01 ديسمبر 2021
سفاح دمشق والمأزق الروسي
محمود الحمزة
باحث سوري، أستاذ جامعي في الرياضيات وتاريخها، كبير باحثين في معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا في أكاديمية العلوم الروسية من 2002 إلى 2016. رئيس المجلس الوطني لاعلان دمشق في المهجر سابقا.
خمسون عاماً مضت، شهد خلالها السوريون جرائم النظام الأسدي، بلغت ذروتها في مجزرة حماه وسجن تدمر في ثمانينيات القرن الماضي، حيث ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من السوريين. ويستمر مسلسل العنف والقتل والانتهاك لأبسط حقوق الإنسان السوري، فعشرات الآلاف إما قتلوا تحت التعذيب أو اختفوا أو ما زالوا في سجون الأسد لمعارضتهم نظام العصابة، أو لتهم مزعومة ألصقت بهم عنوة.
نهبت العصابة اقتصاد سورية، وأفقرت السوريين وشرّدتهم، وليس مصادفةً أن حوالي 20 مليون سوري يعيشون في الغربة. وعندما طالب الشعب السوري بحقوقه وحرياته التي أقرّتها القوانين والشرائع الدولية والإنسانية، انهالت العصابة على الشعب بالقتل والإبادة والتهجير القسري وتدمير البلد، تطبيقا لشعار "إما الأسد أو نحرق البلد"، وهم بالفعل حرقوا البلد. والأنكى من ذلك كله أن هناك محاميا وحلفاء لهذه العصابة، ممثلا بايران وروسيا. وهم ليس فقط يتحالفون مع عصابة الأسد، بل إنهم يبرّرون كل ما تقوم به من جرائم، ويقدمون باستمرار وعلى مدى سبع سنوات صورة كاذبة ومعكوسة لما يجري في سورية.
مَنْ يقصف السوريين؟ هل هي المعارضة، أم طائرات العصابة وروسيا؟ ومع ذلك، وبعد مقتل مليون سوري، لم نسمع كلمة إدانة واحدة من روسيا لقتل المدنيين، وخصوصا الأطفال والنساء، وتدمير المستشفيات والمنازل على رؤوس أصحابها.
استخدمت العصابة، قبل أيام، الغازات السامة للمرة الثانية في الغوطة، لأنها حاصرتها خمس
سنوات، ولم تكسر إرادة أهل الغوطة، وقصفتهم وأحرقت الغوطة بنصيحة من روسيا التي لديها تجربة في الشيشان، وضربتهم بالغازات السامة، لكي تقتل المدنيين وتجبرهم على ترك منازلهم مدعومةً من حلفائها الذين لا يريدون عربا سنة بالقرب من دمشق، بل يريدون شيعة من كل أنحاء الأرض.
استخدم سفاح دمشق الكيماوي لقتل أطفال الغوطة، وهذا مثبتٌ بأشرطة فيديو، ولكن موسكو تنفي، كما فعلت ذلك عشرات المرات، وتقول إنها فبركات وحجج أميركية لقصف مواقع النظام. كل ما يقال عن النظام ويُثبَت بالأدلة تقول عنه موسكو إنه مفبرك. أما مجلس الأمن فهو عاجز عن اتخاذ أي قرار لإدانة نظام العصابة في دمشق، وبالتالي فمصير شعبنا وأهلنا أصبح رهينة بيد موسكو التي تتخذ سياسة خاطئة في سورية، وستكون موسكو أكبر الخاسرين إذا استمرت بهذه السياسة.
نصب الأميركان فخاً لروسيا، فجرّوها إلى التدخل العسكري، والانخراط في المستنقع السوري الذي قد يتحول إلى مستنقع أفغاني. ويجر الأميركان موسكو إلى حربٍ باردة وسباق تسلح، وهذا يذكّرنا بالأجواء المرافقة لانهيار الاتحاد السوفييتي. كما يفرض الغرب، وخصوصا أميركا، العقوبات الاقتصادية والعسكرية والمالية على موسكو، ويهددون بتجميد رؤوس أموال النخبة المحيطة بالرئيس فلاديمير بوتين، وهذا سيعني الإمساك باليد التي توجع.
