يمتاز الأدب الموريتاني بأن الألوان الشعبية والعاميّة فيه توازي، في أهميتها وحضورها ودورها الثقافي، إنتاجات الفصحى، بل قد تفوق الأخيرة أحياناً.
ويعتبر الـ"لغن الحساني"، أو الأدب اللهجي، من أهم هذه الفنون التي حظيت برواج واسع داخل المنظومة الاجتماعية في "بلاد البيظان"، موريتانيا حالياً. إلا أن هذا اللون الأدبي يعاني من بقائه حكراً على الرجال، في إنشائه وإنشاده، في وقت لا تسمح "العادات الاجتماعية" في البلد للنساء بالمشاركة في إنشائه ولا حتى مجالسه المعلنة، ليكتفين بألوانهن الخاصة من الشعر.
يمكن القول إن الـ"لغن الحساني" هو الصنف الأكثر انتشاراً في الأدب الموريتاني بشكل عام، بفضل طابعه الشعبيّ الذي سهّل انتشاره. يضاف إلى ذلك أن مجرد الاهتمام بهذا اللون يكسب المرء حظوة داخل المجتمع؛ ما يدفع كثيرين إلى إنتاجه أو حفظ مقاطع منه.
يُكتب "لغن الحساني" باللهجة الحسانية الدارجة المشتقة من اللغة العربية. ويلاحظ أن غالبية عباراته ذات جذور عريقة، لكن معظم كلماته لم تعد مستعملة اليوم، وبعضها الآخر جرى تطويره مع الزمن لكثرة تداوله. ومع تطور هذ الفن، أصبحت له بحوره ومقاماته الخاصة التي جعلت منه فناً مقنناً بضوابط وأسس تضاهي تلك التي يرتكز عليها الشعر الخليلي.
تتعدد المواضيع التي يطرقها الشاعر الحساني المعروف محلياً بـ"لمغني"، لكنها في الغالب لا تخرج عن دائرة الأغراض القديمة التي طرقها الشعر الفصيح من غزل ونسيب وبكاء على الأطلال وتعلّق بمواطن الصِّبا والنشأة. هكذا، يمكن القول إن جل نصوص "لغن الحساني" يطرق أغراضاً تتعلق أساساً بالتغزّل بالمحبوبة، وعمق الارتباط بالأرض، أو تخليد بطولات قبلية حققتها قبيلة قائله.
كان المجتمع الموريتاني يعتمد على الشعر الحساني في نقل واستقاء الأخبار وتسجيل الوقائع، إذ لعب هذا الفن، إلى جانب غيره من القصص والحكايات الشعبية، دوراً كبيراً في تدوين التاريخ وبلورة قيم واهتمامات المجتمع.
كان الشعر الحساني، إذاً، لسان حال المجتمع، وشكّل بذلك وسيلة الاتصال الأكثر تداولاً لنقل الآراء والمواقف الأدبية والأفكار والحكم وإثراء التواصل بين الأجيال. كما عرفت ظاهرة الـ"تهيدين"، إحدى تفريعات الشعر الحساني، انتشاراً واسعاً في فترات معينة من تاريخ البلد؛ ويقصد بالـ"تهيدين" تلك النصوص التي تخلد بطولات الأمراء والقبائل وتمجّد تاريخهم وانتصاراتهم.
ومع أن هذا اللون الأدبي يعتبر الأكثر شيوعاً في موريتانيا ولا يزال يوجد بعض المهتمين به، إلا أن شبح الاندثار بات يلاحقه نظراً إلى عدة عوامل، أهمها اختفاء العديد من المفردات والمفاهيم التي كانت تمثّل معجماً أدبياً شبه كامل. ولعل ذلك يعود أيضاً إلى حالة التراجع الملاحظ التي تعرفها اللهجة الحسانية الدارجة التي ينتج بها هذا الأدب، إضافة إلى التحولات التي طالت المجتمع الموريتاني وثقافته.