الفريق
يتألف الفريق من كيم، عبد القادر، ييلنا، الفتاة ذات الشعر الأحمر وأنا. كيم مُبرمِج، عبد القادر فنّان بيكسل. أبوليناريا ملكة موسيقى الكمبيوتر، الفتاة ذات الشعر الأحمر مصممة ألعابٍ متدرّبة وهي يدي اليمنى. قاعدة اللعب بسيطة: كلّ واحدٍ يدافع عن مصلحته والجميع في خدمة المدير. ومع ذلك، لا تنطبق هذه اللعبة عليّ وعلى الفتاة ذات الشعر الأحمر لأسباب سياسية، وهو ما لا أستطيع شرحه هنا والآن. أما كيم وعبد القادر وييلنا، فيتحدثون دائمًا مع بعضهم البعض عن طريق الهمس أو الرسائل القصيرة أو البريد الإلكتروني. في بعض الأحيان، يختفون من مكتبهم، نشمّ رائحة خفيفة من الكبريت والنوتيلا. علاوةً على ذلك، يلتهمون الكثير من سندويشات النوتيلا صباحاً وبعد الظهر ومساءً. ثمّ نراهم في مكتبهم يتحدثون بصوت خفيض، ينظرُ كيم إلى عبد القادر الذي ينظر إلى ييلنا، من ثمّ تنظرُ أبوليناريا إلى عبد القادر الذي ينظرُ إلى كيم. ينظرون إلى بعضهم البعض وينظرون إلينا من خلال ثقب المفتاح. ويتهامسون مرة أخرى. عملهم دائماً دقيق ونظيف. ومن وقتٍ لآخر يغلقون بإحكام باب مكتبهم ولا يغادرون إلا بعد أسبوعٍ أو اثنين. يرفعون صوت المذياع عالياً بأغنية "صباح الأحد" لـ "لو ريد". هذا الهجوم المسلّح الموسيقيّ يصيبني أنا والفتاة ذات الشعر الأحمر بصداع نصفي وآلام في الأسنان لا تطاق. يقول المدير إنّه علينا أحياناً أن نمتص دماء أطفالنا وإخوتنا وأخواتنا في المقاولة الرأسمالية. هراء! ليس علينا، نغادر ونطبش الباب. تمارس الملائكة "التاي شي" أمام المبنى، أدّعي عدم رؤيتهم فيما أقول وداعاً للفتاة ذات الشعر الأحمر.
■ ■ ■
كيم
كيم في الخامسة والعشرين من عمره، لا يرتدي "الهانبوك" بل ملابس حمراء وبشكلٍ دائم. لا يمارس التايكواندو، ويلعب بكرة تنسٍ صغيرةٍ على المكتب، يتبادلها مع عبد القادر وييلنا ما لا يقل عن ثلاثين دقيقة في اليوم. في كثير من الأحيان يزعجني صوت الكرة. قبل المباراة، يفضل كيم أن يوزّع علينا سدادات الأذن ذات اللون الأحمر، أنا أطلب دائما المزيد من السدادات. الملائكة لا تحتمل صوت كرة التنس. يجنّون ويبدأون بالدوران مثل خذروف الأطفال. كيم متعدد الألسن. إنّه فخر مقاولتنا الصغيرة. يتحدث الفرنسية دون لكنة، الفلامانية، الكورية، الصينية، اليابانية، العربية، عبرية أوربا الشرقية، البرتغالية، الإسبانية واللهجة المصرية. تعلم كيم العربية عندما سمع رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ يقول إنّه سمع الأذان على سطح القمر، وقد نفى ذلك نيل أرمسترونغ في وقت لاحق، لكن كيم يعتقد أنه "يكذب مثل مقتلع أسنان" لحماية هيمنة الولايات المتحدة على العالم. كيم لا يتحدث أبداً عن عمله. في الحقيقة، لا أحد يتحدث عن عمله للآخرين. كيم وعبد القادر وأبوليناريا من النباتيين، لا يأكلون اللحوم والأسماك والقشريات والرخويات والبيض والحليب والعسل، إلخ. يقول كيم إن الغذاء الذي تستهلكه الماشية في العالم يمكن أن يغذي 8.7 مليارات شخص، أي أكثر من عدد البشر على الأرض. ينسى كل من كيم وعبد القادر وأبوليناريا أنهم عبيد مأجورون. يُزعج كيم "نقدُ العقل الخالص". يقرأ كافكا قبل النوم كل ليلة. كيم اليوم لا يتذكر لماذا تعلّم اللهجة المصرية. كيم متزوج من كورية حقيقية. زوجة كيم ترتدي "شيما جيوجوري" حقيقية وتمارس لعبة التايكواندو الحقيقية. كيم وزوجته ليس لديهما أطفال بعد.
