31 مايو 2017
سقوط القمّة العربيّة الإيراني
كثيرون ممن يعارضون إيران وحلفاءها شمتوا بسقوط الرئيس اللبناني، ميشيل عون، على الأرض لدى التقاط الصورة التذكارية في القمّة العربية. لكن بعد بيان القمّة الختامي، الذي يمكن أن يوصف بانّه أسوأ بيان ختامي لقمّة عربية، وهو حتّى أسوأ من بيانات لقمم عربيّة سبقت احداثًا كارثية مثل غزو العراق، فالسقطة الحقيقيّة والمدوّية في منطقة البحر الميت لم تكن وقوع الرئيس اللبناني على الأرض، وإنّما كانت بيانا ختاميا لم يجرؤ حتى على تسمية إيران التي تقتلنا ويتفاخر حكاّمها أنّهم يحتلّون أربع عواصم عربية بالاسم.
لم يكن كافيا لتسمية إيران أنّ مملكة البحرين كانت قد أعلنت، قبل أيّام، القبض على مجموعة إرهابية بتمويل ودعم من الحرس الثوري الإيراني (والبحرين وقّعت على البيان إيّاه!)، لكن، كان على البيان، قبل كلّ شيء، أن "يشيد بدور العراق في حربه على الإرهاب"، ما يعني التصفيق للمليشيات المذهبية المجرمة التي قتلت في جرف الصخر والفلوجة والرمادي. ذهول كامل، ونحن نسمع، ونحن نتساءل إن كانت الإشادة تتضمن جريمة الحرب التي تمّت في "الموصل الجديدة" قبل أيّام، عندما قصف التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتّحدة، مدنيين في أحياء سكنيّة، بعد أن أعطت قوات حيدر العبّادي "الرسمية" الإحداثيات هناك، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 500 شهيد. لكن، بدل أن يتذكّر البيان الموصل وأهلها العزيزين، ولو بربع إشارة، لم يقل أيّ كلمة عن ذلك، بل ذهب إلى حدّ التنديد بالمجازر التي تقترف بحقّ مسلمي "الروهينغا". ونتعاطف نحن، العرب والمسلمين، مع مسلمي "الروهينغا"، وهذا أدنى واجب منا، كما يجب أن نتعاطف مع كلّ مظلوم في العالم، مسلمًا كان أم غير مسلم، لكن المجتمعين لم يكلّفوا أنفسهم عناء إعطاء دقيقة واحدة من الدقائق الثلاث عشرة للبيان رفضا للمجازر التي تقترف في العراق بحقّ العرب المسلمين السنّة هناك، وتهجيرهم وإبادتهم، عِلمًا أنّ القمة تخصّ أمّة العرب قبل كلّ شيء، وأنّ "الروهينغا" في ميانمار لم يصبحوا عربًا بعد، بينما العراقيون والسوريون الذين يقاتلون الاستعمار الإيراني عرب أقحاح، على عكس العرب الملتحقين بإيران الذين تخلّوا عن عروبتهم.
لماذا لم يدر بخلد الحكومات العربيّة، مثلًا، ان تعلّق مشاركتها في التحالف الدولي على الاقلّ
خلال هذه القمّة، والتي ندرك أنّ مشاركتها مجرّد مشاركة اسميّة في تحالف غربي تقرّر أهدافه الولايات المتّحدة لا غير، عِلمًا أنّ دماء الشهداء في الموصل الجديدة لم تجفّ بعد؟ خطوة كهذه في هذه القمة، ولو أنّها لن توقف القصف، أو الدعم اللوجستي، بين التحالف الدولي والدول الغربية فيه وبين مليشيات قاسم سليماني المسلّحة والمدعومة أميركيًّا، لكنّه كان سيكون تضامنا معنويا مع العراقيين، رفضًا لما يحصل. فإذا كان هناك من يساهم في تقوية خطاب تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي والمذهبي، فستكون بلا شكّ جرائم الحرب التي يقترفها كلّ يوم التحالف الدولي في الموصل والرقّة ودير الزور وفي أمكنة أخرى، والتي يقوم الجزء الكاسح من الإعلام العربي بالتغطية عليها: تحالف يدمّر المدن في العراق، بينما يتولى الروس في سورية فعل ذلك، علمًا أنّ الروس الذين أنشأوا قواعد عسكرية في الأرض العربية في سورية نسي البيان أن يذكرهم.. سهوا من دون شكّ!