وهناك مؤشر جديد على موسكو أن تلحظه، وهو الموقف الأوروبي الأميركي المؤيد للموقف البريطاني، بخصوص حادثة تسميم الجاسوس الروسي البريطاني المزدوج، سيرغي سكريبال، في بريطانيا، حيث نظمت ضد روسيا حملة دبلوماسية كبيرة، تنذر بمواقف عدائية لاحقة.
وقد اعتقد الروس مخطئين أنهم أبرزوا عضلاتهم في سورية، وجرّبوا أسلحة حديثة، وظنوا أنهم سيقنعون الغرب بقوتهم، لكي يحصلوا على تنازلاتٍ في الملف الأوكراني. وأخطأ الروس عندما وضعوا كل بيضاتهم في سلة سفاح دمشق ونظام الملالي، فسورية ليست الأسد، وإنما هي بلد له تاريخ حضاري كبير، وشعبها حي ومتحضر، ولا يقبل التطرّف، ولا استلاب الإرادة، وقام بأعظم ثورة في التاريخ، لكن دولة عظمى، وهي روسيا، تدخلت بقوتها العسكرية الفتاكة إلى جانب سفاح دمشق، فالأسد سقط وعصابته تعرّت للعالم، وما تحقق في سورية ليس نصرا عسكريا للنظام، بل هو لروسيا، وهذا لا يزيدها شرفا، لأنها حاربت مواطنين ومقاتلين بإمكانات متواضعة.
وتبقى أسئلةٌ تخص مستقبل سفاح دمشق، ومصير الوجود الروسي والمصالح الروسية في
سورية. .. على الرغم من الانتصار العسكري المحدود لروسيا، والحفاظ حالياً على عصابة الأسد، كيف تضمن روسيا وجودها في سورية في أجواء من عدم الاستقرار والفوضى، إلى درجة أن روسيا لا تعرف من أين ياتيها الخطر؟ كيف لشخص هزيل وضعيف كالأسد أن يحمي مصالح روسيا؟ وكيف ستجني روسيا ثمار كل تدخلها وحمايتها لعصابة الأسد؟ قد يحكم بشار السفاح جزءاً من سورية، ولكن سورية مدمرة ومحطمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وبنيةً تحتيةً، فمن أين ستحصل موسكو، متعهدة نظام العصابة، على أموال لإعادة إعمار اقتصاد سورية؟ فلا روسيا لديها إمكانية التمويل ولا إيران.
إذا استمرت روسيا بهذه السياسة الخاطئة ستخسر كل شيء. أما إذا أدركت ضرورة تعديل موقفها، بحيث تتجه نحو مصالح الشعب السوري، وتعترف بحقه في الحياة الحرة الكريمة في ظل دولة المواطنة التي لا تتناقض مع المصالح الروسية في سورية، فإنها حينها ستضمن مصالحها في سورية، لكنها لن تضمن صداقة الشعب السوري.
قد يأتي يوم تكتشف موسكو أنها ذهبت لتحارب الثورة في سورية البعيدة عنها جغرافياً، لإبعاد رياح التغيير عن حدودها، تجد أن ذلك الخطر اقترب منها على قول المثل "جنت على نفسها براقش".
نهبت العصابة اقتصاد سورية، وأفقرت السوريين وشرّدتهم، وليس مصادفةً أن حوالي 20 مليون سوري يعيشون في الغربة. وعندما طالب الشعب السوري بحقوقه وحرياته التي أقرّتها القوانين والشرائع الدولية والإنسانية، انهالت العصابة على الشعب بالقتل والإبادة والتهجير القسري وتدمير البلد، تطبيقا لشعار "إما الأسد أو نحرق البلد"، وهم بالفعل حرقوا البلد. والأنكى من ذلك كله أن هناك محاميا وحلفاء لهذه العصابة، ممثلا بايران وروسيا. وهم ليس فقط يتحالفون مع عصابة الأسد، بل إنهم يبرّرون كل ما تقوم به من جرائم، ويقدمون باستمرار وعلى مدى سبع سنوات صورة كاذبة ومعكوسة لما يجري في سورية.
مَنْ يقصف السوريين؟ هل هي المعارضة، أم طائرات العصابة وروسيا؟ ومع ذلك، وبعد مقتل مليون سوري، لم نسمع كلمة إدانة واحدة من روسيا لقتل المدنيين، وخصوصا الأطفال والنساء، وتدمير المستشفيات والمنازل على رؤوس أصحابها.