■ ■ ■
عبد القادر
عبد القادر في السادسة والعشرين من عمره، ولد في أمستردام من والدين قدما من أزغنغان من الريف في المغرب، يتحدّث الريفية، الهولندية، الإنكليزية، الفرنسية ومؤخراً العربية. درس في الولايات المتحدة الأميركية. يعرف عبد القادر نيل أرمسترونغ شخصياً، ولم يسأله عن صوت المؤذن على سطح القمر، فهو شخص عادي، وهكذا قصص لا تدخل رأسه. هو عدّاءٌ مسافات طويلة في وقت فراغه، ركض ماراثونات نيويورك، شيكاغو، لندن، طوكيو، برلين، باريس وجنوب المغرب. عبد القادر يشرب الكثير من الماء ما بين 3 و4 ليترات يومياً، خلاف ذلك لا يمكنه التهامس بشكلٍ جيّدٍ مع كيم وييلنا. كيم وأبوليناريا لا يشربان الماء أبداً. يحتفظ عبد القادر في حقيبة معدنية أسفل مكتبه بـ "الجلّابة" المغربية، الطربوش، "البَلْغة" الصفراء، سجادة الصلاة ومسبحة والده، ويقول إنّ ذلك لا علاقة له بالأصول، بل إنه مجرد حضور رمزي للتراث اللامادي للبشرية. أبوليناريا تتفق بالمطلق مع عبد القادر حول هذه النقطة بالذات، وليس كيم هو من يمكن أن يَفهم زوجته وهي تمارس التايكواندو، كما أنه لا يفهم لماذا نحتفظ في المكتب الأكثر سريّة لمقاولات اللعب الإلكترونية بـ "الجلّابة"، السروال، الطربوش، "البَلْغة" الصفراء، سجّادة الصلاة ومسبحة والده. يجيب عبد القادر أنّه لا يوجد سروال في الحقيبة، وأننا - بسوء نيةٍ -نُدخل سروال والده في الحديث. تتدخل أبوليناريا لتهدئة عبد القادر وكيم. أبوليناريا تنظرُ إلى عبد القادر الذي ينظر إلى كيم، كيم ينظرُ إلى عبد القادر الذي ينظرُ إلى ييلنا. عبد القادر يهمس في أذن ييلنا، أبوليناريا تهمس في أذن كيم. الجميع يهمس في أذن الجميع. عبد القادر يشعر بسعادة غامرة.
■ ■ ■
أبوليناريا
أبوليناريا في الثالثة والعشرين من عمرها، شعرها أسود وعيناها كبيرتان سوداوان داكنتان. تكره مطاحن الخضار الصغيرة لأنّ ليس لها قلب، فهي تقتلُ الجزر والطماطم والخيار والتفاح والكمثرى إلخ. أبوليناريا لا تحترم إشارات المرور، وتضعُ نفسها في خطر دائماً، ربما يعود الأمر إلى أصلها الروسي، لكن المشكلة أنّها لم تشرب أبداً كاسأ واحدة من الفودكا. والدا أبوليناريا ولدا في سيبيريا، وهي ولدت هنا في في "جامبلو". ترقص أبوليناريا التانغو ببراعة، كانت ترغب دائما بالعيش في بوينس آيرس مع المغني الأسطوري كارلوس غارديل. والداها لا يفهمانها. تقول أبوليناريا دائماً لكيم وعبد القادر: إن التانغو رقصة حميمة. ينبغي عليك الاستحمام، واستخدام مزيل العرق "نارتا" دون ملح الألمنيوم وأقراص مص الحلق للتنفس، وتجنّب العطور القوية لأن البعض لديهم حساسية من ذلك، وغسل يديك بصابون مرسيليا والماء البارد، وإذا كنت ترتدي نظارات فقم بإزالتها خلال الرقص إن أمكن، واختر تسريحة تترك شعرك بعيداً عن عيون شريكك خاصةً إذا كان شعرك أسود داكنا. تكره أبوليناريا الطبخ وتأكل الجزر والطماطم والخيار والتفاح والكمثرى إلخ، وتستحم بماءٍ بارد لأنها لا تريد إيذاء الماء بتسخينه، وهي دائماً جاهزة للعمل. أبوليناريا عزباء تعيش في غرفة استوديو في حديقة، والغاردينيا في كلّ مكانٍ حولها، وتُسمعها الموسيقى على مدار 24 ساعة في اليوم، والبرمجة لا تكون أبدا في أنواع التكنو أو الهارد روك أو الموسيقى الكلاسيكية، هي فقط تستمع وتجعلها تستمع إلى موسيقى القوالي. غاردينيا أبوليناريا مغرمة جداً بـ "الله، الله" لنصرت علي خان، وأبوليناريا تعتبره مثل والدها، لا يمكننا شرح هذه الحلقة من حياتها لأسبابٍ فنّية. أبوليناريا تقرأ فقط الأدب الروسي المعاصر الأكثر مبيعاً، وقد نسيت أن أذكر أنّها تتحدث الفرنسية والروسية فقط، وحين تغضب أثناء الاجتماعات الصباحية فإنّها تشتم الجميع-وهذا يعني نحن، وتحديداً المدير-بالروسية باقتباس من نصوص تشيخوف، دوستويفسكي، غوغول، بولغاكوف، ماياكوفسكي إلخ. وهي تكون عادةً هادئة، إنها تحبّنا أنا والفتاة ذات الشعر الأحمر. أنا والفتاة ذات الشعر الأحمر نبادلها الشعور نفسه. وهذه هي الحياة...
