ألوانٌ مستمدّة من المساء والعزلة والشعور بالاغتراب، كما لو أن عالماً يختفي في لوحة الفنّان القطري سلمان المالك (1958) ليحلّ محله عالم آخر... كما لو أنه يرسم الوجوه مكتملةَ الملامح ثم يعود ليمحوها من جديد فتتلاشى التفاصيل ولا يظلّ من هذا الفرد أو تلك العائلة الملتئمة أو هؤلاء الأطفال الغرائبيين سوى مسودات وجوه، وعزلة مستنسَخة بأكثر من طريقة.
في معرضه الجديد "اتجاه"، الذي يتواصل في غاليري "المرخية" بالدوحة حتى 27 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، تُعرَض سلسلة من لوحات المالك، والتي يبدو أنه يواصل الاشتغال فيها على موضوعه الأثير وهو الإنسان، الفرد أحياناً بالمعنى المطلق للكلمة، والمرأة بشكل خاص، والتي تحضر في كثير من الأعمال التي قدّمها سابقاً، حيث توقّف عند علاقتها بكل ما يحيط بها من مرايا.
ألوان المالك الغائمة في بعض أعمال هذه المجموعة ليست نفسها الألوان الساطعة المستمدّة من الصحراء وما يراه البدوي من خيمته، كما قال في أحد تصريحاته الصحافية، واصفاً علاقته بالألوان: "أعجبتني فكرة تحايل البدوي على الطبيعة التي يعيشها ووضعه كل الألوان في بيت الشَّعر الذي ينسجه حتى تعوّضه عن عدم وجود لون في الأفق"، ما جعله يستلهم الفكرة ويستحضرها في أعماله.
بدأت تجربة المالك في منتصف الثمانينيات، وتزامنت وقتها مع تيار تشكيلي حداثي كما يبين الناقد خضير الزيدي، الذي يصف أول معارضه بأنه كان اندفاعاً منه في مسار "يُحدّد، لمن يراقب أعماله، صياغات القيم المثالية في خطاب اللوحة. وتَعزّز ذلك المشروع في أكثر من عشرة معارض شخصية داخل قطر وخارجها وكلها تتجاوز الواقعي إلى معالم المتخيّل".
يخلط المالك على نحو خاص بين مفردات البيئة المحيطة به وبين ما يحيط بذاته من الداخل، بحيث يشتغل على عالمين متوازيين: الخارج والداخل. ثمة رموز وإشارات من الموروث الجمعي، ورموز من نوع آخر من الذاكرة والوعي الفردي. أضاف إلى ذلك وجوده في جغرافيا تجمع البحر بالصحراء، وحرارة الشمس ببرودة الماء، وهذا ما يظهر جلياً في خياراته اللونية.
عن ألوانه، يقول الناقد محمد أبو طالب: "الألوان عند المالك ساطعة حتى الداكن منها، وهذه خاصية في كل لوحاته، وقد قمت بتجربة خاصة على صور تلك اللوحات. كانت الصور بصيغة (RGB)، ومن المعروف أن تلك الصيغة تعطي الألوان بريقاً وسطوعاً. قمت بتحويلها إلى صيغة (CMYK) وظلت الصور والألوان بنفس البريق والسطوع". أما بالنسبة إلى الخطوط، فيضيف أنها "مليئة بالطاقة النشطة، تبدو كاللهب الراقص".
كان المالك، فنان الكاريكاتير أيضاً، يتذكر أنه كان يأخذ بقايا الفحم ليرسم بها خطوطاً على جدران بيت الأسرة المطليّ بالجص الأبيض، عندما كان صغيرأ في السادسة من عمره، وكان الفحم هو المادة الأساسية المستخدمة كوقود للطهي.
لوحة المالك ليست لوحة التفاصيل، إنه يهتم بالكتل الكبيرة الموزّعة في العمل بميزان دقيق، فحتى الأشياء الصغيرة في أعماله لها كتلة واضحة المعالم ولها وزن أساسي.