14 نوفمبر 2024
شباب الثورة اليمنية... حضر الشعار وغاب المشروع
مثلت ثورات الربيع العربي، في بداياتها، أبعاد صراع أجيال، إذ أدرك شباب الثورات أنه لم يعد ممكناً التعويل على الجيل القديم لإنجاز أهداف الثورات، وذلك لانجرار الجيل القديم إلى عقد تسوياتٍ سياسيةٍ مع الأنظمة الحاكمة، تسويات لا تحقق تغييراً جوهرياً، وإنما تبقى على المشكلات، وتضمن لهم امتيازاتٍ لاحقة، ما يجعلها حلولاً مؤقتةً، تعيد تدوير أسباب الفشل السياسي؛ ومن ثم سعى شباب الثورات، في البداية، إلى رفض خيارات الجيل القديم والتمسك بتصورهم المثالي عن معنى الثورة التي تجبّ كل ما قبلها. لكن، بقراءة الأدبيات التي أنتجها شباب الثورات، وتقييم أدائهم السياسي خلال الثورة، يمكن ملاحظة حقيقة أنه لا يختلف كثيراً عن سابقه، سواء في قبوله التسويات السياسية لاحقاً، والتسليم بالأمر الواقع، أو في مقارباته المشكلات على المستوى الوطني والمجتمعات، إذ ظلت المحمولات السياسية القديمة على حالها، وتم الاكتفاء بإعادة تدويرها في مسمياتٍ شبابيةٍ لافتة، وبالتالي، فشل شباب الربيع العربي في تحقيق قطيعةٍ مع الأشكال الماضوية التي أعلن الثورة عليها.
على الرغم من تفرّد الثورة اليمنية، بمنحها دوراً محورياً وريادياً للشباب اليمني، وحصر تسميتها بثورة الشباب، لكن شباب الثورة في اليمن لم يعمل على الاستفادة من الفرص التي أوجدتها الثورة، ليكونوا قوة دافعة لتجديد الحياة السياسية في اليمن، وضميراً معبّراً عن تطلعات عموم اليمنيين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، وغالباً ما تميّز أداء الشباب بالارتباك والمحلية. نجم الإرباك الذي ميّز أداء الشباب اليمني، في أثناء الثورة وما بعدها، عن لبسٍ في تصوراتهم للمعنى والوظيفة الكليين للثورة، وبين الخيارات التي فرضت عليهم لاحقاً، والتي جرى الخضوع لها، عبر ما وصفوه تجاوزاً "الخيار الثوري"، وبالتالي، فشل شباب الثورة اليمنية في تجاوز منطلقات الجيل القديم الذي تمثله الأحزاب في مقاربتها أنصاف الحلول والتسويات، وتحولوا إلى قفازاتٍ ناعمةٍ لمراكز القوى التقليدية، ومدافعين عن خياراتها السياسية.
لا يقتصر تحليل مآلات الثورة اليمنية على فهم دوافع (وأجندات) القوى السياسية التي
أصبحت، فيما بعد، أطراف صراع في هذه الحرب، وإنما على قراءة رؤى وتموضعات القوة الدافعة للثورة التي يمثلها الشباب اليمني، وتقصّي سبب إخفاقها في أن تصبح، بمقتضى الزخم الثوري، معادلاً موضوعيا لهذه القوى على الأرض، لحماية مشروعية الثورة وأهدافها. وبالتالي، كبح جماح القوى السياسية المتصارعة؛ فمن اللافت جداً، منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة، غياب خطاب سياسي شبابي مستقل، يبلور رؤيتهم لمستقبل اليمن، نتج عن الفراغ الفكري والدفق العاطفي للثوار الشباب، أكثر منه عن قصر عمر تجربتهم السياسية، إذ ظل خطابهم يستقي رؤيته السياسية من المرجعيات العامة لرؤى الأحزاب اليمنية.
يحتاج تماثل رؤى الشباب اليمني لرؤى الجيل القديم الذي تمثله الأحزاب السياسية اليمنية دراسة متأنية لفهم أبعاد هذه المشكلة، وتأثيرها على المسارات اللاحقة للثورة، وإسهامها في تقليص الاحتمالات التي كان يمكن للشباب، بوصفهم قوة فتية، النهوض بها؛ إذ تماثلت الأدوات السياسية والآليات التي اتخذها الشباب في أثناء الثورة مع آليات الأحزاب اليمنية وأدواتها، وتركزت، بالدرجة الرئيسية، على حشد الجموع الثورية في كياناتٍ سياسية عائمة. حتى مع الزخم الذي مثله ظهور التكتلات السياسية في الساحات الثورية، إلا أن اختفاءها، من دون أن تخلف أثراً في الحياة السياسية اليمنية، يؤكد أن تشكيلها لم يكن سوى محاولة لتسجيل حضور شعبوي في الساحات الثورية، وليس نتاج حرصٍ حقيقيٍّ في إيجاد صوت سياسي يتمايز عن الأحزاب اليمنية، ويتبنى الخيارات الوطنية لعموم اليمنيين، إضافة إلى خضوع معظم هذه الكيانات لإدارة الأحزاب السياسية بشكل مباشر، واعتمادها على تمويلاتها المالية ودعمها الإعلامي تنفيذ أنشطتها، في حين لم تصمد التشكيلات الشبابية الخارجة عن عباءة الأحزاب، وتم إقصاؤها عن الساحات الثورية، ومحاربة الأحزاب لها عبر الشباب أنفسهم، للأسف الشديد.
