربي الجديد"، أنه "نستطيع القول للعالم في مؤتمر المانحين إن هذه حكومة للشعب الفلسطيني بأسره وتمثل كل الوطن، وإن الأمور تسير باتجاه إنجاز اتفاق القاهرة".
آمال بإنهاء أزمات غزة
يرى محللون وكتاب فلسطينيون أن زيارة الحمدالله، ووزرائه إلى قطاع غزة، "لن تخرج بنتائج على أرض الواقع تساهم في حل أزمات القطاع بشكل عاجل"، كونها زيارة "رمزية" تهدف إلى إثبات وجود نوايا حقيقية لتسلم الحكومة مهامها ومسؤوليتها في غزة.
ويقول هؤلاء في أحاديث منفصلة لـ "العربي الجديد"، إن زيارة حكومة التوافق لغزة مرتبطة بشكل رئيسي بمؤتمر الإعمار، موضحين أن الحكومة تسعى إلى أن تثبت أنها مسيطرة على القطاع وقادرة على الإشراف على عملية الإعمار.
ويقول الكاتب السياسي، تيسير محيسن، إن زيارة الحكومة لقطاع غزة لا تعدو كونها زيارة رمزية تحاول من خلالها أن تضع حداً للانتقادات الواسعة التي وجهت إليها من أطراف عديدة إبان العدوان الإسرائيلي الأخير، لعدم قيامها بواجباتها ومسؤولياتها تجاه القطاع.
ويضيف أن "تصريحات الحمدالله، التي أدلى بها فور بدء زيارته كانت فضفاضة حاول من خلالها طمأنة الجمهور الغزاوي بأن أزماتهم ستنتهي خلال وقت قريب، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة الإعمار".
ويستبعد أن تتمكن حكومة التوافق من تحقيق وعودها للفلسطينيين في وقت قريب، كون أزماتهم مرتبطة بإسرائيل وبأطراف إقليمية ودولية، بالإضافة لارتباطها بشكل رئيسي بالعلاقات بين حركتي "حماس" و"فتح".
ويرى أن تسلم الحكومة لمسؤوليتها ومهامها في غزة لن يتم فور انتهاء هذه الزيارة "الرمزية" وسيحتاج إلى وقت إضافي.
من جهته، يوضح الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، هاني حبيب، أنه "لن تكون هناك مخرجات جديدة من زيارة الحكومة؛ لأنها مجرد زيارة رمزية تهدف للتأكيد على وجود نوايا متبادلة، من أجل تمكين الحكومة من أن تقوم بدورها في غزة".
ويشير إلى أن "هذه الزيارة هي خطوة أولى يجب أن تعقبها خطوات عملية أخرى لحل أزمات القطاع". ويشرح أن المطلوب من الحكومة ومن الأطراف المتعاقدة عليها (حماس وفتح) تمكينها من أن تقوم بدورها في الضفة الغربية وقطاع غزة، خصوصاً في ما يتعلق بعملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة والإعداد لانتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني.
أما الكاتب السياسي، حازم قاسم، فيستبعد أن تكون هناك نتائج واضحة وفورية لزيارة الحكومة لغزة، لكنه يقول إنها قد توفر أرضية لتتسلم الحكومة مهامها في القطاع خلال وقت قريب، خصوصاً في ظل وجود قرار لدى حركة "حماس" بإنجاح هذه الزيارة وتسهيل عمل الحكومة وتقديم كل ما يلزم لإنجاحها.
وتوقع أن يكون تسلم الحكومة لمهامها في غزة بطيئا، ولا يخلو من المناكفات والعقبات السياسية.