شباب يصنعون ربيع عصرنا
صدق الفيلسوف، محمد عزيز الحبابي، حينما عبر عن كنه علاقتنا بالعالم، حينما نعي ذواتنا أو نتشخصْن ذواتًا حرة: "إننا في عالم لم نخلقه، ولكن كل شيء في العالم يحتم علينا أن نبدعه في حلة جديدة. فكل نظرة نلقيها إلى العالم لهي بداية فعل جديدة، أو نسق تتولد فيه أفعال أخرى".
في كلّ ما يحيط بنا اليوم، يكاد الفعل الشبابي يحاصر كل أنفاس سياسينا البلهاء، أولئك المعتقون، ممن اختمرت فيهم كل أشيائهم إلا الأفكار. ويحاصر كل بلهاء مؤسّساتنا الهرمة المتآكلة.
أفرحُ كثيراً حين تردني فكرةٌ فيسبوكيّة جديدة مُبدعوها شباب، أو مقطع فيديو يخلُق الحدث، ويحوِّل حلماً لحقيقةٍ يحلمُ بها الجميع.
حين يردك خبر إبداع الشباب في كل ميادين عيشنا، يكتبون يبدعون يغنون يوقعون في كل سلوكاتهم ما يصدم عقل فترة القومية عندنا والإيديولوجيات البليدة، لنتأكّد أنّهم بذلك يعيشون عصرهم الذي لن يكون في المنطقة إلا شبابيّا صادماً للتوقعات كلها.
يخبرني صديقي، مازحاً، "لا تجالس هؤلاء يا صديقي". ويقصد بعض من ينتمون لعصر عبد الناصر، ممن لا يزالون يعيشون على فكر النكسة والنكبة و"معالم في الطريق". ويعلق بكل ثقة: "عليك بمجالستي يا صديقي، عليك بمجالسة المثقفين" يقصد جيله "فهم المناعة ضد أن يستعيدك جيل البكائيات والأطلال الوهمية".
بالفعل، عندما لا تجالس أصحاب هذا العصر، فإنك تحكي عن السراب الذي يخامر خواطرك دون قيمة تذكر. وعندما تجالسهم تكتشف أن إيقاع فعلك إن لم يساير نقرة حاسوبك، وبرامج هاتفك الجديدة، فاعلم أنك ضيف على هذا العصر تنتظر موعد رحيلك.
عنفوان وثراء وحراك وحيوات ممتدة يبنيها هؤلاء الشباب، ويكسرون الصمت المطبق على أوطاننا.
من الصفات التي تميّز أصحاب هذا الزمان، أنّهم معانقون للحرية في كل حركاتهم وسكناتهم، فحريتهم لا تعترف بتقاليد وقواعد وأدبيات.
الشباب يبحثون عن مخارج، ويقدِّمون مخرجات لمآزق واقعنا، قد تخيب الكثير من تفسيراتهم المباشرة لواقعنا. لكن سلوكاتهم العفوية وحركيّتهم الحرّة بناء على روح عصرهم، تقدِّم حلولاً يجسّدونها بكل ما يملكون من حياة، وإن لم يستوعب الكثير منهم ذلك، أو يقدِر على تفسيره، لكنّها حقيقتهم تحكي عنهم.
أعرف أنني تغنيت بهم، وبالغت في ذلك، ولي الحق، كامل الحق في ذلك، لأنني أصر على التأكيد على قيمة هذا العصر، وقيمة أصحاب هذا الزمان الأحرار (الشباب الربيعيون).