وكان وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد أعلن أمس جهارة عن خيار الاتجاه إلى اجتياح بري شامل للضفة الغربية ومدنها ومخيماتها، وشن حملة تفتيش من بيت لبيت، على غرار الاجتياح البري عام 2002 الذي أطلق عليه "السور الواقي". وهدّد كاتس أنه في حال تضعضع أمن الإسرائيليين، فإن الفلسطينيين هم من سيدفعون الثمن، مضيفاً "إذا اضطررنا، سنشن حملة "السور الواقي 2 وأسوار القدس" وتصعيد الخطوات، من أجل تعزيز الأمن للإسرائيليين".
وشكّل تبادل إطلاق النار، صباح أمس، في مخيم جنين بين قوات الاحتلال وفلسطينيين، أثناء محاولة قوات الاحتلال اعتقال الناشط في حركة "حماس"، قيس السعدي، المطلوب للسلطة الإسرائيلية، دليلاً آخر على أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وبين حكومة الاحتلال لا يزال على ما هو عليه، فيما تؤشر عملية اقتحام المخيم إلى خطة عمل يبدو أنها أُعدت سابقاً، بناء على السيناريوهات المختلفة التي تحدثت عنها الجهات الأمنية الإسرائيلية المختلفة منذ العدوان الأخير على غزة في الصيف الماضي.
وذكرت مواقع إسرائيلية مختلفة أن خطة الجهات الأمنية والجيش الإسرائيلي تقضي، في المرحلة الحالية، إلى حين انعقاد الكابينيت السياسي والأمني للحكومة الإسرائيلية مساء اليوم، الإثنين، بإعادة نشر قوات كبيرة من فرق جيش الاحتلال في مختلف أنحاء الضفة الغربية ونشر الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش عند المفاصل الهامة، والتحكّم بحركة السير على محاور الطرق الرئيسية في الضفة الغربية.
ووفقاً لما يُستشف من تصريحات كاتس، وما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن الخطوات المرتقبة، فإن الاحتلال يتجه بداية إلى شن حملات اعتقال واسعة النطاق في صفوف مطلوبين للأمن الإسرائيلي من عناصر "حماس"، وأيضاً من عناصر تابعة لفصائل أخرى، مثل "الجهاد الإسلامي"، وربما أيضاً عناصر من حركة "فتح" رصدت الاستخبارات الإسرائيلية معارضتها السياسة التي تتبعها السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس، محمود عباس.
وتهدف الخطوات الأولية، التي بدأها الاحتلال عملياً منذ يوم أمس، والمتوقع أن تتصاعد في الأيام القريبة حتى إطلاق خطة رسمية وبلورة خطة للاجتياح البري، إلى تمهيد الطريق أمام دخول قوات من الاحتلال بشكل تدريجي، بداية في سيارات الدوريات العادية، قبل الانتقال، في حال تفاقم الأمور، إلى تجهيز ونقل معدات ثقيلة مثل المدرعات لاقتحام المدن الفلسطينية.
ويبدو أن سير العمليات سيكون عبر إعطاء الأولوية لإخماد النار في القدس المحتلة ومحاولة السيطرة عليها وعلى السكان الفلسطينيين، الذين يُقدّر عددهم فيها بنحو ثلاثمائة ألف فلسطيني. وسيتم ذلك عبر تقييد حرية الحركة والتنقّل بين مختلف أحياء القدس العربية، وخصوصاً منعهم من الوصول إلى البلدة القديمة داخل الأسوار، ونصب حواجز تفتيش عند مخارج ومداخل الأحياء والقرى التي ضمها الاحتلال لمنطقة نفوذ بلدية القدس، مثل قرية العيساوية على جبل المكبر، وأحياء شعفاط وبيت حنينا شمالي القدس، وأحياء وقرى جبل المكبر جنوبي القدس على الطريق إلى بيت لحم، إضافة إلى ضرب نوع من الحصار على القرى الواقعة جنوبي شرقي القدس المحتلة مثل العيزرية والسواحرة.
