29 نوفمبر 2016
سر البرادعي المدفون
تساءل الصحافي، أحمد منصور، في مقال له، إبّان الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، عن سر تمسك الغرب بتعيين محمد البرادعي رئيساً للوزراء بصلاحيات كبيرة في عهد الدكتور محمد مرسي، بعدما ساق روايات متواترة، للتدليل على ذلك الإصرار الغريب، بل وطلبه صراحة من الرئيس هذا المطلب، مشيراً إلى أن مصر رفضت ترشيحه للتعيين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن الذي رشحه ودعمه هم الأميركان والأوروبيون.
ولمعرفة السر، عليك أن ترجع قليلاً بالذاكرة، وتحديداً في يونيو/ حزيران 2012، ووفقاً لتصريحات البرادعي نفسه في لقاء له في قناة النهار، ونشرته جريدة الوطن المصرية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حيث قال إنه جلس مع المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، والتي فاز فيها مرسي، وذكروا له أنهم تعرّضوا للخداع من المستشارين، بمن فيهم مستشارو "الإخوان المسلمين"، وكانوا في حالة من البؤس. هل تدرون لماذا جلسوا ولماذا شعروا بالخيانة والبؤس؟ ولماذا شاطرهم البرادعي هذا الشعور؟ بل قال لهم أنتم من وضعتمونا في هذه الورطة، نعم إنها ورطة كبيرة أن تكون إرادة الشعب على غير إرادة العسكر وحلفائهم، فقد جاءت على غير ما كانوا يتوقعون ويرسمون. لم يبرّر البرادعي سبب الجلوس مع العسكر، غداة إعلان النتيجة، وكيف تتسرب لهم نتيجة الانتخابات قبل إعلانها، ولماذا لم يذكّرهم البرادعي بالديمقراطية واحترامها وقواعدها؟ بل عنّفهم بأنهم السبب في ما وقعوا فيه، وهو للأسف اللجوء للصناديق التي يشارك فيها السوقة والدهماء وعامة الشعب الذي لم يحصل على القدر الكافي من وعي عتاة الليبرالية الحديثة.
ولمعرفة السر، عليك أن تتابع علاقة العسكر بالبرادعي، فها هو يجتمع منفرداً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 مع رئيس المجلس العسكري الحاكم، المشير حسين طنطاوي، غداة قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعيين كمال الجنزوري رئيساً للوزراء، وقد حظي شريك الانقلاب، عمرو موسى، بلقاء مماثل في ذلك اليوم، فهو يشارك العسكر في كل القرارات المصيرية من بداية الثورة وحتى الانقلاب.
ولمعرفة السر، عليك أن ترى حالات الاختفاء والظهور وتوقيتاتها المميزة، فها هو، بعد أكثر
من عامين على انقلاب خلّف معتقلين تجاوز عددهم أربعين ألفاً، وصنع شرخاً كبيراً في بنية المجتمع المصري، ليس أقلها حالات الشماتة في القتل، بدعوى إحنا شعب وانتو شعب، وضياع كل قيم الديمقراطية والليبرالية التي ينادي بها البرادعي. وبعد كل ما سبق، خرج علينا، في نوفمبر الجاري، ليذكرنا أن الرئيس مرسي "مزّق البلاد إربًا"، وكأنه يجداً تبريراً لركوب الدبابة، وهي تمر فوق جسد الديمقراطية المقتولة برصاص الليبراليين الجدد، واعترافه بأنه وقّع خطة مع المبعوث الأوروبي، برناردينو ليون، حول عزل الرئيس محمد مرسي الذي اختاره الشعب، وأشعرتهم بحالة من البؤس وخيبة الأمل، فكان لا بد من الانقلاب على كل ما اختاره الشعب، بعد رفضه الحوار مع الرئيس الشرعي للبلاد.
ولم يكن خروج البرادعي من مصر حزناً على الدماء التي سالت في مذبحة ميدان رابعة العدوية، كما يحاول أن يروج بعضهم، والدليل أن مذابح تمت قبل "رابعة" سواء للساجدين أمام الحرس الجمهوري، أو مذبحة المنصة، وكان رد فعله، وهو نائب رئيس في ذلك الوقت، المطالبة بالتحقيق، ثم الصمت على عدم فعل ذلك، كما أنه رفض أن يدلي بشهادته حول تلك المذابح. وكان السبب الحقيقي للخروج اكتشافه نكوص العسكر عن العهد الذي قطعوه مجتمعين بقتل الديمقراطية وخيانة الشرعية، فقد فوجئ بأن الخيانة مركّبة، وأن آماله قد تبددت.
ليست مهاجمة مرسي، في هذا الوقت الذي تواجه فيه قيادات الانقلاب العزلة الدولية والداخلية، بعد الفشل المتراكم، بعيدة من لقاء جمع بين البرادعي والصحافي جمال خاشقجي، القريب من صنع القرار في المملكة العربية السعودية، والذي أعقبه مقال مؤثر في جريدة الحياة اللندنية في 14 نوفمبر عن النهضة المفقودة في مجتمعنا العربي، والتي ينشدها البرادعي، لكنها ضاعت، ما أصابه بالإحباط، ثم يضيف أنه يعلم أن ملايين من العرب وأبناء الوطن بات حلمهم أن يأتوا إلى أوروبا، ولو لاجئين. ولم يسأله خاشقجي إن كان يشعر حقاً أن هذا حلمهم؟ ولماذا تغيّر حلمهم من وطنٍ ينعمون فيه بالحرية إلى العيش لاجئين؟ وهل ساهم في ذلك الليبراليون الجدد الذين يبحثون عن ديمقراطيةٍ لا تأتي بالإسلاميين؟ وهل تشعر، سيدي، أنك من أسباب ضياع تلك النهضة؟ وهل تندم على قفزك على إرادة الشعب؟ وهل تشعر بالحرج للمشاركة في وأد تجربة ديمقراطية وليدة في عالمنا العربي؟ ومتى تكتب خطاب الاعتذار لكل أحرار العالم عما اقترفت يداك؟
على صانعي القرار الباحثين عن بدائل للعسكر، والرامين بطوق النجاة لنظامٍ مات إكلينيكياً، بعد أن قضى ستين عاماً في قتل الحرية والنهضة في مصر، أن يبحثوا عن وجوه وأوراق جديدة، لعلها تجدي معهم نفعاً، وما أظنها تفعل في ظل تفشي السر.