■ ■ ■
الفتاة ذات الشعر الأحمر
الفتاة ذات الشعر الأحمر في الثانية والعشرين من عمرها، بشرتها وردية، بدينة ولا تتوقّف عن الدندنة، دن، دن، دن... الفتاة ذات الشعر الأحمر تثير الملائكة وهم يدورون حولها، إن لم أكن حازماً معهم فسيخاطرون بإغمائها لينقذوها بالتنفس الصناعي أو تقنية تمرير الهواء من الفم إلى الفم، فهم موضع التباس حين يتعلّق الأمر بمتدربتي. سيركعون بجانبها، بشكل أدق بالقرب من وجهها، سيضعون يدها على جبينها ويسدون أنفها عبر الضغط عليه بالإبهام والسبابة لمنع أي تسرّبٍ للهواء من خلال أنفها الجميل، سيفتحون فمها قليلاً ويرفعون ذقنها قليلا، ويطبقون بفمهم العريض على فمها، ثم يضغطون بشدة لتجنّبِ أيّ تسرّب للهواء، وينفخون شيئاً فشيئاً حتى يبدأ صدرها الكبير بالبروز من قميصها الأسود. عندها سيسترجعون أنفاسهم بسرعة مراقبين صدرها الوردي الكبير وهو ينهار. في هذه اللحظة بالذات يختفون ويعودون أسفل المبنى خشية إثارة غضبي الأسود. تهوى الفتاة ذات الشعر الأحمر جمع دمى Monster high، تحمرّ حينما أُعلّق على هذه الهواية؛ أما حين يتعلّق الأمر بالعمل فهي رائعة، تخمّن كل ما يدور برأسي كما أُخمّن بسهولة ما يدور برأسها. أحياناً أشكّ في أصولها، وهي عادة تأكل بلح البحر والبطاطس المقلية وتشرب بيرة كورسيندوك فقط. تقرأ وتقرأ فقط جيل دولوز، وعندها صور وملصقات كثيرة لـ "جيل". تشعر بالغيرة من كلير بارنت. تنظرُ إلى فيديو أبجدية دولوز بالتركيز على الفيلسوف فقط. "لا يجب أن تكون هنا"- تقول عن كلير. أما أنا، فالفلسفة وقصص النساء السمينات أو النحيلات أو حتى عارضات الأزياء فلا تهمّني. الفتاة ذات الشعر الأحمر على عكس ذلك، تلبس دائما على طريقة الـ Punkette ولا تقول صباح الخير للبواب مو الصيني الذي يقول طيلة الوقت sié sié. هذه اللغة الموجزة في مقطعين تثير سخط الفتاة ذات الشعر الأحمر. إنّها تستمع دون انقطاع في منزلها - لأن ذلك يستحيل في المكتب - إلى حفل لـ "لو ريد" في قاعة ألبرت الملكية عام 2000، وتستمع: Ecstasy, Turn to Me, Romeo Had Juliette, Vicious, Perfect Day، وتنام كملاك.
* جلال حكماوي: شاعر ومترجم من مواليد الدار البيضاء، يكتب بالعربية والفرنسية. أعماله الشعرية: "شهادة عزوبة" (1997)، "جلجامش"، "اذهبوا قليلاً إلى السينما" (توبقال، 2006)، "ما لم أقله لآل باتشينو"، (مالستروم، بلجيكا، 2013)، "Perfect day"، (بيت الشعر البلجيكي، 2017 ومنه القصائد المترجمة هنا). من ترجماته إلى العربية: "أرض مُطْلَقة"، لـ لوران غاسبار، و"أقبلا من الشمال: رامبو وفان غوغ" لـ فرانسواز لالاند.
** ترجمة عن الفرنسية: بهاء إيعالي