ستكون حرية

24 ديسمبر 2014
ستكون الحرية، وتراجعنا مستحيل.. (Getty)
+ الخط -

ليس سهلاً أن تقوم ثورة. ليس يسيراً أن يتم التغيير المنشود. ليس بسيطاً أن يحقق المراد، وليس هيناً أن تعم الديمقراطية التي حلم ويحلم بها الشباب العربي وسيبقى لأجلها عاملاً فاعلاً، لا شيمة تلتصق به بقدر الصمود، وعلى طريقها مناضلاً. يلام شباب ربيع العرب ويلوم نفسه في غير موضع، لكن، لماذا؟ هل يلام لأجل كشفه طبقات من التعفن السلطوي التي لم تفرز ولم تبدع إلا طغياناً وإرهاباً وتغذية للتطرف بعد أن رقدت على أمل الشعوب حتى كادت تفنيها، وتمادت في الاستعماء والاستهانة بكل ما هو متعلق بمصالح مجتمعاتها ولقمة عيش شعوبها. أم يلام لأنه لم يقبل أن يكون مطية للتدخلات الخارجية والإرادات المتصارعة على القبض على مصيره وما يمكن أن يحمل قادم المستقبل له ولأبناء جلدته من عيش كريم، وتعليم نقدي واع.

وهل من حق أي طرف أن يلقي باللائمة على كتفي من نهض، من قال أعرف السبيل، ومن أشار بيده وبوعيه وبهتافه وبعلمه على منافذ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. هل يلام من رفض أن تكون له أيدولوجيا ناظمة غير الحرية، خاصة وهو يرى متحجري الأيدولوجيا وجنرالاتها، يساراً ويميناً، ومآلات تحالفاتهم ضد الشعوب وإرادتها، وفي مواجهته هو! هل يلام، أو يستحق من العتب شيئاً من وجد نفسه في حقبة "القمة" لصلف الدكتاتورية وحكم الجيوش المتعسف، وما كان منه إلا أن خلخل عروشها بصوته منادياً "الشعب يريد إسقاط الدكتاتور" والشباب يريد الغد، كما اليوم، ويرفض سطوة الأمس وما حمل من آلام وويلات. هل لدى أحد حق، أو فسحة ليتحامل على ما قام به الشباب العربي من حراك ثوري نهضوي هدف بدرجاته الأولى أن يكون طوقاً لنجاة ما يمكن، وريشة خفيفة الظل لرسم معالم ما يمكن أن يكون من جمال ديمقراطي اشتاقت إليه أرض العرب وافتقرت له شعوبها.

قد يذهب كثيرون، اليوم، وفي حضور متغيرات كثير منها ليس في صالح الشعوب، ولا في كفة ثورات شبابها، لأن يلعنوا ويسوقوا النقمة، على ما قام به شباب الربيع، وما "جلبه" حراكهم، بحجج كثيرة، تكاد لا تنتهي، فهناك القائل بأن ما تم هو صنيعة وتدبير خفي، وما الشباب والشهداء والمعتقلون والمطاردون واللاجئون سوى أدوات لهذه الأيادي الخفية، وهناك من يقول بعدم نضوج الظروف والشروط الموضوعية وما إلى ذلك من هذه الأهازيج المشبعة بأدبيات الأيدولوجيا لا بأدوات النقد والتحليل العلمي، وإن ادعت العلمية والسير على منهجها وخطاها. كما لا يغيب المتشفون ولا ممتهنو الهجوم والتشويه والاستعار ضد كل ما هو ليس صنيعة أروقة الظلام والظلم التي تغذيهم. لكن لكل هؤلاء، وفي مواجهة كل هذا، وليس بغض البصر عما أفرزه النضال لأجل الديمقراطية حيث نجح في إرسائها مفهوماً وغاية، وإن لم تكن الغلبة للثوار ومرشحيهم وقوائمهم، لكن ماذا عن إحقاق خيار المجتمع وإتاحة السبيل أمام الإنسان لكي يقول ما لديه؟ أليس هذا من جل أولويات الثائرين ومن جوهر نبل أهدافهم! أو ليس لأجل أن يكون للجميع مكان في وطن كريم قامت ثورات الشباب العربي بسواعده؟

وقد يقول آخرون إن القتلى، بل الشهداء نقول، بمئات الآلاف، غير المهجرين والثكالى والأيتام والجوعى، لكن أهذا من صنيعة الثوار وندائهم بالحرية والكرامة، أم من تفجر براميل البربرية والعطش المرضي للدم؟ أليس هذا من صنيعة من يتهم المجتمع الذي دمره هو، بيده ويد مخابراته، حربية كانت أم جوية، بأنه مجتمع معطوب وإرهابي، فقط لأنه قال لا للإرهاب، كما أصر على القول لا للاستبداد.

كفى بمن يتفتقون بربيع الشباب العربي ويسوقون عليه الحجج ولا يوفرون أداة لتقريظه، عندما لا يجدون في أنفسهم الشجاعة لقول ما يجب أن يقال، ولتسمية الأمور بما هي عليه. هي خطوة، هي فسحة، هي ضربة في جدار العار السلطوي وسيكون الغد، وستكون الحرية، وتراجعنا مستحيل..


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون