علمت "العربي الجديد" من مصدر مسؤول في "جبهة النصرة"، رفض الكشف عن اسمه، أن "الجبهة بصدد القيام بعملية عسكرية كبيرة في محافظة إدلب"، من دون أن يحدد تفاصيلها ولا توقيتها. ولكنه أكد أنها "ستكون خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد تستهدف خطوط إمداد النظام من الساحل إلى إدلب، وربما السيطرة على المدينة".
وكشف أن العملية "ستتمّ بالتنسيق مع حركة أحرار الشام وتجمّع أنصار الدين"، مضيفاً أن "الخلاف الأمني بين جبهة النصرة وحركة أحرار الشام بسيط، ويقتصر على الغنائم ولا يؤثر في التنسيق وخوض معارك مشتركة".
وتزامن حديث المصدر مع قيام النظام بإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى إدلب، وسط استنفار كبير لقواته ولمليشيا "الشبيحة" داخل المدينة، قابله استنفار للفصائل العسكرية المعارضة، المرابطة في محيط إدلب، كمدينتي بنّش وسرمين ومحيط مدينة أريحا.
ويخشى السكان في مناطق المعارضة، من أن يكون ذلك مقدمة لقيام طائرات النظام باستهدافهم بغارات جوية، ما يُرجّح استعداد "النصرة" لاستهداف إدلب في معركتها المقبلة، بعد تمكنها من القضاء على حركة "حزم"، ونجاحها الجزئي بالعملية، التي استهدفت من خلالها فرع المخابرات الجوية في حلب، بمشاركة فصائل أخرى.
ويبدو أن "جبهة النصرة" تتبع السيناريو عينه بعد كل مواجهة مع فصائل "الجيش الحر"، وهو القيام بعمل عسكري كبير ضد النظام، يزيد من شعبيتها ويساعدها في الحملة التي تشنّها في تشويه سمعة الفصيل المعارض الذي تهاجمه وشيطنته.
وكانت المعركة التي خاضتها "النصرة" ضد "جبهة ثوار سورية"، المدعومة أميركياً، والقضاء عليها والاستيلاء على سلاحها في قرى جبل الزاوية، أدت إلى قيامها بعمل عسكري ضخم، بمشاركة "حركة أحرار الشام" وبعض فصائل "الجيش الحر"، استولت من خلاله على معسكري وادي الضيف والحامدية الاستراتيجيين، اللذين كانا خاضعين لسيطرة قوات النظام.
أكسب هجوم المعسكرين، "النصرة" شعبية كبيرة، خصوصاً أن "جبهة ثوار سورية"، هي من حاصرت وادي الضيف لأكثر من سنتين، من دون أن تتمكن من السيطرة عليه، في حين تمكنت "النصرة" من اقتحامه خلال يومين، مستفيدة من التنسيق مع "حركة أحرار الشام"، التي ساهمت بالقوة الأكبر في المعركة. كما استفادت "النصرة" من السلاح النوعي الذي حصلت عليه من معركتها مع "جبهة ثوار سورية"، كصواريخ "تاو"، التي سبق أن سلّمتها الولايات المتحدة لـ"الجبهة".
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية وجبهة الفوعة: معركة الحساسيات الطائفية
ويبدو أن "النصرة" التي تتخذ من محافظة إدلب مركزاً لعملياتها، في طريقها للقيام بعمل عسكري، تُثبت فيه لجمهورها في المحافظة، أن عدوّها الرئيسي هو النظام، وأن فصائل "الجيش الحرّ" التي حاربتها، ما هي إلا فصائل كانت تقف عائقاً أمام تحقيقها لتلك الانتصارات. إلا أن استهداف "النصرة" إدلب عسكرياً، يبدو محكوماً بظروف مختلفة عن الظروف التي سيطرت فيها على وادي الضيف.
لا تقتصر أهمية ادلب بالنسبة للنظام كمركز للمحافظة، أو أن خسارته المدينة تعني أن المحافظة برمّتها خرجت عن سيطرته، بل تكمن أهمتيها في كونها تحتوي على عدد كبير من قواته، وفروعه الأمنية فيها، كما أن عناصر "الشبيحة" في المحافظة، متكتلون داخل المدينة، ويشكلون قوة لا يُستهان بها. وتبدو المدينة محصّنة وفقاً للنظام، بمعسكر المسطومة من الجنوب، الذي يتواجد فيه مركز قيادة قواته في المحافظة، ويحتوي على معظم عتاد النظام في المحافظة.
كما تُشكّل مدينة الفوعة، الموالية في شمال شرق المدينة، قوّة دعم لوجستي كبيرة، نظراً لتحوّلها إلى مركز عسكري يحتوي على كتيبة دبابات ومنصات لإطلاق الصواريخ، وتضمّ عناصر من "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني، الذين يشرفون على العمليات العسكرية فيها.
وتجعل كل تلك العوامل من اقتحام المدينة أمراً بالغ الصعوبة في الوقت الحالي، ما لم يكن الهدف القيام بعملية محدودة، تُثبت فيها "جبهة النصرة" قدرتها على مهاجمة النظام داخل مربعه الأمني في إدلب. كما لا يغيب عن "النصرة"، أن إظهارها العداء لمختلف فصائل "الحرّ"، والخلاف الأمني مع حركة "أحرار الشام"، القوة الأكبر في المحافظة، يُعقّد مهمتها، على الرغم من امتلاكها كميات كبيرة من العتاد ومضاد الدروع والدبابات التي استولت عليها من "حزم".
وتضع هذه العوامل "النصرة" أمام احتمالين، إما أنها حلّت إشكالها الأمني مع "حركة أحرار الشام"، وتُعدّ لعمل مشترك وضخمٍ تستثمره إعلامياً لصالحها، وإما أنها تسعى لعمل محدود، تحرج من خلاله الحركة، وتظهرها بمظهر غير المكترث للمشاركة في معركة تحرير إدلب، في سيناريو يحاكي العملية المحدودة، التي قامت بها أواخر العام الماضي داخل المدينة، والتي اتخذتها مبرراً للقضاء على "جبهة ثوار سورية"، بعد نشرها أخباراً عن أن "الجبهة" طعنتها من الخلف، وخذلتها في تلك المعركة.
وقد أثبتت المعارك التي خاضتها المعارضة السورية ضد قوات النظام على مدار السنوات الأربع الماضية، أن أية عملية لا تؤدي إلى السيطرة التامة على المنطقة المستهدفة، تجلب الويلات على سكان المناطق التي انطلقت منها الحملة، وذلك من خلال العمليات الانتقامية التي يقوم بها النظام ضد تلك المناطق، عبر القصف الجوي أو بالقصف المدفعي، أو ارتكاب مجازر في حال تمكنه من التقدم، وما يجب أن يؤخذ بالحسبان.
اقرأ أيضاً: المعارضة المسلحة المعتدلة ستبدأ عملياتها في سورية بداية مايو