18 اغسطس 2020
سورية: ارتجال المعارضة في الفخ إلى سوتشي
قبل عام من الآن، "أسقط" الروس والإيرانيون حلب في حِجر النظام، تحت سمع العالم أجمع. وتبدّى مشهد سوري آخر، رأى فيه حماة نظام دمشق فرصة لفرض "الاستسلام"، على الشعب والمعارضة.
وبالتمهيد الناري، وصراع المعارضة، وبعقلية "حاراتية" على القتال، كنا أمام "جنيف 4"، كمسرحية مملة في نسختها التي لم يكن كل شيء فيها للنشر. فتراجيديا الخيارات المعروضة أمام "مفاوضي الائتلاف"، وتلاعب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا؛ والأخير، بصفة شخصية أقولها، يصعب أن لا تكتشف فيه عن قرب ما اكتشفه حتى مفاوضيه عن "خبث الرجل لتمرير الوقت، فوظيفته أهم من كل الشعب السوري".
في أروقة الفندق الذي أقام فيه جزء من المعارضة، فيما منصة القاهرة في آخر، بدا التوتر سيد الموقف. كانت المراسلة اللبنانية الصديقة تكتشف أن "الجماعة في مأزق". تظهر في الليلة المقرر فيها "لقاء مع الجانب الروسي"، صرامة أحدهم، بنبرة متحدية لصحافيين اقتربوا منه خارج الفندق، وكاتب هذه السطور بادره بسؤال "هل ستذهبون للقاء المبعوث الروسي؟"... أجاب: "لا، أبدا.. أبدا". ومع نفخ دخان سيجارته، مقابل عدسات القنوات الفضائية، كان حازما: "إن أرادوا اللقاء فليأتوا هم... أو ليختاروا منطقة محايدة...".
لم يمض وقت طويل حتى كانت الحافلة تقلّ الوفد نحو مقر البعثة الروسية. وفي طريق العودة كنا كمراسلين بانتظارهم أمام الفندق نفسه، وإذ بالرجل الصارم يهبط من حافلة "إيجابية اللقاء".. زميل، على مسمع زملائه من محطة كبيرة، مخضرمون في الشأن الروسي والسوري، قال باستغراب: "لا أفهم كيف تغيب الفطنة عن هؤلاء، فروسيا ليسوا كما يعتقدون، وهل يظنون بالفعل أن الروس كانوا سيقبلون بشرطهم؟".
تلك لوحة تخبّط مختصرة، مر عليها أكثر من 8 أشهر، لكنها لم تتغير، بل بالعكس زادت في مآسيها الغائبة - الحاضرة في تحويل التفاوض إلى "مسمار جحا" على ظهور السوريين.
وبالتمهيد الناري، وصراع المعارضة، وبعقلية "حاراتية" على القتال، كنا أمام "جنيف 4"، كمسرحية مملة في نسختها التي لم يكن كل شيء فيها للنشر. فتراجيديا الخيارات المعروضة أمام "مفاوضي الائتلاف"، وتلاعب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا؛ والأخير، بصفة شخصية أقولها، يصعب أن لا تكتشف فيه عن قرب ما اكتشفه حتى مفاوضيه عن "خبث الرجل لتمرير الوقت، فوظيفته أهم من كل الشعب السوري".
في أروقة الفندق الذي أقام فيه جزء من المعارضة، فيما منصة القاهرة في آخر، بدا التوتر سيد الموقف. كانت المراسلة اللبنانية الصديقة تكتشف أن "الجماعة في مأزق". تظهر في الليلة المقرر فيها "لقاء مع الجانب الروسي"، صرامة أحدهم، بنبرة متحدية لصحافيين اقتربوا منه خارج الفندق، وكاتب هذه السطور بادره بسؤال "هل ستذهبون للقاء المبعوث الروسي؟"... أجاب: "لا، أبدا.. أبدا". ومع نفخ دخان سيجارته، مقابل عدسات القنوات الفضائية، كان حازما: "إن أرادوا اللقاء فليأتوا هم... أو ليختاروا منطقة محايدة...".
لم يمض وقت طويل حتى كانت الحافلة تقلّ الوفد نحو مقر البعثة الروسية. وفي طريق العودة كنا كمراسلين بانتظارهم أمام الفندق نفسه، وإذ بالرجل الصارم يهبط من حافلة "إيجابية اللقاء".. زميل، على مسمع زملائه من محطة كبيرة، مخضرمون في الشأن الروسي والسوري، قال باستغراب: "لا أفهم كيف تغيب الفطنة عن هؤلاء، فروسيا ليسوا كما يعتقدون، وهل يظنون بالفعل أن الروس كانوا سيقبلون بشرطهم؟".
تلك لوحة تخبّط مختصرة، مر عليها أكثر من 8 أشهر، لكنها لم تتغير، بل بالعكس زادت في مآسيها الغائبة - الحاضرة في تحويل التفاوض إلى "مسمار جحا" على ظهور السوريين.
