21 نوفمبر 2024
سورية بين الهدنة وحديث إعادة الإعمار
يجري الحديث، بين الفينة والأخرى، عن إعادة الإعمار في سورية، ويختلف من يطرحون الفكرة تبعاً لاختلاف مشاربهم وتبعياتهم وأهدافهم. ومع الاتفاق الأميركي الروسي على هدنة، أخيراً، عادت هذه الأحاديث إلى التداول. وكان طرحٌ يحمل غرابةً في هويةِ طارحه، إذ لا يمكن توقع ذلك منه، لغياب الاختصاص، وهو الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية، قد أصدر تقريراً، قبل فترة قريبة، بشأن قيمة الخسائر التي سببتها الحرب في سورية، وهو تقريرٌ لا يستشف منه سوى أنه توطئة للحديث عن إعادة الإعمار الذي سنشهد ازدياده في الفترة المقبلة، كما يستشف أن رسالة غير مباشرة يُراد إرسالها، هي أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة.
وفي حين أن مراكز أبحاث ومراكز إحصاء هي من تقوم عادة بهذه المهمة، إلا أن الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية تكفل بهذه المهمة، وأصدر أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي تقريراً، قدَّر فيه الخسائر التي نجمت عن الحرب التي اندلعت في سورية، منذ أكثر من خمس سنوات، بـ 275 مليار دولار أميركي.
هنالك إشارات كثيرة يحملها هذا الطرح، وإشاراتٌ تخرج من توقيت إصداره في هذه الفترة التي تشهد تطوراتٍ تخص ملف الحرب في سورية. ومن بين هذه الإشارات، اثنتان هما الأهم. الأولى بشأن رسالة يحملها إصدار هذا التقرير، هي أن الحرب في سورية ربما دخلت في مرحلة النهاية، فقد تكون هنالك تطورات تشي بهذه الحقيقة، يعرفها النظام، ويجهلها الآخرون. والآخرون هم أطراف الصراع، أو حتى الكتاب والمحللون السياسيون المتابعون للملف السوري، فتطور العلاقات بين روسيا وتركيا، بعد التطبيع بينهما، ما تبعه من تدخل تركيا في سورية، عبر عملية درع الفرات التي أثمرت تحرير مدينة جرابلس من قبضة تنظيم داعش
الإرهابي، ووضعت اللبنات الأولى للمنطقة الآمنة على حدود تركيا، والرد الإيراني الخجول على التدخل التركي والتجاهل الروسي له. علاوة على تصريحات رئيس الوزراء التركي، بنعلي يلدريم، بداية الشهر الماضي، عن أخبار قريبة حول "تطورات جميلة" ستشهدها سورية، إضافة إلى تصريحه عن إعادة علاقات بلاده مع دمشق. كلها تطورات تصبّ في مضمار تسويات جزئيةٍ للحرب في سورية، تكون بديلاً عن التسوية النهائية التي أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن قرب التوصل إلى اتفاق مع موسكو بشأنها، ثم أعلنت صعوبة التوصل إليه.
وتتمحور الإشارة الثانية حول موضوع إعادة الإعمار نفسه، وترويجه من أجل البدء في تكوين الأفكار حوله، ووضع الخطط له لضمان التمويل اللازم. إذ يعتبر التمويل المهمة الأكثر تعقيدا في إطار مشروع إعادة الإعمار، فالمبالغ اللازمة للإعمار تفوق حجم الخسائر بأضعاف، بسبب حجم الدمار الهائل، وتنوّع نسب الأضرار في المنطقة الواحدة، وتضرّر جميع القطاعات في البلاد، إلى درجة اختفاء أحياء ومدن كاملة، هذا بغض النظر عن البنية التحتية التي تحتاج إلى تكوينٍ من جديد، وليس إلى إعادة إعمار. وهو ما يشير إليه التقرير المذكور الذي أفاد بأن قطاع الزراعة، بشقيه النباتي والحيواني، قد تضرّر بنسبة 40%. وهي أرقام متفائلة، إن أخدنا بالاعتبار انتقال نصف سكان البلاد، ليصبحوا لاجئين أو نازحين، وهَجْرِهم مصالحهم الذي انعكس ترديّاً اقتصادياً. كذلك توقفت صناعاتٌ كثيرة، وتضررت مدن صناعية كثيرة، وتراجع الاستثمار الصناعي إلى نسبة ما دون الصفر، حسب التقرير. إضافة إلى انعدام نشاطات اقتصادية كثيرة في المناطق الساخنة.
