قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن فريقاً، بقيادة ضباط برئاسة الجمهورية والمخابرات العامة، وبعضوية ثلاثة من الدبلوماسيين المتخصصين في القانون الدولي واثنين من الفنيين في وزارة الري، موجود حالياً في العاصمة الأميركية واشنطن، حيث يراقب عن كثب مستجدات الدراسة التي تجريها وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي للخروج بمسودة الاتفاق النهائي بشأن قواعد تشغيل وملء سد النهضة الإثيوبي. وستعتمد مسودة الاتفاق بشكل أساسي على الدمج بين المصفوفة المصرية الخاصة بكميات المياه المطلوب وصولها لمصر في فترات الجفاف، والمصفوفة الإثيوبية الخاصة بكميات المياه المطلوب تخزينها بشكل مستدام لضمان توليد الكهرباء من السد، لمدة خمس سنوات تالية لبدء التوليد في صيف 2021.
وأضافت المصادر المصرية، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الفريق المصري لم يتلق حتى صباح أمس، الخميس، ما يمكن وصفه بـ"مسودة مبدئية للاتفاق"، لكنه تلقى بعض الأفكار والمقترحات الأميركية التي ما زالت تواجه عراقيل بسبب رفض المصريين والإثيوبيين العديد من تفاصيلها، والتي دارت تحديداً حول أمرين اثنين.
أولهما، ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به القاهرة وهو 40 مليار متر مكعب، وما تطالب به أديس أبابا، وهو 35 مليار متر مكعب في فترات الملء، و32 مليار متر مكعب في فترات الجفاف. أما الأمر الثاني، فهو ضبط آلية محددة للتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا في إدارة فترة الملء الأول، بحيث يتم السماح للقاهرة بالمطالبة باتخاذ التدابير الاستثنائية، بناء على مؤشرات مقياس فيضان النيل الأزرق بدلاً من مؤشرات السد العالي، وهو الأمر الذي ما زالت أديس أبابا ترى أنه سيمنعها من تنفيذ جدول ملء محدود للغاية زمنياً، لا يزيد على 7 سنوات لملء السد بشكل كامل ومستدام، لإنتاج أكبر قدر من الكهرباء والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن مصر ترفض هذا السيناريو، وتتمسك بالقياس على مؤشرات السد العالي في أسوان، ليس فقط للحفاظ على مرونة المنظومة المائية لمواجهة الظروف القاسية التي قد تنشأ عن ملء وتشغيل سد النهضة، بل أيضاً لمنع الخروج المبكر لمساحات زراعية شاسعة من الخطة المحلية لزراعة المحاصيل الاستراتيجية، وخصوصاً أن نصيب مصر الصافي من المياه يقل بنحو 21 مليار متر مكعب في السنة عن حاجتها المثلى. وترفض إثيوبيا هذا الأمر، بحجة أن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
وذكرت المصادر أن المصفوفات المختلفة التي تم عرضها في اجتماعات الخزانة الأميركية مع البنك الدولي "لا تؤثر بشكل كبير على حصة السودان من المياه، لكنها جميعاً ستؤدي لانخفاض حاد في حصة مصر، التي تراهن بشكل أساسي على تعظيم الاستفادة من فوائض كميات الفيضان غير المحجوزة في السودان". وأضافت المصادر أن المعلومات الواردة من واشنطن تشير إلى ممارسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "ضغوطاً كبيرة" على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لإجباره على إنهاء المفاوضات هذا الشهر. وتتعلق معظم الضغوط بالتدخل الأميركي لسرعة صرف دفعات قرض صندوق النقد الدولي، الذي وافق عليه مجلسه التنفيذي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بقيمة 2.9 مليار دولار، وتوجيه عدد من كبار المستثمرين الأميركيين للعمل في إثيوبيا، فضلاً عن الدعم السياسي في مواجهة معارضي أبي أحمد الذين من المتوقع تكتلهم ضد حزبه الجديد "الرفاه/ الازدهار" في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أغسطس/ آب المقبل. وكانت جبهة تحرير تيغراي، التي كان ينتمي إليها رئيسا الحكومة السابقان ميليس زيناوي وهايلي ميريام ديسالين، قد رفضت الانضمام إلى الحزب الجديد. كما أن الجبهة تقف ضد مسار مفاوضات سد النهضة، وتعمل على تصعيد الهجوم على أبي أحمد في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، بحجة أنه سيفرط في السيادة الإثيوبية على السد الذي بدأ إنشاؤه في عهد زيناوي.
