سجّلت الرواية اليمنية، في الفترة الأخيرة، حضوراً لافتاً، ليس على المستوى العربي فحسب، بل وعالمياً كذلك. حضور تعكسه ترجمات عديدة لإنتاجات سردية حظيت بنجاح محلي سمح لها بأن تتاح في لغات أخرى.
يمكن الحديث، في هذا المقام، عن صدور ترجمة رواية علي المقري، "اليهودي الحالي"، قريباً باللغتين الإنجليزية والكردية، بعد ترجمتها إلى الإيطالية والفرنسية، وعن رواية حبيب عبد الرب سروري، "عرق الآلهة"، التي تصدر، قريباً أيضاً، باللغة الصينية.
هذان العملان يضافان إلى سلسلة من الاشتغالات اليمنية التي وجدت طريقها إلى القارئ الأجنبي في السنوات الأخيرة، كما جرى مع أعمال لوجدي الأهدل وسمير عبد الفتاح ونادية الكوكباني.
من جهة أخرى، ساهمت طفرة الإصدارات الروائية، العام الحالي، في إعادة بعض الاعتبار للسرد اليمني بشكلٍ عام، الذي يحدّد عبد الحكيم باقيس، صاحب كتاب "ثمانون عاماً من الرواية في اليمن"، بداياته في عام 1927، حين نشر أحمد عبد الله السقاف روايته الأولى "فتاة قاروت"، بعد 14 عاماً فقط من صدور، ما اعتبر، أول رواية عربية، "زينب"، لمحمد حسين هيكل.
بيد أن أعمال السقاف ومحمد علي لقمان وغيرهما من أعلام مرحلة "البدايات"، اعترتها مآخذ فنيّة، إضافة إلى نزوعها إلى الوعظ الاجتماعي، شأنها شأن معظم الروايات العربية آنذاك. وظل الأمر على حاله لعقود، حتى ظهرت رواية "يموتون غرباء" لمحمد عبد الولي، التي أذنت بدخول الرواية اليمنية مرحلة الواقعية، بضفتيها النقدية والاشتراكية.
تلا ذلك بروز أسماء روائية مهمة، مثل محمود صغيري، زيد مطيع دماج، حسين سالم باصديق، يحيى علي الأرياني، صالح باعامر، سعيد عولقي. كتّاب "لم ينجزوا مشروعاً روائياً بالمعنى الدقيق، لكنهم خطوا بالسرد خطوات مهمة"، بحسب باقيس.
سيتوجب انتظار حقبة التسعينيات كي تبدأ مرحلة "الرواية اليمنية الجديدة"، التي رسّخت الوعي بالفن الروائي كممارسة إبداعية، ومن كتّابها: وجدي الأهدل، حبيب سروري، نبيلة الزبير، أحمد زين، علي المقري، نادية الكوكباني، محمد عبد الوكيل جازم. روائيون تناولوا قضايا الواقع من منظورات جديدة، وبآليات سردية حديثة، ما شكّل، برأي باقيس، "تحولاً مهماً ليس فقط على مستوى الرواية اليمنية، بل الرواية العربية"، لاعتباره أن أعمالهم "لا تقل أهمية عن أعمال أقرانهم من الكتّاب العرب".
ورغم الغُبن الذي تعانيه الرواية اليمنية، يؤكد علي المقري أنها تفوق في جوانبها الفنية الكثير من الروايات التي تحظى ببهرجة إعلامية واسعة، جراء "العلاقات العامة التي يتمتع بها كتابها، أو بسبب مركزية بلدانهم الاقتصادية والسياسية". وفي هذا السياق، يستنكر الروائي انعكاس وضع اليمن والمستوى المعيشي لمجتمعه على نظرة بعضهم إلى الأدب اليمني.
وثمة سبب آخر، يضيفه باقيس، للتهميش الذي تعانيه الرواية اليمنية، وهو غياب الفعل النقدي الناتج عن حالة من الإقصاء والنكران الثقافي والتهميش، تتعرّض لها أجزاء واسعة من البلد.
من جهته، يستحضر وجدي الأهدل عنصر "السلطة" وتأثيرها على الحركة الإبداعية والروائية، معتبراً أن اليمانيين حين امتلكوا ناصية فن الرواية، "صارت لديهم أداة موازية للتاريخ، أكثر التزاماً بالصدق في قراءة الأحداث التي جرت في بلادهم"، فقدّموا عبرها وجهات نظر لا تريد السلطات إبرازها، مستشهداً بنموذج "السمار الثلاثة" لسعيد عولقي و"يموتون غرباء" لمحمد عبد الولي.
ويرى الأهدل، الذي كان هدفاً للسلطات الدينية والسياسية، أن الرواية اليمنية معنية بتأريخ الأحداث اليومية التي "يزهد المؤرخ في تدوينها، أو لا يمتلك الأدوات اللازمة لالتقاطها"، وبتقديم قراءتها للأحداث خارج سطوة السلطات الرسمية.