استخدمت العصابة، قبل أيام، الغازات السامة للمرة الثانية في الغوطة، لأنها حاصرتها خمس
استخدم سفاح دمشق الكيماوي لقتل أطفال الغوطة، وهذا مثبتٌ بأشرطة فيديو، ولكن موسكو تنفي، كما فعلت ذلك عشرات المرات، وتقول إنها فبركات وحجج أميركية لقصف مواقع النظام. كل ما يقال عن النظام ويُثبَت بالأدلة تقول عنه موسكو إنه مفبرك. أما مجلس الأمن فهو عاجز عن اتخاذ أي قرار لإدانة نظام العصابة في دمشق، وبالتالي فمصير شعبنا وأهلنا أصبح رهينة بيد موسكو التي تتخذ سياسة خاطئة في سورية، وستكون موسكو أكبر الخاسرين إذا استمرت بهذه السياسة.
نصب الأميركان فخاً لروسيا، فجرّوها إلى التدخل العسكري، والانخراط في المستنقع السوري الذي قد يتحول إلى مستنقع أفغاني. ويجر الأميركان موسكو إلى حربٍ باردة وسباق تسلح، وهذا يذكّرنا بالأجواء المرافقة لانهيار الاتحاد السوفييتي. كما يفرض الغرب، وخصوصا أميركا، العقوبات الاقتصادية والعسكرية والمالية على موسكو، ويهددون بتجميد رؤوس أموال النخبة المحيطة بالرئيس فلاديمير بوتين، وهذا سيعني الإمساك باليد التي توجع.
وهناك مؤشر جديد على موسكو أن تلحظه، وهو الموقف الأوروبي الأميركي المؤيد للموقف البريطاني، بخصوص حادثة تسميم الجاسوس الروسي البريطاني المزدوج، سيرغي سكريبال، في بريطانيا، حيث نظمت ضد روسيا حملة دبلوماسية كبيرة، تنذر بمواقف عدائية لاحقة.
وقد اعتقد الروس مخطئين أنهم أبرزوا عضلاتهم في سورية، وجرّبوا أسلحة حديثة، وظنوا أنهم سيقنعون الغرب بقوتهم، لكي يحصلوا على تنازلاتٍ في الملف الأوكراني. وأخطأ الروس عندما وضعوا كل بيضاتهم في سلة سفاح دمشق ونظام الملالي، فسورية ليست الأسد، وإنما هي بلد له تاريخ حضاري كبير، وشعبها حي ومتحضر، ولا يقبل التطرّف، ولا استلاب الإرادة، وقام بأعظم ثورة في التاريخ، لكن دولة عظمى، وهي روسيا، تدخلت بقوتها العسكرية الفتاكة إلى جانب سفاح دمشق، فالأسد سقط وعصابته تعرّت للعالم، وما تحقق في سورية ليس نصرا عسكريا للنظام، بل هو لروسيا، وهذا لا يزيدها شرفا، لأنها حاربت مواطنين ومقاتلين بإمكانات متواضعة.
وتبقى أسئلةٌ تخص مستقبل سفاح دمشق، ومصير الوجود الروسي والمصالح الروسية في
إذا استمرت روسيا بهذه السياسة الخاطئة ستخسر كل شيء. أما إذا أدركت ضرورة تعديل موقفها، بحيث تتجه نحو مصالح الشعب السوري، وتعترف بحقه في الحياة الحرة الكريمة في ظل دولة المواطنة التي لا تتناقض مع المصالح الروسية في سورية، فإنها حينها ستضمن مصالحها في سورية، لكنها لن تضمن صداقة الشعب السوري.
قد يأتي يوم تكتشف موسكو أنها ذهبت لتحارب الثورة في سورية البعيدة عنها جغرافياً، لإبعاد رياح التغيير عن حدودها، تجد أن ذلك الخطر اقترب منها على قول المثل "جنت على نفسها براقش".
محمود الحمزة
باحث سوري، أستاذ جامعي في الرياضيات وتاريخها، كبير باحثين في معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا في أكاديمية العلوم الروسية من 2002 إلى 2016. رئيس المجلس الوطني لاعلان دمشق في المهجر سابقا.
محمود الحمزة
مقالات أخرى
13 ديسمبر 2018
03 يوليو 2018
30 ابريل 2018