وإزاء تصعيد الضغوط من الداخل والخارج على أبي أحمد، فإن من المحتمل اللجوء لعقد جولة فنية أخرى للنقاش حول المسودة إذا تم الوصول "لحد أدنى من الاتفاق حول البنود الأساسية"، وفقاً للمصادر الدبلوماسية المصرية ذاتها، التي بدت متحفظة في توقعاتها لانفراج الأزمة بشكل عاجل، وكذلك لإمكانية التوقيع على الاتفاق بحلول نهاية الشهر الحالي، كما أعلنت سلفاً الخارجية المصرية والخزانة الأميركية.
ومنذ اتصال ترامب بأحمد، مطلع الشهر الحالي، يبدو وكأن المفاوضات تسير في اتجاه سياسي رُسم لها، بغية التوصل إلى اتفاق، دون الإفصاح عن طبيعة ما يتم الاتفاق عليه. وتلقت مصر تطمينات من واشنطن بحتمية توقيع الاتفاق. أما المسؤولون الرسميون الإثيوبيون فبدأوا التمهيد إعلامياً لفكرة ضرورة عقد هذا الاتفاق، كرد فعل على مقالات صحافية وشائعات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها كان متطرفاً في الهجوم على أبي أحمد، بحجة أن توقيع الاتفاق يفرط في السيادة الإثيوبية على السد، وبعضها الآخر زعم أنه سيستمر في خداع القاهرة وواشنطن بالمماطلة في المفاوضات. كما عقد وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي، الذي يقود المفاوضات عن بلاده، مؤتمراً صحافياً في الرابع من الشهر الحالي، قال فيه إن "إثيوبيا حريصة على استكمال التفاوض وحل المشاكل مع مصر والسودان دون تنازل عن مكتسباتها ومصالحها العليا".
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أدلى، أثناء زيارته إلى أديس أبابا منذ 3 أيام، بتصريح مربك، قال فيه إن اتفاق سد النهضة "بحاجة لمزيد من الوقت لتصفية الخلافات"، ما بدا مخالفاً للاتجاه الأميركي السابق إعلانه هذا الشهر. وسبق أن قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن "فكرة تصدي الولايات المتحدة لصياغة الاتفاق كانت مطروحة منذ البداية، على ضوء أن تقتصر على الصياغة فقط، وليس التدخل في المسائل الفنية. لكن الممارسة العملية للمفاوضات أثبتت أنه لا توجد إمكانية للصياغة كعمل فني مستقل عن المسار الفني، ولذلك فإن الولايات المتحدة الآن تلعب دوراً أقرب للوساطة، منه إلى التسهيل والمراقبة". وسبق وشددت المصادر على أن إعلان التوصل إلى اتفاق هو في الحقيقة أقصى ما تطمح إليه مصر في الوضع الحالي، بغض النظر عن تأثير هذا الاتفاق واقعياً على حصتها من مياه النيل. وكذلك فإن إعلان التوصل لاتفاق هو أقصى ما يمكن لإثيوبيا منحه لمصر والسودان في الفترة الحالية، بغض النظر عن المحتوى، وذلك قياساً بتوقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاق المبادئ في مارس/ آذار 2015، الذي كلف القاهرة تبعات سياسية وقانونية وفنية سلبية كبيرة لا يمكن تداركها حالياً، ولم تتح للمفاوض المصري الكثير من الخيارات. وسبق أن قال مصدر إثيوبي تابع لجبهة تحرير تيغراي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، الشهر الماضي، إن مسؤولين حكوميين بوزارة الطاقة ومشروع سد النهضة أبلغوا قيادات الجبهة بأن توليد الطاقة الكهربائية من السد سيبدأ بصورة جزئية في يوليو/ تموز أو أغسطس/ آب 2021.