07 ابريل 2017
سلّم لي على حلب
على أزقتها القديمة، حاراتها، سوقها القديم، كل شبر في تلك الأرض، سلّم لي على حلب. على ثرى الأرض الذي يعبق بعطر الشهداء، بعطر الأبرياء، بعطر الطيور التي رفرفت أرواحها عاليا، قبل أن تنام مطمئنة.. على تراب حلب.
سلّم لي على حلب، أيها الطير الغادي، سلّم على بقايا مآذنها، على صوت المؤذنين، ترى أين غاب، أين اختفت حناجرهم الذهبية، تلك التي كانت تعانق بتكبيراتها عنان السماء فجر كل يوم جديد؟
هناك.. على السوق القديم، على القلعة، على أوكار طيورها التي هاجرت، مرّ على الجميع، وسلم لي على حلب، على حلب، حلب.
لن تموت مدينة شربت من دماء شهدائها، لن تموت مدينة فضحت المفضوح، وكشفت عهر العاهر، العالم الأجرب الذي لا يعرف إلا أن يمشي فوق جثثنا، يعتاش على أرواحنا وأحلامنا.. لن تموت حلب، حلب باقية، من مات هو العالم الأعور، المجتمع الدولي، هذه الأكذوبة الكبرى التي صدقناها.
عاشت حلب.. وستعيش. عاشت لأنها أرادت أن تكون حرة، ودافعت عن حريتها، عاشت لأنها لم ترتض أن تتنازل للطغيان، لم ترضخ للعدوان، عاشت لأنها كريمة، عاش فيها أكارم، ومات فيها أكارم.
حلب اليوم شاهدة على عار العرب، وأي عار ذاك، تماما كما كانت بغداد، يوم ارتضى من ارتضى أن يدخل كل زناة الأرض إليها.
صحيح احتُلت بغداد وما تزال، صحيح أنها دُمرت ولا تزال، ولكنها ستعود، فألقها أكبر من كل المتآمرين، أكبر من كل الحاقدين، بقيت بغداد وخاب المتآمرون، و ستبقى حلب، ستعود؛ فالشمس لا ترى إلا في عيون حلب ألقها.
سلّم لي على حلب، أيها الطير الغريب، مثلك أنا، أردّد تغريبة الزمن الرديء. سلم لي على حلب، وبلّغ كل جدران بيوتها، وياسمينها، بأن الشمس ستعود، لأنها تريد أن تعود. وستعود معها كل تلك الحقائب التي اعتادت على الترحال بحثاً عن وطن.. ستعود حلب، إنها مدينة خلقت لتكون، خلقت لتكتب التاريخ، وأي تاريخ ذاك يا حلب؟
يوم كان الضمير العربي والإنساني في إجازة، تحملت وحدك مخرز الموت. تحملت وحدك كل هذا الموت القادم عبر آلاف الحاقدين الذين حشدهم الطاغية الأكبر. تحملت وحدك الموت القادم عبر براميل الحقد.. وحدك كنت تنامين بين ركام مبانيك، تعانقين جثث من بقي هنا.. وحدك كنت مطمئنة، بأن لا موت يمكن أن يقتلع أرواح المدن.
أيها الطير ..سلّم لي على حلب، وأبلغ من توسد ثراها بأن الموت الذي خطف أرواحكم، عجز عن أن يقتلع حلبيتكم العاشقة لثرى المدينة، فعانقتم ثرى مدينة الطهر والشهداء.
ناموا أيها الحلبيون بين ثرى حلبكم، فوالله إنها أكثر دعة وسعادة من خارجها، من ذاك المصير الأسود الذي يتربصكم، ناموا مطمئنين، أيها الشهداء، يا من بكم انتشت زهرات ياسمين حلب، فوالله إنكم أحياء.. أحياء في عالم من الأموات.
سلّم لي على حلب، سلّم على أرواح نسائها وبناتها وأطفالها، شيوخها، رجالها المقاومين، أولئك الذين أقسموا ألا يغادروا، فترابطوا، وماتوا بعد أن نفدت ذخيرتهم، ليكتبوا فصلا آخر من فصول ملحمة حلب....
سلّم لي على حلب