وصل رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، اليوم الأحد، إلى مدينة مشهد الإيرانية، على أن يصل إلى العاصمة طهران الليلة، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه المنصب في أغسطس/ آب 2018، تلبية لدعوة الرئيس حسن روحاني، على أن يزور بعدها الصين لأربعة أيام.
واستقبل محافظ خراسان رضوي، علي رضا رزم حسيني، عمران خان في مطار مشهد، على أن يزور مرقد الإمام الرضا في المدينة، ثم يتوجه إلى العاصمة.
ويرافق رئيس الوزراء الباكستاني في زيارته التي تستغرق يومين، الأحد والإثنين، وزير الاقتصاد والمالية أسد عمر، والوزيرة الاتحادية لحقوق الإنسان شيرين مزاري، والوزيرة الاتحادية للتنسيق بين الولايات الباكستانية فهميدة ميرزا، والوزير الاتحادي لشؤون الإبحار علي حيدر زيدي، ومستشار رئيس الوزراء في شؤون الرعايا الباكستانيين ذو الفقار بخاري، وكبير مستشاري رئيس الوزراء في الشؤون التجارية والصناعية عبد الرزاق داود.
ومن المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الباكستاني، غدا الإثنين، كبار المسؤولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس الإيراني.
واستبق عمران خان زيارته إلى طهران بلقاء جمعه بالسفير الإيراني لدى باكستان، مهدي هنردوست، الخميس الماضي، أكد فيه أن العلاقات مع الدول الجارة، وخاصة إيران، تحظى بأهمية كبيرة، لوجود أواصر مشتركة كثيرة بين البلدين، معربا عن أمله في تعميق هذه العلاقات خلال زيارته إلى طهران.
وشدد خان، في أول خطاب له بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الباكستانية التي أجريت في أغطسس/آب 2018، على أن بلاده تتطلع إلى علاقات طيبة وحسن جوار مع إيران، قائلا إن "الحكومة المستقبلية ستوسع علاقاتها مع إيران".
في موازاة ذلك، أشار بيان أصدرته الخارجية الباكستانية بشأن الزيارة، الجمعة الماضية، إلى أن عمران خان سيعقد مباحثات مع القيادات الإيرانية خلال تواجده في طهران، تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.
وتحت هذا العنوان العريض، أي تطوير العلاقات الثنائية، يفترض أن يناقش الجانبان، وفقا لمصادر إيرانية، قضايا أمنية، وعلى رأسها موضوع الجماعات المعارضة على الحدود المشتركة بين الجانبين، وكذلك العلاقات الاقتصادية، وخصوصا في مجال الطاقة، وتنمية العلاقات العسكرية والدفاعية، بالإضافة إلى القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الأوضاع في أفغانستان.
وتأتي الزيارة على وقع اتهامات متبادلة بين البلدين بإيواء جماعات معارضة للطرف الآخر، فإيران على مدى الشهور الماضية، وبعد تصاعد هجمات جماعة "جيش العدل" المعارضة، وجهت اتهامات مباشرة لإسلام آباد بإيواء هذه الجماعة ودعمها، بالإضافة إلى اتهام السعودية والإمارات بتقديم الدعم المالي واللوجيستي لجماعة التي تنشط على الحدود المشتركة بين إيران وباكستان. وكان آخر هجماتها، وهو الأشد خلال السنوات الماضية، الهجوم الانتحاري على حافلة للحرس الثوري الإيراني في فبراير/شباط الماضي، الذي أودى بحياة 27 عسكريا وجرح 13 آخرين.
كذلك وجهت باكستان قبل يوم من وصول رئيس وزرائها إلى طهران اتهامات مماثلة إلى إيران على لسان وزير الخارجية، محمود شاه قريشي، وذلك بعد مقتل 14 عسكريا باكستانيا من القوات البحرية والجوية، إثر هجوم لعناصر مسلحة على حافلات في بلوشستان الباكستانية في الثاني عشر من الشهر الجاري.
كما سلمت الخارجية الباكستانية مذكرة احتجاج بهذا الصدد إلى السفارة الإيرانية في إسلام آباد أمس السبت.
وعلق موقع "تابناك" الإخباري الإيراني على الاتهامات الباكستانية لإيران قائلا إن فرضيتين وراء هذه الاتهامات، الأولى "رمي الكرة إلى ملعب إيران لكي لا تظهر بمظهر المدعي بل المتهم"، وخاصة أن موضوع "الهجمات على حدود إيران الشرقية يشكل تحديا أمام عمران خان خلال زيارته"، بحسب الموقع.