لكن، ما يلفت الانتباه أن تقرير الاتحاد العام لنقابات العمال الذي استند إلى تقرير مشترك بين لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) والمعهد الملكي للشؤون الدولية، البريطاني، أورد الرقم الأعلى لحجم الخسائر بين جميع التقارير التي سبقته، إذ بدت تلك متفائلة إزاءه.
أما فكرة إعادة الإعمار، فقد بكَّر عبد الله الدردري في طرحها على المسؤولين السوريين أواسط سنة 2013، وهو الذي أقيل من منصب نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، إثر خروج الاحتجاجات في سورية سنة 2011، ويشغل حالياً منصب مدير إدارة التنمية الاقتصادية في "الإسكوا"، إلا أن الفكرة وُئدت في حينها، ربما لأن المسؤولين السوريين لم يتقبلوها يومها، حيث لم تكن الظروف تسمح بطرحها. وكانت خطته تقضي بالاستدانة من الصناديق الدولية التي طالما روّجها وروّج الأفكار النيوليبرالية المرتبطة بها، والمعادية لمكتسبات الشعوب الاجتماعية والاقتصادية، حين كان في منصبه. وكان يردّد، على الدوام، إن الحكومة السورية لا يمكنها سوى الامتثال لتوصيات صندوق النقد الدولي، على الرغم من عدم استدانتها منه. كما أن خطته كانت تقضي باستقدام 40% من العمالة اللازمة، في بلادٍ تشهد فائضاً في اليد العاملة الماهرة والعاطلة عن العمل، إضافة إلى الخبرات الفنية المتراكمة.
طرحُ موضوع إعادة الإعمار في سورية هو بلا شك طرحٌ لفكرةِ أن مرحلةً جديدةً تنتظر البلاد. مرحلةٌ قد تعني نهاية الحرب فيها، من دون أن تعني نهاية هموم الشعب السوري، فإعادة الإعمار تعني إعادة اللاجئين إلى بلادهم، والنازحين إلى مدنهم، مع فارق واحد، هو شكل البلاد التي سيعودون إليها، وما مطرحهم في المجتمع، بل وما شكل المجتمع الذي سيتأسس لهم على هامش عملية البناء، بعد انهيار المجتمع الذي كان قبل الحرب.
وفي حين أن مراكز أبحاث ومراكز إحصاء هي من تقوم عادة بهذه المهمة، إلا أن الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية تكفل بهذه المهمة، وأصدر أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي تقريراً، قدَّر فيه الخسائر التي نجمت عن الحرب التي اندلعت في سورية، منذ أكثر من خمس سنوات، بـ 275 مليار دولار أميركي.