كانت القمّة نجاحًا إيرانيا منقطع النظير بالفعل، حيث مدح رئيس وزراء الحكومة الخضراء، حيدر العبّادي، الملوّثة يده بدماء الاطفال والنساء والشباب العراقيين، الحشد المذهبي في القمة أمام المجتمعين، وأمام الجماهير العربية التي شاهدت الأمر بذهولٍ لا يعادله سوى إحباطها وغضبها، من دون أن يُسكته أحدٌ من الموجودين، ولو احترامًا لدماء شهداء الموصل وحلب وحمص والباب وغيرها التي ما زالت تراق. هنا نسأل: لماذا يحدث مثلا أنّ إعلامًا عربيا، في فضائيّة العربية مثلا، يحافظ على خطاب شيزفريني فيما خصّ العراق، حيث تهلّل هناك لجرائم الحشد الشعبي بوصفه "القوى الحكومية العراقية"، بينما تهاجم إيران محقّة في اليمن ولبنان
وسورية؟ وهل تعتقد الحكومة السعوديّة أنّ الناس نسيت كيف تمّ تهديد السفير السعودي، ثامر السبهان، علنا بالقتل في العراق من قادة مليشيات الحشد الذين اعتبرهم العبادي نفسه، في قرارٍ منه، جزءا من القوات الحكومية العراقية؟ لماذا تتضايق السعودية، ودول عربية أخرى، من الرئيس اللبناني، ميشيل عون، ووزير خارجيته جبران باسيل (لم يتضامن مع السعودية عندما حرقت سفارتها في طهران) إلى هذه الدرجة، بسبب حزب الله (ومعها حقّ)، إن لم يكن لديها مشكلة في استقبال وزير خارجية العراق، إبراهيم الجعفري، وهو الذي كان رئيس وزراء للعراق أيام الجثث المجهولة عامي 2005 و2006، والذي أهدى وزير الدفاع الأميركي السابق، دونالد رامسفيلد، سيف حيدرة؟ لماذا يطلق محللون عرب آراء غريبة عجيبة، تموّه حقيقة الوضع في العراق، والذي يعرفه كثيرون، فيتكلمون أن "مقتدى الصدر أصبح ضدّ إيران" التي تسيطر على كلّ إنشٍ في العراق، وعلى أجهزته، بينما لا نزال نذكر كيفّ أن مقتدى الصدر هَرَبَ إلى إيران، مستسمحًا من قادتها، بعد أن صرخ بعض العراقيين "إيران برّا برّا.. بغداد حرّة حرّة"، وتبرّأ من هؤلاء "المندسّين"؟
صرخة الغضب هنا تزعم أنّها تعبّر عن قطاع واسع من الجماهير العربية، هي الراجحة سياسيًّا على الأرض. صحيح أنّ المنطق خلف ترك الأمور على غاربها من دول عربية، تحاول أن تتصدّى لإيران ونفوذها في قمّةٍ كانت إيرانية أكثر مما لها علاقة "بأرض العرب أوطاني"، هو أنّ قمّة عربية، في نهاية المطاف، ليست سوى قمّة "كلام لا يقدّم ولا يؤخّر"، وأنّ الأفعال وحدها ستقرّر، وأنّ الرهان الآن على إدارة ترامب في كبح إيران. قد يحدث هذا أو قد لا يحدث. لكن هذا كله ليس سببا من أجل عدم الاستماتة، لكي لا تأخذ إيران مكاسب رمزية وغطاء "عربيًّا" لجرائمها في بيانٍ سيذكره التاريخ أنّه الأسوأ. فلو لم تكن القمّة العربية أمرًا مهمّا، لما كان الغضب والخيبة شعورين متوهجّين الآن بين الناس: وكلّ قمّة عربية هي أكثر من مجرّد كلمات، لأنّ الكلمات نفسها دوما تكون أهمّ من أن تكون مجرّد