والفرضية الثانية أن "باكستان بعد تعرضها لهجمات إرهابية وصلت إلى القناعة بأنه لا يمكنها مواجهة هذه الهجمات من دون تعاون مؤثر مع طهران".
وبناء عليه، يتوقع أن يحتل موضوع الجماعات المسلحة المعارضة للبلدين حيزا مهما في مباحثات عمران خان مع الإيرانيين، على أن "يقدم رئيس الوزراء الباكستاني مقترحات للسلطات الإيرانية لمكافحة الجماعات الإرهابية على الحدود المشتركة".
فضلا عن ذلك، تقول مصادر إيرانية، إن الاقتصاد سيكون حاضرا بقوة خلال المباحثات الثنائية، وإن البلدين يعتزمان رفع مستوى التبادل التجاري ليتجاوز ملياري دولار سنويا.
وعلى ضوء أوضاعها الاقتصادية الصعبة، تسعى إيران، من خلال تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع جيرانها، إلى التخفيف من وطأة الضغوط الاقتصادية للإدارة الأميركية وتجاوز عقوباتها.
وتأثرت العلاقات الاقتصادية بين طهران وإسلام آباد بالعقوبات والضغوط الأميركية خلال السنوات الماضية. فعلى سبيل المثال، رغم حاجة باكستان إلى الطاقة والغاز الإيرانيين، فإن خط "أنبوب السلام" الذي يفترض أن ينقل هذا الغاز إلى باكستان والهند توقف خلف الحدود الباكستانية ولم يستكمل بعد بسبب الضغوط الأميركية وأخرى من السعودية، بحسب مصادر إيرانية.
وكان خبراء باكستانيون في مجال الطاقة قد دعوا، خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، الحكومة الباكستانية إلى التحرك سريعا لإكمال مشروع نقل الغاز الإيراني إلى باكستان.
كما أن باكستان هي المستورد الرابع للكهرباء الإيراني، يصل إلى 100 ميغاواط حاليا، بعد أن كان 74 ميغاواط سابقا، بحسب وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية.
وتضيف الوكالة نقلا عن شركة الطاقة الكهربائية الإيرانية، أن البلدين بصدد استكمال مشروع تزويد بندر غوادر الباكستاني الاستراتيجي بـ220 ميغاواط من الكهرباء الإيراني، وفقا لاتفاقية مبرمة بين الجانبين خلال الأعوام الماضية.
وبحسب تقرير أصدرته السفارة الإيرانية لدى إسلام آباد مع بداية الشهر الجاري، فإن الصادرات الإيرانية إلى باكستان قد شهدت خلال العام الماضي ارتفاعا بنسبة 38 بالمائة، وذلك على الرغم من العقوبات الأميركية والمشاكل البنكية الناجمة عنها.
ويفترض، وفقا لوكالات أنباء إيرانية، أن يلتقي رئيس الوزراء الباكستاني خلال وجوده في طهران مع أعضاء الجمعية التجارية المشتركة بين إيران وباكستان.
وتربط بين البلدين أواصر ثقافية وأدبية وتاريخية مشتركة، فلا يكاد بيت إيراني يخلو من مجموعة الأشعار الفارسية للشاعر الباكستاني المعروف محمد إقبال لاهوري. وكانت طهران قد اعتبرت سابقا أن القنبلة النووية الباكستانية "قنبلة إسلامية"، كما أن موقفها من قضية كشمير يدعم إسلام آباد بغض النظر عن تذبذبه.
وبالرغم من توترات حدودية من حين لآخر، إلا أن تاريخ العلاقات بين طهران وإسلام آباد يتسم بحسن الجوار واحترام متبادل، فإيران كانت أول دولة اعترفت باستقلال باكستان بعد انفصالها عن الهند عام 1947، كما أن باكستان أيضا كانت أول دولة اعترفت بالثورة الإسلامية في إيران بعد قيامها عام 1979.
ومع ذلك، وتحت ضغط متغيرات إقليمية ودولية، منها صراع إيران مع كل من السعودية والولايات المتحدة، ظلت العلاقات بين البلدين محكومة بهذه العوامل خلال العقود الأربعة الماضية. وبالرغم من رغبة يبديها البلدان بتطوير العلاقات، فإنها لم ترتق إلى المستوى المطلوب.