ويعوّل الاحتلال، عبر نشر حواجز عسكرية وأخرى للشرطة وحرس الحدود، على إرغام المقدسيين وأهالي القرى والأحياء التي ضمها للقدس، على البقاء قدر الإمكان في حدود قراهم وتقليل حركتهم وتنقّلهم باتجاه البلدة القديمة. وفي هذا السياق، لم يخف كاتس أنه من شأن حكومة الاحتلال أن تفرض نظام منع التجوّل في الأحياء العربية والفلسطينية في القدس المحتلة.
اقرأ أيضاً: أكثر من مائتي جريح فلسطيني في مواجهات مع الاحتلال
وفي الضفة الغربية، يدور الحديث عن إعادة نشر الحواجز ونقاط التفتيش العسكرية، التي جرى رفعها في الأعوام الأخيرة، مع التشديد على التفتيش الأمني وفرض قيود على حركة الفلسطينيين بين مختلف أنحاء الضفة الغربية، مع بدء عمليات مداهمة وتفتيش مكثفة تُمكّن الاحتلال من ضبط إيقاع حركته قبل بدء اجتياح بري شامل، وذلك لضمان السيطرة على ألسنة اللهب ومنع اشتعال النار في الضفة والقدس المحتلتين مع محاذير من انتقالها إلى الداخل الفلسطيني، على شكل تظاهرات وأعمال احتجاج قد تنهك الشرطة الإسرائيلية في بلدات الداخل الفلسطيني.
وكان الاحتلال قد دفع، منذ الجمعة، بأربع فرق عسكرية إلى الضفة الغربية، وفرض انتشاراً مكثفاً في منطقة الخليل ومحيطها، وأتبعه أمس، إثر عملية اغتيال المستوطنين في طريق الواد عند مفترق درب الآلام في داخل أسوار البلدة القديمة، بالدفع بقوات أخرى إلى محيط مدينة نابلس، بالتوازي مع مداهمة مخيم جنين.
وإلى جانب عمليات الاعتقال والمداهمة، أوعز رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حتى قبل عودته من نيويورك، إلى وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، وكاتس، بالبدء بأعمال شق طرق التفافية إضافية تربط بين المستوطنات الإسرائيلية، بحجة حماية "المسافرين من المستوطنين من الحجارة والزجاجات الحارقة".
ويبدو من التطورات المتسارعة أن نتنياهو الذي يواجه منذ أيام هجوماً من داخل الائتلاف الحكومي، وخصوصاً من حزب "البيت اليهودي" ومن قادة المستوطنين بأنه يقيّد أيادي الجيش، قد يعلن مجدداً بعد الاجتماع المرتقب للكابينيت السياسي والأمني مساء اليوم، عن تسهيلات في أوامر إطلاق النار وخصوصاً باتجاه راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة في القدس المحتلة، وباقي أنحاء الضفة الغربية، وإطلاق الحرية للجيش الإسرائيلي، إلى جانب التلويح مجدداً بعقوبات شديدة ضد السلطة الفلسطينية بما في ذلك سحب امتيازات وصلاحيات من أقطابها، وعدم إبداء أي اعتبار لتقسيمات الضفة الغربية وتصنيف مناطقها بين A و B وC وإفساح المجال أمام قوات الاحتلال للعمل بحرية داخل كل المناطق، أيّاً كان تصنيفها، مع مطالبة السلطة الفلسطينية في الوقت ذاته، بمواصلة التنسيق الأمني وتقديم المعلومات المتعلقة بالمطلوبين لسلطات الاحتلال من داخل الضفة الغربية وإلا فإنها قد تجد وزاراتها ومكاتبها ومقارها الرسمية مستباحة هي الأخرى.
اقرأ أيضاً: المستوطنون يصعّدون هجماتهم ضد الفلسطينيين بعد عملية القدس المحتلة