كلمات. ولكم أن تروا كيف يستميت وكلاء إيران في المنطقة في التبجح أنّهم "عرب مثلهم مثل غيرهم"، وأنّ "إيران تقدّم الدعم للحكومة العراقية التي أشادت بها القمّة"، وما شابه من هذا الكلام، الذي يعرف كلّ العرب أنّه تلطٍ بشيء اسمه "الحكومة العراقية" و"العملية السياسية". وهذا كله ليس فقط لأنّ العملية السياسية كانت مصممة من أميركا لتفتيت العراق وتقسيمه، بل أيضا لأن الحكومات العربيّة كانت دومًا تهادن ذلك كله، وتغطيه، وهي بذلك تضحيّ بالعراقيين كلّ يوم، وتتركهم بين فكيّ الغول الإيراني. هو الشيخ حارث الضاري الذي مرّت أخيرا ذكرى السنة الأولى لوفاته، وهو الذي رفض العملية السياسية جملة وتفصيلًا، كان يذكّر الجميع أنّ "كل ما بني على باطل فهو باطل". كان خيار الحدّ الأدنى هنا هو إما عدم المشاركة في هذه القمة التي كانت نتيجتها الوحيدة الاحتفاء بحيدر العبّادي وحشده المذهبي، أو تحويل القمّة معركة سياسية لإدانة جرائم إيران وأميركا في حقّ العرب السنة في العراق، وذلك من أجل استعادة العراق من براثن مستعمريه، بدل المساهمة بالتغطية على عملية ذبح العراقيين التي تجري كلّ يوم.
لم يكن كافيا لتسمية إيران أنّ مملكة البحرين كانت قد أعلنت، قبل أيّام، القبض على مجموعة إرهابية بتمويل ودعم من الحرس الثوري الإيراني (والبحرين وقّعت على البيان إيّاه!)، لكن، كان على البيان، قبل كلّ شيء، أن "يشيد بدور العراق في حربه على الإرهاب"، ما يعني التصفيق للمليشيات المذهبية المجرمة التي قتلت في جرف الصخر والفلوجة والرمادي. ذهول كامل، ونحن نسمع، ونحن نتساءل إن كانت الإشادة تتضمن جريمة الحرب التي تمّت في "الموصل الجديدة" قبل أيّام، عندما قصف التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتّحدة، مدنيين في أحياء سكنيّة، بعد أن أعطت قوات حيدر العبّادي "الرسمية" الإحداثيات هناك، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 500 شهيد. لكن، بدل أن يتذكّر البيان الموصل وأهلها العزيزين، ولو بربع إشارة، لم يقل أيّ كلمة عن ذلك، بل ذهب إلى حدّ التنديد بالمجازر التي تقترف بحقّ مسلمي "الروهينغا". ونتعاطف نحن، العرب والمسلمين، مع مسلمي "الروهينغا"، وهذا أدنى واجب منا، كما يجب أن نتعاطف مع كلّ مظلوم في العالم، مسلمًا كان أم غير مسلم، لكن المجتمعين لم يكلّفوا أنفسهم عناء إعطاء دقيقة واحدة من الدقائق الثلاث عشرة للبيان رفضا للمجازر التي تقترف في العراق بحقّ العرب المسلمين السنّة هناك، وتهجيرهم وإبادتهم، عِلمًا أنّ القمة تخصّ أمّة العرب قبل كلّ شيء، وأنّ "الروهينغا" في ميانمار لم يصبحوا عربًا بعد، بينما العراقيون والسوريون الذين يقاتلون الاستعمار الإيراني عرب أقحاح، على عكس العرب الملتحقين بإيران الذين تخلّوا عن عروبتهم.
