04 نوفمبر 2024
سورية بين الاستعصاء وإعادة تأهيل النظام
الوضع في سورية في حالة استعصاء، وهذا بات معروفاً، فلا النظام يستطيع القضاء على الثورة، على الرغم من كل ترسانة الأسلحة التي يمتلكها، والإسناد العسكري اللامحدود له (فوق السياسي والمالي) من روسيا وإيران والمليشيات التابعة لها. في المقابل، أيضاً، ما زالت الثورة لا تستطيع إسقاط النظام، على الرغم من كل معاناة السوريين وتضحياتهم وبطولاتهم.
وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف، أولاً، بسبب بطش النظام، وانتهاجه سياسة الأرض المحروقة في مواجهة البيئات التي يعتبرها حاضنةً للثورة، ما نجم عنه إضعاف طابعها الشعبي، بعد تشريد الملايين، أو وضعهم تحت الحصار والقصف العشوائي الوحشي والمجنون، والتحول تالياً إلى الصراع المسلح مع كل ما يتبع ذلك من مخاطر وتبعات وارتهانات.
ثانياً، ضعف البيئة العربية المؤيدة، لاسيما بعد انتكاس الثورة المصرية، وتضارب إرادات الدول المؤيدة للثورة، والمداخلات المضرّة في شؤونها.
ثالثاً، عدم حسم المعسكر الدولي موقفه من ثورة السوريين، ووقوفه موقف المتفرّج إزاء حالة القتل المستمر التي ينتهجها النظام، ومعه، فيما بعد، القوات الحليفة له المشاركة في قصف السوريين.
لكن هذا القول، أي الحديث عن الظروف الموضوعية الصعبة، لا يعفي المعارضة من مسؤولياتها، فهي على الرغم من كل ما قامت به، وما تنوي أن تفعله لتطوير أوضاعها، مازالت بحاجة إلى توسيع إطاراتها لتشمل أوسع قطاع من السوريين المؤيدين للثورة، كما أنها بحاجة إلى تطوير أحوالها، وهيئاتها، ومد الجسور بينها وبين مجتمعات السوريين في الداخل، وفي الشتات، كما أنها بحاجة إلى استعادة خطابها الأول المتعلق بإسقاط النظام الاستبدادي، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، تكفل لجميع الأفراد من مواطنيها العيش بحريةٍ ومساواة، في نصوصٍ يتم تأكيدها في الدستور، وتكفل استعادة سورية دولة تعدّدية متنوعة.
بيد أن مشكلة السوريين لا تتحدّد بواقع المعارضة فقط، على أهميته، إذ باتت، منذ زمن تتحدّد بناء على المعطيات المحيطة، أو بناءً على صراعات القوى الدولية والإقليمية في سورية، وعلى سورية، وهذا يعني أن الوضع خرج من كونه صراعاً محلياً على السلطة، وأن القرار بشأن سورية بات بأيدي الخارج، أي لا النظام ولا المعارضة. وفي نقاشنا الوضع الدولي، أو البيئة الدولية، المحيطة بالوضع والثورة السوريين، يجدر لفت الانتباه إلى الجوانب الآتية:
1 ـ ليس لدى القوى الدولية، ولاسيما الإدارة الأميركية، قرار الحسم بخصوص سورية، وهذا يفيد بأنها ستحافظ على "الستاتيكو" القائم، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، لا المعارضة ولا النظام. وهذا يعني، أيضاً، أن الصراع سيدوم إلى حين وصول القوى الدولية إلى قرارٍ بشأن مستقبل سورية.
2 ـ لا ينبغي أن نستنتج مما ذكرناه أن القوى الدولية (خصوصاً الولايات المتحدة) تشتغل على
إعادة تأهيل النظام، فهذا غير صحيح، ولا ينبغي الوقوع في فخ هذه المقولة التي يروجها النظام وحلفاؤه، فما يجري لا علاقة له بذلك، بقدر ما له علاقة بترتيب الأوضاع في سورية، بما يتناسب مع القوى الدولية الفاعلة. ونحن نتحدّث، هنا، عن الولايات المتحدة بشكل خاص وبعدها روسيا.