لم ينجم تمثيل الأحزاب السياسية للثورة اليمنية، وبالتالي مصادرتها، عن قوة هذه الأحزاب وحسب، وإنما أيضاً عن انتهازية الأحزاب ووعيها بهشاشة القوة التي فجرت الثورة. وبذلك، استطاعت الأحزاب تملق هذه القوى، إما عبر تصدير رموز شبابية تعبر عن مواقفها السياسية أو إغرائها باستحقاقات قادمة، ومن ثم خضوع شباب الثورة لوصاية الأحزاب، ودفعهم إلى تكييف أدائهم الثوري والسياسي مع إملاءات الأحزاب، ليصبح الأمل الذي ينشده كثيرون من شباب الثورة هو الفوز باستحقاقات سياسية ومناصب حكومية في مرحلة ما بعد الثورة.
لم تأت المرحلة الانتقالية في اليمن إلا وقد تم تجريف قوى الثورة الفعلية التي يمثلها الشباب اليمني، حتى قبل إغلاق ميادين التغيير وساحات الحرية، تحوّل معظم شباب الثورة إلى أدوات سياسية في يد الأحزاب اليمنية، وتحولت مهمتهم من نجاح الثورة إلى التبشير بمشاريع الأحزاب في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولم تتعدّ غالبية الرؤى والمبادرات الشبابية في الحوار الوطني، كونها تنويعات على الرؤى التي قدمتها الأحزاب السياسية اليمنية.
الهشاشة والأصولية المحضة التي وسمت أداء الشباب اليمني إبّان الثورة والمرحلة الانتقالية
قضت على أمل أن يكونوا صوتاً ينحاز لخيارات اليمنيين، ويرفض كل أشكال الاختلالات السياسية التي أنتجت ظروف الانقلاب على السلطة الشرعية. وبالتالي، يؤكد واقع الحرب إخفاق شباب الثورة في أن يكونوا قوة ثالثة، يمكن أن تعبر باليمن إلى بر الأمان. وللأسف، تحولوا إلى وقود لاستمرار الحرب، إذ حمل كثير من شباب الثورة البنادق للقتال مع أطراف الصراع اليمنية، أو تحولوا إلى منصات إعلامية لتأجيج الكراهية والتهليل لصراع القوى القديمة، على اختلاف أجنداتها السياسية والطائفية.
كانت الثورة على القديم الذي بشرت به ثورات الربيع العربي، بما فيها اليمنية، تتطلب قوة صلبة تتطلع إلى المستقبل بعيون جديدة، قوة قادرة على الدفاع عن مشروع الثورات وأهدافها، وتحويلهما واقعاً ملموساً، لكن مآلات ثورات الربيع أكدت أن "صراع الأجيال" والثورة على القديم لم يكونا في اختبار الإرادة سوى شعارات رنانة، تبناها شباب الثورة، واصطدمت بطموحهم السياسي، لينتهي الشباب، مثل جيل آبائه، بتفضيل الخيارات الآمنة على تحقيق تراكماتٍ تقود إلى مستقبلٍ يتعدّى الصراعات الماضوية، على اختلاف مصادرها.
سقطت قوى الربيع العربي التي مثلها الشباب، حينما قبلت أنصاف ثورات وأنصاف حلول، وهو ما أفضى، في النهاية، إلى حروب شاملة، والأنكى، في هذه التراجيديا البائسة، استسلام شباب الثورات، وعودتهم إلى حظيرة القديم، وتخليهم عن مشروع التغيير في سبيل تأمين وظيفة "المدافع" المستميت عن القديم.
على الرغم من تفرّد الثورة اليمنية، بمنحها دوراً محورياً وريادياً للشباب اليمني، وحصر تسميتها بثورة الشباب، لكن شباب الثورة في اليمن لم يعمل على الاستفادة من الفرص التي أوجدتها الثورة، ليكونوا قوة دافعة لتجديد الحياة السياسية في اليمن، وضميراً معبّراً عن تطلعات عموم اليمنيين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، وغالباً ما تميّز أداء الشباب بالارتباك والمحلية. نجم الإرباك الذي ميّز أداء الشباب اليمني، في أثناء الثورة وما بعدها، عن لبسٍ في تصوراتهم للمعنى والوظيفة الكليين للثورة، وبين الخيارات التي فرضت عليهم لاحقاً، والتي جرى الخضوع لها، عبر ما وصفوه تجاوزاً "الخيار الثوري"، وبالتالي، فشل شباب الثورة اليمنية في تجاوز منطلقات الجيل القديم الذي تمثله الأحزاب في مقاربتها أنصاف الحلول والتسويات، وتحولوا إلى قفازاتٍ ناعمةٍ لمراكز القوى التقليدية، ومدافعين عن خياراتها السياسية.