هنالك إشارات كثيرة يحملها هذا الطرح، وإشاراتٌ تخرج من توقيت إصداره في هذه الفترة التي تشهد تطوراتٍ تخص ملف الحرب في سورية. ومن بين هذه الإشارات، اثنتان هما الأهم. الأولى بشأن رسالة يحملها إصدار هذا التقرير، هي أن الحرب في سورية ربما دخلت في مرحلة النهاية، فقد تكون هنالك تطورات تشي بهذه الحقيقة، يعرفها النظام، ويجهلها الآخرون. والآخرون هم أطراف الصراع، أو حتى الكتاب والمحللون السياسيون المتابعون للملف السوري، فتطور العلاقات بين روسيا وتركيا، بعد التطبيع بينهما، ما تبعه من تدخل تركيا في سورية، عبر عملية درع الفرات التي أثمرت تحرير مدينة جرابلس من قبضة تنظيم داعش
وتتمحور الإشارة الثانية حول موضوع إعادة الإعمار نفسه، وترويجه من أجل البدء في تكوين الأفكار حوله، ووضع الخطط له لضمان التمويل اللازم. إذ يعتبر التمويل المهمة الأكثر تعقيدا في إطار مشروع إعادة الإعمار، فالمبالغ اللازمة للإعمار تفوق حجم الخسائر بأضعاف، بسبب حجم الدمار الهائل، وتنوّع نسب الأضرار في المنطقة الواحدة، وتضرّر جميع القطاعات في البلاد، إلى درجة اختفاء أحياء ومدن كاملة، هذا بغض النظر عن البنية التحتية التي تحتاج إلى تكوينٍ من جديد، وليس إلى إعادة إعمار. وهو ما يشير إليه التقرير المذكور الذي أفاد بأن قطاع الزراعة، بشقيه النباتي والحيواني، قد تضرّر بنسبة 40%. وهي أرقام متفائلة، إن أخدنا بالاعتبار انتقال نصف سكان البلاد، ليصبحوا لاجئين أو نازحين، وهَجْرِهم مصالحهم الذي انعكس ترديّاً اقتصادياً. كذلك توقفت صناعاتٌ كثيرة، وتضررت مدن صناعية كثيرة، وتراجع الاستثمار الصناعي إلى نسبة ما دون الصفر، حسب التقرير. إضافة إلى انعدام نشاطات اقتصادية كثيرة في المناطق الساخنة.
لكن، ما يلفت الانتباه أن تقرير الاتحاد العام لنقابات العمال الذي استند إلى تقرير مشترك بين لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) والمعهد الملكي للشؤون الدولية، البريطاني، أورد الرقم الأعلى لحجم الخسائر بين جميع التقارير التي سبقته، إذ بدت تلك متفائلة إزاءه.
أما فكرة إعادة الإعمار، فقد بكَّر عبد الله الدردري في طرحها على المسؤولين السوريين أواسط سنة 2013، وهو الذي أقيل من منصب نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، إثر خروج الاحتجاجات في سورية سنة 2011، ويشغل حالياً منصب مدير إدارة التنمية الاقتصادية في "الإسكوا"، إلا أن الفكرة وُئدت في حينها، ربما لأن المسؤولين السوريين لم يتقبلوها يومها، حيث لم تكن الظروف تسمح بطرحها. وكانت خطته تقضي بالاستدانة من الصناديق الدولية التي طالما روّجها وروّج الأفكار النيوليبرالية المرتبطة بها، والمعادية لمكتسبات الشعوب الاجتماعية والاقتصادية، حين كان في منصبه. وكان يردّد، على الدوام، إن الحكومة السورية لا يمكنها سوى الامتثال لتوصيات صندوق النقد الدولي، على الرغم من عدم استدانتها منه. كما أن خطته كانت تقضي باستقدام 40% من العمالة اللازمة، في بلادٍ تشهد فائضاً في اليد العاملة الماهرة والعاطلة عن العمل، إضافة إلى الخبرات الفنية المتراكمة.
طرحُ موضوع إعادة الإعمار في سورية هو بلا شك طرحٌ لفكرةِ أن مرحلةً جديدةً تنتظر البلاد. مرحلةٌ قد تعني نهاية الحرب فيها، من دون أن تعني نهاية هموم الشعب السوري، فإعادة الإعمار تعني إعادة اللاجئين إلى بلادهم، والنازحين إلى مدنهم، مع فارق واحد، هو شكل البلاد التي سيعودون إليها، وما مطرحهم في المجتمع، بل وما شكل المجتمع الذي سيتأسس لهم على هامش عملية البناء، بعد انهيار المجتمع الذي كان قبل الحرب.