3 ـ واضح أن الولايات المتحدة، في إدارتها الوضع السوري، اشتغلت على توريط كل الأطراف من روسيا وإيران وتركيا والسعودية في هذا الصراع. في حين تقف هي في موقع الحكم والمتفرج، أي أنها بحكم قدرتها، تقف في مكان موزّع التناقضات، وموزع الغنائم، من موقعها في إدارة الوضع ومكانتها قوة مقرّرة، مع ملاحظتنا أنها تفعل ذلك بأقل أثمان ممكنة.
4 ـ على هذا الأساس، يبدو أن المصلحة الأميركية في الوضع السوري تتمثل بالحفاظ على بيئة استراتيجية آمنة لإسرائيل، عقوداً، وهذا يشمل عدم قيام وضعٍ يمكن أن يهدّدها للمستقبل، من العراق إلى سورية، ما يفسر السكوت الأميركي أو اللامبالاة إزاء ما يجري في سورية والعراق منذ سنوات، وضمنه تفكك عرى الدولة والمجتمع في هذين البلدين الأساسيين في المشرق العربي.
أخلص من ذلك كله إلى القول إن هذا الوضع يفترض أن يأخذنا إلى اتجاهين. أولهما، إعادة بناء أوضاعنا الذاتية، بما في ذلك توسيع إطار الائتلاف (فلنفعل ذلك بأنفسنا، قبل أن يفرضه أحد علينا، أي لننفتح على الأطراف الأخرى والشخصيات ذات المصداقية التي تقف مع موقفنا السياسي، بما يتعلق بإنهاء النظام الاستبدادي الحالي وبناء نظام جديد). كما يفترض ذلك منا تطوير خطابنا السياسي، بالتأكيد على مقاصد ثورتنا الأساسية، وهي تغيير النظام، وإقامة دولة ديمقراطية مدنية، دولة مواطنين متساوين وأحرار، من دون أن ندخل في جدالاتٍ عقيمةٍ مع هذه الجهة أو تلك، فهذه هي هوية ثورتنا السورية العظيمة والنبيلة. أما ثاني الاتجاهين، فيتمثل بضرورة الانفتاح على مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، وإقامة هيئاتٍ تمثيليةٍ تنبثق من مؤتمراتٍ عامة، وهذا وضع ينبغي الاشتغال عليه، على أسسٍ وطنية، وليس على أسسٍ حزبية، ولتكن هذه تجربتنا الديمقراطية لسورية المستقبل، بعيداً عن العصبيات والأنانيات الحزبية والمناطقية.
وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف، أولاً، بسبب بطش النظام، وانتهاجه سياسة الأرض المحروقة في مواجهة البيئات التي يعتبرها حاضنةً للثورة، ما نجم عنه إضعاف طابعها الشعبي، بعد تشريد الملايين، أو وضعهم تحت الحصار والقصف العشوائي الوحشي والمجنون، والتحول تالياً إلى الصراع المسلح مع كل ما يتبع ذلك من مخاطر وتبعات وارتهانات.
ثانياً، ضعف البيئة العربية المؤيدة، لاسيما بعد انتكاس الثورة المصرية، وتضارب إرادات الدول المؤيدة للثورة، والمداخلات المضرّة في شؤونها.
ثالثاً، عدم حسم المعسكر الدولي موقفه من ثورة السوريين، ووقوفه موقف المتفرّج إزاء حالة القتل المستمر التي ينتهجها النظام، ومعه، فيما بعد، القوات الحليفة له المشاركة في قصف السوريين.
لكن هذا القول، أي الحديث عن الظروف الموضوعية الصعبة، لا يعفي المعارضة من مسؤولياتها، فهي على الرغم من كل ما قامت به، وما تنوي أن تفعله لتطوير أوضاعها، مازالت بحاجة إلى توسيع إطاراتها لتشمل أوسع قطاع من السوريين المؤيدين للثورة، كما أنها بحاجة إلى تطوير أحوالها، وهيئاتها، ومد الجسور بينها وبين مجتمعات السوريين في الداخل، وفي الشتات، كما أنها بحاجة إلى استعادة خطابها الأول المتعلق بإسقاط النظام الاستبدادي، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، تكفل لجميع الأفراد من مواطنيها العيش بحريةٍ ومساواة، في نصوصٍ يتم تأكيدها في الدستور، وتكفل استعادة سورية دولة تعدّدية متنوعة.