لا يقتصر تحليل مآلات الثورة اليمنية على فهم دوافع (وأجندات) القوى السياسية التي
يحتاج تماثل رؤى الشباب اليمني لرؤى الجيل القديم الذي تمثله الأحزاب السياسية اليمنية دراسة متأنية لفهم أبعاد هذه المشكلة، وتأثيرها على المسارات اللاحقة للثورة، وإسهامها في تقليص الاحتمالات التي كان يمكن للشباب، بوصفهم قوة فتية، النهوض بها؛ إذ تماثلت الأدوات السياسية والآليات التي اتخذها الشباب في أثناء الثورة مع آليات الأحزاب اليمنية وأدواتها، وتركزت، بالدرجة الرئيسية، على حشد الجموع الثورية في كياناتٍ سياسية عائمة. حتى مع الزخم الذي مثله ظهور التكتلات السياسية في الساحات الثورية، إلا أن اختفاءها، من دون أن تخلف أثراً في الحياة السياسية اليمنية، يؤكد أن تشكيلها لم يكن سوى محاولة لتسجيل حضور شعبوي في الساحات الثورية، وليس نتاج حرصٍ حقيقيٍّ في إيجاد صوت سياسي يتمايز عن الأحزاب اليمنية، ويتبنى الخيارات الوطنية لعموم اليمنيين، إضافة إلى خضوع معظم هذه الكيانات لإدارة الأحزاب السياسية بشكل مباشر، واعتمادها على تمويلاتها المالية ودعمها الإعلامي تنفيذ أنشطتها، في حين لم تصمد التشكيلات الشبابية الخارجة عن عباءة الأحزاب، وتم إقصاؤها عن الساحات الثورية، ومحاربة الأحزاب لها عبر الشباب أنفسهم، للأسف الشديد.
لم ينجم تمثيل الأحزاب السياسية للثورة اليمنية، وبالتالي مصادرتها، عن قوة هذه الأحزاب وحسب، وإنما أيضاً عن انتهازية الأحزاب ووعيها بهشاشة القوة التي فجرت الثورة. وبذلك، استطاعت الأحزاب تملق هذه القوى، إما عبر تصدير رموز شبابية تعبر عن مواقفها السياسية أو إغرائها باستحقاقات قادمة، ومن ثم خضوع شباب الثورة لوصاية الأحزاب، ودفعهم إلى تكييف أدائهم الثوري والسياسي مع إملاءات الأحزاب، ليصبح الأمل الذي ينشده كثيرون من شباب الثورة هو الفوز باستحقاقات سياسية ومناصب حكومية في مرحلة ما بعد الثورة.
لم تأت المرحلة الانتقالية في اليمن إلا وقد تم تجريف قوى الثورة الفعلية التي يمثلها الشباب اليمني، حتى قبل إغلاق ميادين التغيير وساحات الحرية، تحوّل معظم شباب الثورة إلى أدوات سياسية في يد الأحزاب اليمنية، وتحولت مهمتهم من نجاح الثورة إلى التبشير بمشاريع الأحزاب في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولم تتعدّ غالبية الرؤى والمبادرات الشبابية في الحوار الوطني، كونها تنويعات على الرؤى التي قدمتها الأحزاب السياسية اليمنية.
الهشاشة والأصولية المحضة التي وسمت أداء الشباب اليمني إبّان الثورة والمرحلة الانتقالية
كانت الثورة على القديم الذي بشرت به ثورات الربيع العربي، بما فيها اليمنية، تتطلب قوة صلبة تتطلع إلى المستقبل بعيون جديدة، قوة قادرة على الدفاع عن مشروع الثورات وأهدافها، وتحويلهما واقعاً ملموساً، لكن مآلات ثورات الربيع أكدت أن "صراع الأجيال" والثورة على القديم لم يكونا في اختبار الإرادة سوى شعارات رنانة، تبناها شباب الثورة، واصطدمت بطموحهم السياسي، لينتهي الشباب، مثل جيل آبائه، بتفضيل الخيارات الآمنة على تحقيق تراكماتٍ تقود إلى مستقبلٍ يتعدّى الصراعات الماضوية، على اختلاف مصادرها.
سقطت قوى الربيع العربي التي مثلها الشباب، حينما قبلت أنصاف ثورات وأنصاف حلول، وهو ما أفضى، في النهاية، إلى حروب شاملة، والأنكى، في هذه التراجيديا البائسة، استسلام شباب الثورات، وعودتهم إلى حظيرة القديم، وتخليهم عن مشروع التغيير في سبيل تأمين وظيفة "المدافع" المستميت عن القديم.