ولمعرفة السر، عليك أن ترجع قليلاً بالذاكرة، وتحديداً في يونيو/ حزيران 2012، ووفقاً لتصريحات البرادعي نفسه في لقاء له في قناة النهار، ونشرته جريدة الوطن المصرية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حيث قال إنه جلس مع المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، والتي فاز فيها مرسي، وذكروا له أنهم تعرّضوا للخداع من المستشارين، بمن فيهم مستشارو "الإخوان المسلمين"، وكانوا في حالة من البؤس. هل تدرون لماذا جلسوا ولماذا شعروا بالخيانة والبؤس؟ ولماذا شاطرهم البرادعي هذا الشعور؟ بل قال لهم أنتم من وضعتمونا في هذه الورطة، نعم إنها ورطة كبيرة أن تكون إرادة الشعب على غير إرادة العسكر وحلفائهم، فقد جاءت على غير ما كانوا يتوقعون ويرسمون. لم يبرّر البرادعي سبب الجلوس مع العسكر، غداة إعلان النتيجة، وكيف تتسرب لهم نتيجة الانتخابات قبل إعلانها، ولماذا لم يذكّرهم البرادعي بالديمقراطية واحترامها وقواعدها؟ بل عنّفهم بأنهم السبب في ما وقعوا فيه، وهو للأسف اللجوء للصناديق التي يشارك فيها السوقة والدهماء وعامة الشعب الذي لم يحصل على القدر الكافي من وعي عتاة الليبرالية الحديثة.
ولمعرفة السر، عليك أن تتابع علاقة العسكر بالبرادعي، فها هو يجتمع منفرداً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 مع رئيس المجلس العسكري الحاكم، المشير حسين طنطاوي، غداة قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعيين كمال الجنزوري رئيساً للوزراء، وقد حظي شريك الانقلاب، عمرو موسى، بلقاء مماثل في ذلك اليوم، فهو يشارك العسكر في كل القرارات المصيرية من بداية الثورة وحتى الانقلاب.
ولمعرفة السر، عليك أن ترى حالات الاختفاء والظهور وتوقيتاتها المميزة، فها هو، بعد أكثر
ولم يكن خروج البرادعي من مصر حزناً على الدماء التي سالت في مذبحة ميدان رابعة العدوية، كما يحاول أن يروج بعضهم، والدليل أن مذابح تمت قبل "رابعة" سواء للساجدين أمام الحرس الجمهوري، أو مذبحة المنصة، وكان رد فعله، وهو نائب رئيس في ذلك الوقت، المطالبة بالتحقيق، ثم الصمت على عدم فعل ذلك، كما أنه رفض أن يدلي بشهادته حول تلك المذابح. وكان السبب الحقيقي للخروج اكتشافه نكوص العسكر عن العهد الذي قطعوه مجتمعين بقتل الديمقراطية وخيانة الشرعية، فقد فوجئ بأن الخيانة مركّبة، وأن آماله قد تبددت.
ليست مهاجمة مرسي، في هذا الوقت الذي تواجه فيه قيادات الانقلاب العزلة الدولية والداخلية، بعد الفشل المتراكم، بعيدة من لقاء جمع بين البرادعي والصحافي جمال خاشقجي، القريب من صنع القرار في المملكة العربية السعودية، والذي أعقبه مقال مؤثر في جريدة الحياة اللندنية في 14 نوفمبر عن النهضة المفقودة في مجتمعنا العربي، والتي ينشدها البرادعي، لكنها ضاعت، ما أصابه بالإحباط، ثم يضيف أنه يعلم أن ملايين من العرب وأبناء الوطن بات حلمهم أن يأتوا إلى أوروبا، ولو لاجئين. ولم يسأله خاشقجي إن كان يشعر حقاً أن هذا حلمهم؟ ولماذا تغيّر حلمهم من وطنٍ ينعمون فيه بالحرية إلى العيش لاجئين؟ وهل ساهم في ذلك الليبراليون الجدد الذين يبحثون عن ديمقراطيةٍ لا تأتي بالإسلاميين؟ وهل تشعر، سيدي، أنك من أسباب ضياع تلك النهضة؟ وهل تندم على قفزك على إرادة الشعب؟ وهل تشعر بالحرج للمشاركة في وأد تجربة ديمقراطية وليدة في عالمنا العربي؟ ومتى تكتب خطاب الاعتذار لكل أحرار العالم عما اقترفت يداك؟
على صانعي القرار الباحثين عن بدائل للعسكر، والرامين بطوق النجاة لنظامٍ مات إكلينيكياً، بعد أن قضى ستين عاماً في قتل الحرية والنهضة في مصر، أن يبحثوا عن وجوه وأوراق جديدة، لعلها تجدي معهم نفعاً، وما أظنها تفعل في ظل تفشي السر.