لماذا لم يدر بخلد الحكومات العربيّة، مثلًا، ان تعلّق مشاركتها في التحالف الدولي على الاقلّ
كانت القمّة نجاحًا إيرانيا منقطع النظير بالفعل، حيث مدح رئيس وزراء الحكومة الخضراء، حيدر العبّادي، الملوّثة يده بدماء الاطفال والنساء والشباب العراقيين، الحشد المذهبي في القمة أمام المجتمعين، وأمام الجماهير العربية التي شاهدت الأمر بذهولٍ لا يعادله سوى إحباطها وغضبها، من دون أن يُسكته أحدٌ من الموجودين، ولو احترامًا لدماء شهداء الموصل وحلب وحمص والباب وغيرها التي ما زالت تراق. هنا نسأل: لماذا يحدث مثلا أنّ إعلامًا عربيا، في فضائيّة العربية مثلا، يحافظ على خطاب شيزفريني فيما خصّ العراق، حيث تهلّل هناك لجرائم الحشد الشعبي بوصفه "القوى الحكومية العراقية"، بينما تهاجم إيران محقّة في اليمن ولبنان
صرخة الغضب هنا تزعم أنّها تعبّر عن قطاع واسع من الجماهير العربية، هي الراجحة سياسيًّا على الأرض. صحيح أنّ المنطق خلف ترك الأمور على غاربها من دول عربية، تحاول أن تتصدّى لإيران ونفوذها في قمّةٍ كانت إيرانية أكثر مما لها علاقة "بأرض العرب أوطاني"، هو أنّ قمّة عربية، في نهاية المطاف، ليست سوى قمّة "كلام لا يقدّم ولا يؤخّر"، وأنّ الأفعال وحدها ستقرّر، وأنّ الرهان الآن على إدارة ترامب في كبح إيران. قد يحدث هذا أو قد لا يحدث. لكن هذا كله ليس سببا من أجل عدم الاستماتة، لكي لا تأخذ إيران مكاسب رمزية وغطاء "عربيًّا" لجرائمها في بيانٍ سيذكره التاريخ أنّه الأسوأ. فلو لم تكن القمّة العربية أمرًا مهمّا، لما كان الغضب والخيبة شعورين متوهجّين الآن بين الناس: وكلّ قمّة عربية هي أكثر من مجرّد كلمات، لأنّ الكلمات نفسها دوما تكون أهمّ من أن تكون مجرّد كلمات. ولكم أن تروا كيف يستميت وكلاء إيران في المنطقة في التبجح أنّهم "عرب مثلهم مثل غيرهم"، وأنّ "إيران تقدّم الدعم للحكومة العراقية التي أشادت بها القمّة"، وما شابه من هذا الكلام، الذي يعرف كلّ العرب أنّه تلطٍ بشيء اسمه "الحكومة العراقية" و"العملية السياسية". وهذا كله ليس فقط لأنّ العملية السياسية كانت مصممة من أميركا لتفتيت العراق وتقسيمه، بل أيضا لأن الحكومات العربيّة كانت دومًا تهادن ذلك كله، وتغطيه، وهي بذلك تضحيّ بالعراقيين كلّ يوم، وتتركهم بين فكيّ الغول الإيراني. هو الشيخ حارث الضاري الذي مرّت أخيرا ذكرى السنة الأولى لوفاته، وهو الذي رفض العملية السياسية جملة وتفصيلًا، كان يذكّر الجميع أنّ "كل ما بني على باطل فهو باطل". كان خيار الحدّ الأدنى هنا هو إما عدم المشاركة في هذه القمة التي كانت نتيجتها الوحيدة الاحتفاء بحيدر العبّادي وحشده المذهبي، أو تحويل القمّة معركة سياسية لإدانة جرائم إيران وأميركا في حقّ العرب السنة في العراق، وذلك من أجل استعادة العراق من براثن مستعمريه، بدل المساهمة بالتغطية على عملية ذبح العراقيين التي تجري كلّ يوم.