لم يُحدث انتخاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي على رأس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" اليميني مفاجأة. ففي ضوء الانقسامات السائدة داخل كوادر الحزب، نجح ساركوزي في فرض نفسه كمرشح رئيسي لتولي قيادة الحزب، مع أنه لم يحقق الانتصار الذي كان ينتظره من خلال حصوله على نسبة 64.5 في المائة.
ولعل العنصر المفاجئ في هذه الانتخابات التي تمت بطريقة إلكترونية على مدى يومين، هو حصول برونو لومير على نسبة ثلاثين في المائة من الأصوات، وهو رقم لا يستهان به، كونه يجسّد رغبة كبيرة في التجديد. وقد اختار أنصار لومير أن يصوتوا له ويسجّلوا تعطشهم لإحداث تغيير جوهري وتكوين تيار جديد في الحزب.
ولومير الذي كان اليد اليمنى لوزير الخارجية الأسبق دومينيك دوفيلبان، حقق حملة انتخابية نشطة، استطاع من خلالها أن يجمع حوله تيارات داخل الحزب المؤيدة لخط رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون، وهؤلاء الذين لا يؤيدون طروحات ساركوزي.
تحديات كبيرة تنتظر رئيس "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الجديد الذي عاد بعد 10 سنوات إلى الحزب، وهو يريد تغيير كل شيء فيه، بدءاً باسمه وصولاً إلى إحداث انتفاضة داخلية.
إلا أن الرهان الأكبر للذين انتخبوه يتلخص في تجميع القوى حوله، وهذه المهمة لن تكون سهلة. فقد دعا ساركوزي في حملته بشكل يومي إلى ضرورة تجميع الصفوف؛ لأنه يدرك أن هذا الأمر مصيري في ضوء الانقسامات التي حصلت بين كوادر الحزب، خصوصاً الحرب بين فيون والأمين العام السابق للحزب جان فرنسوا كوبيه، والتي أحدثت ضرراً كبيراً.
ومحاولة ساركوزي اليوم الظهور بمظهر توافقي، وبأنه يقف فوق التجاذبات، لم يمنعا الكثيرين في الحزب من التساؤل عن النتائج لاحقاً، كونه شكّل جزءاً من المشكلة. فساركوزي الذي تصفه الصحافة الفرنسية بـ"الوحش السياسي"، يثير مشاعر متناقضة بين معجبيه ومؤيديه وبين الذين لا يؤيدونه ويكنّون له الكره من الفرنسيين.
وتتجه الأنظار اليوم إلى معركة اليمين الذي بدأ ينصب اهتمامه على معركة رئاسيات 2017 بين أقطابه، وتحديداً بين ساركوزي ووزير الخارجية السابق ألان جوبيه الذي كان من أول المهنئين لساركوزي، آملاً "تهدئة النفوس داخل الحزب وتوحيد الصفوف".
تجدر الإشارة إلى أنه مهما كانت حسابات ساركوزي مدروسة حيال الاستحقاقات المقبلة، فأمامه عامان للعمل على إقناع مناصريه لتجميع الصفوف في مرحلة أولى، ومن ثم إقناع الفرنسيين الذين صوتوا لهولاند سابقاً بأنه مستعد لتحقيق آمالهم وتلبية تطلعاتهم، وهو احتمال بعيد عن الواقع اليوم.
وحضوره من جديد اليوم في الإعلام للعامين المقبلين، وحركته السياسية من دون تحقيق توافق او إنجازات، لن تقدم الكثير له إذا لم تتم مواكبتها بأفعال وإنجازات تُقنع الفرنسيين وتدفعهم للتصويت له، إذ إن ميزان القوى ومعادلة الأمس لم تعد قائمة اليوم على صعيد اليمين، بعد الاختراق الذي حققته الجبهة الوطنية في الانتخابات التشريعية والأوروبية، وهي حقيقة تزعج اليمين.
ويُجمع العديد على أنه من غير المستبعد أن يضطر ساركوزي وحزبه إلى التحالف مع اليمين المتطرف إذا أراد تحقيق اختراق داخلي في المستقبل.