نأت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، بنفسها عن الحرب الداخلية التي اندلعت في صفوف حزب المحافظين خلال حملات الاستفتاء على مصير بلادها في الاتحاد الأوروبي. واليوم، تبدو ماي المُرشحة التوافقية، الأوفر حظاً، والشخصية الأقوى لتولي رئاسة الوزراء خلفاً لرئيس الحكومة المُستقيل ديفيد كاميرون.
ويرى البعض في موقف ماي المُتردد، وغير الحاسم من مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، انتهازية مقصودة، تشبه اللعب على الحبال، وتعبير حقيقي عن شخصيتها التي تُحسن الانحناء في لحظة العواصف، والوقوف لقطف الثمار بعد نضوجها. البعض الآخر لا يرى في سلوك ماي أي جديد، فهي السياسية التي لا تحب تصدّر المشهد، ولا تفضّل الظهور أمام الكاميرا، ولا عُرف عنها حب الثرثرة.
أمّا تيريزا ماي، فتقول عن نفسها: "أنا أعرف أن بعض السياسيين يسعون للمناصب الرفيعة بدوافع الحماس الأيديولوجي، وهناك من يفعلون لتحقيق طموحات شخصية، أما أنا فلديّ أسبابي، وهي أبسط من ذلك بكثير، لقد نشأت ابنة لنائب محلي، وحفيدة لعسكري، والخدمة العامة هي جزء من العائلة".
وتقول ماي أيضاً، إنّ السياسة استهوتها منذ سن الثانية عشرة، عندما كانت ترافق والدها النائب إلى مكتبه، وتذهب معه في جولاته، وتستمع إلى خطاباته في الناس، وترى حرصه على الاستماع لمشاكل الناس والسعي لحلها. وقد ساهم كل ذلك في تكوين شخصيتها، وحبها للعمل العام، والتحلي بالإيثار.
بعد فشلها في الانتخابات التشريعية لمرتين، انتخبت ماي (59 عاماً)، في العام 1997 نائبة عن حزب المحافظين في دائرة ميدنهيد المزدهرة في بيركشير (جنوب إنكلترا). وفي عامي 2002 و2003، كانت ماي السيدة الأولى التي تتولى الأمانة العامة لحزب المحافظين.
وبرزت خصوصاً في خطاب وصفت فيه حزب المحافظين الذي كان أكثر يمينية آنذاك بأنه "حزب أشرار"، ما عاد عليها ببعض العداوات. وبين 1999 و2010، تولت ماي مناصب عدّة في حكومة الظل للمحافظين الذين كانوا وقتها في صفوف المعارضة. وفي انتخابات العام 2005، دعمت ديفيد كاميرون بشكل كبير، وعند انتخابه رئيساً للحكومة في 2010، أصبحت وزيرة للداخلية، الحقيبة التي تحتفظ بها حتى الآن.
وفيما يراها البعض شخصية مُملة وغير اجتماعية، يطلق عليها آخرون لقب "مارغريت تاتشر الجديدة"، في إشارة إلى رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة التي كانت توصف بـ"المرأة الحديدية"، بسبب مواقفها الحازمة، وشخصيتها الصارمة. وقد صنّفتها صحيفة "ديلي تلغراف"، أقوى سيدات الساحة السياسية في البلاد، وقد "بلغت القمة بفضل تصميم شرس".
ويشهد لها أصدقاؤها الذين يحبونها، وخصومها الذين يقدّرونها، بأنها سياسية ناضجة وجادة، وتتمتع بالكثير من الحكمة والخبرة والدهاء السياسي. يقول القريبون منها إنها "واضحة، ونظيفة، وعلى عكس كاميرون ورئيس الوزراء الأسبق توني بلير، لم تتلوث في كواليس ودهاليز عالم السياسة". وإن كان الانطباع الأول عنها قد يعكس شخصية غير دافئة، وغير اجتماعية، إلا أن من عاشروها عن قرب يقولون إنها سيدة متواضعة وطيبة.
أنيقة المظهر، لا ينقصها من عالم الموضة إلا تحسين خبراتها في ما تنتعل من أحذية، فغالباً ما تلفت الانتباه بحبها لارتداء أحذية عالية الكعب، غريبة الأشكال والألوان، إلى درجة أن صورتها باتت تقترن في أذهان البعض بـ"الكعب العالي"، وأحذية "جلد النمر" أو "جلد الأفعى". أحد السياسيين الظرفاء علّق بالقول "من لا يرى الصرامة والحزم في وجهها يراهما في قدميها، وقد انتعلت حذاءً مكسوّاً بجلد أسد أو تمساح".
عادة ما يقارنها زملاؤها من السياسيين والنواب بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فهي صارمة وجادة ومثابرة في عملها، ويُمكن الاعتماد عليها في اتخاذ الخيارات الصعبة. ويقول آخرون إنها "لا تحب الثرثرة مثل معظم النساء أو أغلب السياسيين، وهي انطوائية، لا تميل للظهور في المناسبات العامة، ولا تستهويها مجالس النميمة السياسية، ولا تحب الاستعراض في وسائل الإعلام، وهذا ما يجعل شخصيتها غامضة". بالتالي يليق بها أن تحمل حقيبة الداخلية لست سنوات، وهي أطول فترة يصمد فيها وزير داخلية منذ 50 عاماً.
كما يقول المقربون منها إنّها "لا تمنح ثقتها للآخرين بسهولة، وإن فعلت فهي مخلصة في الولاء للآخرين، كما أنها تهتم بالعاملين معها، وتهتم بالسؤال عن أحوال عائلاتهم وأطفالهم، ولا سيما أنها وزوجها فيليب ليس لديهما أولاد، كما أنها ترعرعت في عائلة بلا إخوة أو أشقاء، وربما هذا ما يعزز ميلها للانطواء".