بيد أن مشكلة السوريين لا تتحدّد بواقع المعارضة فقط، على أهميته، إذ باتت، منذ زمن تتحدّد بناء على المعطيات المحيطة، أو بناءً على صراعات القوى الدولية والإقليمية في سورية، وعلى سورية، وهذا يعني أن الوضع خرج من كونه صراعاً محلياً على السلطة، وأن القرار بشأن سورية بات بأيدي الخارج، أي لا النظام ولا المعارضة. وفي نقاشنا الوضع الدولي، أو البيئة الدولية، المحيطة بالوضع والثورة السوريين، يجدر لفت الانتباه إلى الجوانب الآتية:
1 ـ ليس لدى القوى الدولية، ولاسيما الإدارة الأميركية، قرار الحسم بخصوص سورية، وهذا يفيد بأنها ستحافظ على "الستاتيكو" القائم، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، لا المعارضة ولا النظام. وهذا يعني، أيضاً، أن الصراع سيدوم إلى حين وصول القوى الدولية إلى قرارٍ بشأن مستقبل سورية.
2 ـ لا ينبغي أن نستنتج مما ذكرناه أن القوى الدولية (خصوصاً الولايات المتحدة) تشتغل على
3 ـ واضح أن الولايات المتحدة، في إدارتها الوضع السوري، اشتغلت على توريط كل الأطراف من روسيا وإيران وتركيا والسعودية في هذا الصراع. في حين تقف هي في موقع الحكم والمتفرج، أي أنها بحكم قدرتها، تقف في مكان موزّع التناقضات، وموزع الغنائم، من موقعها في إدارة الوضع ومكانتها قوة مقرّرة، مع ملاحظتنا أنها تفعل ذلك بأقل أثمان ممكنة.
4 ـ على هذا الأساس، يبدو أن المصلحة الأميركية في الوضع السوري تتمثل بالحفاظ على بيئة استراتيجية آمنة لإسرائيل، عقوداً، وهذا يشمل عدم قيام وضعٍ يمكن أن يهدّدها للمستقبل، من العراق إلى سورية، ما يفسر السكوت الأميركي أو اللامبالاة إزاء ما يجري في سورية والعراق منذ سنوات، وضمنه تفكك عرى الدولة والمجتمع في هذين البلدين الأساسيين في المشرق العربي.
أخلص من ذلك كله إلى القول إن هذا الوضع يفترض أن يأخذنا إلى اتجاهين. أولهما، إعادة بناء أوضاعنا الذاتية، بما في ذلك توسيع إطار الائتلاف (فلنفعل ذلك بأنفسنا، قبل أن يفرضه أحد علينا، أي لننفتح على الأطراف الأخرى والشخصيات ذات المصداقية التي تقف مع موقفنا السياسي، بما يتعلق بإنهاء النظام الاستبدادي الحالي وبناء نظام جديد). كما يفترض ذلك منا تطوير خطابنا السياسي، بالتأكيد على مقاصد ثورتنا الأساسية، وهي تغيير النظام، وإقامة دولة ديمقراطية مدنية، دولة مواطنين متساوين وأحرار، من دون أن ندخل في جدالاتٍ عقيمةٍ مع هذه الجهة أو تلك، فهذه هي هوية ثورتنا السورية العظيمة والنبيلة. أما ثاني الاتجاهين، فيتمثل بضرورة الانفتاح على مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، وإقامة هيئاتٍ تمثيليةٍ تنبثق من مؤتمراتٍ عامة، وهذا وضع ينبغي الاشتغال عليه، على أسسٍ وطنية، وليس على أسسٍ حزبية، ولتكن هذه تجربتنا الديمقراطية لسورية المستقبل، بعيداً عن العصبيات والأنانيات الحزبية والمناطقية.