في الأخرى، وهي انعكاس أعمق لتراجيديا الحالة الذاتية، مع اضطرارك إلى تنحية الانطباعات الشخصية جانبا فيما يتعلق بالشخوص والممارسات، ومنها "تشبيح مراسلي وسائل النظام والممانعة" في مقر الأمم المتحدة.
كان المساء يهبط باردا وثقيلا في جنيف، ومقابل مجسم الكرة الأرضية، تكتشف ما عناه الصحافي أحمد كامل بمقولته المباشرة لي، وهو يقلب صورا غريبة على كمبيوتره، عن "نساء دي ميستورا". طبيعة حديث النسوة، وهن يدخّن في الخارج، دون أن يعرفن أني قد أفهم العربية، كان مخزيا، ما جعلني أسرع مبتعدا حتى لا أنفجر بملاحظاتي عن "النساء الممانعات" وهن يتحدثن عن "الخونة"، بل وعن "دي ميستورا المليح".
في الثالثة، وهي أهم ما جعلني مقتنعا بما كان يقوله مفاوضون ومراقبون، بمن فيهم غربيون مبتعثون من خارجيات بلادهم، أن ما يجري ليس أكثر من "تقطيع وقت للانتقال إلى أستانة بدل جنيف".
حملت ذلك إلى مفاوضين، بعد أن تناقشت مع زميلتي اللبنانية عما يقوله "المبعوثون" و"مفاوضون آخرون". أيضا هذه المرة بحزم كان الموقف "أبدا... أبدا لن نقبل ذلك مهما فعل الروس".
ليس الآن وقت الجدل فيما إذا كانت موسكو بالفعل، مع كل التراجع العربي والإقليمي في قضية الشعب السوري، وتسليم الأوراق لبوتين، قد استطاعت بالفعل ترويض دي ميستورا، القابل أصلا للترويض، بنرجسية مكشوفة اللسان والحركة.
صحيح ما قاله أحد رجال الجيش الحر بأن "أستانة موكل فقط بالجانب العسكري التقني". فيما نحن اليوم، بخلاصة تخبّط واضح، منذ ما قبل الارتهان لما يسمى "الدول الراعية" ومؤتمر الرياض 2، ووجود أشخاص لم يروا مشكلة في "تقاسم وظيفي" مع بشار الأسد، ووجود فعلي وليس متخيلا في صفوف "المنصات" لمن يرى في الثورة السورية "مؤامرة"، سائرون فعلا لا قولا نحو "سوتشي" (سواء للشعوب السورية! على وزن السوفييتية في العقل الروسي، أو بتسميات أخرى لخلق محاصصة طائفية يكون فيها الأمن وأركان النظام حكما).
كوارث قراءة بعض المعارضين للقوة الذاتية يذكرني بمقولة "جبهة النضال الشعبي الفلسطيني"، التي تزعّمها الراحل سمير غوشة، عن أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء أميركي على الاتحاد السوفييتي"، أو شعار الممانعين بأنهم "قادرون على إنهاء الكيان الصهيوني خلال ساعات"، من دون أن نعلم لما لا يفعلونها إذا؟
كل الأقاويل عن أن "المعارضة" لن تذهب إلى مؤتمر سوتشي تذكرني أيضا بحال فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، وتحوّلها إلى "الان جي أوز" بطلبها "التحلل الكامل من الاتفاق"، في حين أنها فصائل قبلت التوزير والعيش في "ظلال الواي ريفر" وأوسلو نفسها.
وبرأي متواضع، بعيدا عن الحب والكراهية، والتفاؤل والتشاؤم، فإن المتابع لسلم التراجع، والاستقالات التي سبقت الفصل الثامن من المسرحية في جنيف، وجولة بوتين الأخيرة وتنسيقه، من الرياض إلى تل أبيب حتى أنقرة، وكل التنمر والنمردة التي مارسهما ستيفان دي ميستورا، بدلا من سيرغي لافروف، سيجد أن طريق سوتشي بات إجباريا، وليس مغلقا كما يشيع البعض.
سوف تهرول ذات القوى التي تقول اليوم إنها معارضة لسوتشي. وبما أن أصحاب فكر "التقاسم الوظيفي"، وبتغييب أصحاب الفعل الوازن للحراك الثوري الشبابي المدني، وتشتيت قواه، وتصدر نوع محدد من المعارضة للمشهد، فسنكون أمام سوتشي مهم تمنع هؤلاء الذين خلعوا عن أنفسهم أي تواصل حقيقي مع أهداف شعبهم وما خرج السوريون له في مارس/آذار 2011. بدل جلد الذات، والتعبير عن الندم، ربما يحتاج أصحاب الثورة إلى مراجعة دقيقة للتراجيديا التي تدفع بها الثورات المضادة بعباءة ثورية.