وكان رئيس مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام الصديق الصور، قد أعلن الخميس الماضي أوامر وجّهها لجهاز المخابرات العامة وجهاز المباحث العامة، بالقبض على شخصيات ليبية وأجنبية على علاقة بتحقيقه في أحداث الهجوم على الهلال النفطي وحوادث أخرى، من بينهم السياسي الليبي عبد الحكيم بلحاج رئيس حزب الوطن، وشعبان هدية رئيس تجمع ثوار ليبيا.
وقال الصور في خطابه للمخابرات والمباحث، إن "المذكورين وردت أسماؤهم خلال التحقيقات الجارية بشأن الهجوم المسلح على الحقول والموانئ النفطية في الآونة الأخيرة، وكذلك الهجوم على قاعدة تمنهنت قبل سنتين"، دون أن يقدم أي تفاصيل عن طبيعة صلتهم بهذه الأحداث.
وتعرض الهلال النفطي وسط البلاد لهجوم مسلح عدة مرات، بدأت بسيطرة قوات اللواء المتقاعد حليفة حفتر عليه في سبتمبر/ أيلول من عام 2016، مروراً بثلاث هجمات أخرى قادها قائد حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران، رفقة مسلحي سرايا الدفاع عن بنغازي، كما تعرضت قاعدة تمنهنت القريبة من سبها جنوب البلاد لهجوم مسلح في مايو/ أيار 2017، راح ضحيته 74 جندياً وأصيب العشرات.
وبينما لم يرد أي تعليق من هدية، اعتبر بلحاج في أول رد فعل له على أوامر القبض عليه، أنها جاءت لإبعاده عن المشهد السياسي، مؤكداً أنه كلف محامياً للرد على مذكرة القبض بشكل قانوني.
وأضاف بلحاج، خلال لقاء تلفزيوني محليّ الخميس، أنه "لا يستبعد وجود مكيدة دبرها من يهيمنون على الأجهزة الأمنية في طرابلس"، مشيراً إلى تلقيه تهديداً بـ"إخراجه من المشهد السياسي"، مؤكداً نفي أي علاقة له بالتهم المذكورة في الإعلان الصادر عن مكتب النائب العام.
واعتبرت الحقوقية الليبية هدى الغيثي، أن أوامر القبض لم تتوفر على أسباب مفسرة قانوناً، وتحوم حولها شبهات سياسية.
وقالت الغيثي في حديثها لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيق يجب أن يشمل شخصيات مسؤولة بحكومة الوفاق التي كانت تدعم تحركات وزير الدفاع، والقوة الثالثة التابعة لوزارة الدفاع في قضية حادثة الاعتداء على قاعدة تمنهنت، ولا يمكن أن يتوقف النائب العام عند نفي الحكومة مسؤوليتها عن الأمر". وتساءلت عن أهمية إعلان أوامر القبض على سياسيين في هذا التوقيت.
وتابعت: "عدة أطراف وشخصيات بكل تأكيد، احتجزها النائب العام وحقق معها لكنه لم يعلنها، فما أسباب الإعلان الآن وعن هذه الشخصيات بالذات"، لافتة إلى أن إعلان إجراءات القبض والجلب في وسائل الإعلام مناف للقانون وسرّية التحقيق.
وقالت: "من المستغرب جداً أن يطلب النائب العام من المباحث والمخابرات جلب أكثر من ثلاثين مقاتلاً من المعارضة التشادية والسودانية وهو يعلم، مؤكداً أن الجهازين يعيشان أضعف حالتهما بل عاجزان حتى عن جلب قائد مليشيات في طرابلس"، مشيرة إلى أن جهات التحقيق والقضاء في البلاد تأثرت بشكل كبير بالتجاذبات السياسية في أكثر من مناسبة.
وتساءلت: "ماذا بشأن المطلوبين في قضايا اغتيالات كبيرة، كاغتيال النائب العام السابق عبد العزيز الحصادي ومجازر بنغازي، التي شجبها المجتمع الدولي واغتيالات شخصيات في حوادث شهيرة، كعميد بلدية مصراته محمد اشتيوي والشيخ نادر العمراني، لم نسمع بالتحقيق في هذه القضايا وجلب المطلوبين فيها".
الغيثي أشارت إلى أن سيطرة حفتر على الهلال النفطي، وافتكاكه عنوة من سيطرة حرس المنشآت النفطية التابعة لحكومة الوفاق، يعداّن هجوماً خارجاً ويجب التحقيق فيه. وتابعت: "فما موقف النائب العام منه، ولا سيما أن سيطرة حفتر عليه بالسلاح ومحاولاته نقل تبعيته إلى جهات غير شرعية غير مؤسسة النفط في طرابلس، هي من عرّضت الهلال النفطي للهجومات المسلحة التي اتهم مكتب النائب العام فيها هذه الشخصيات".
واعتبر الأسود أيضاً، أن "إدراج هدية في الأوامر له علاقة بملتقى الوطني الليبي لثوار 17 فبراير، الذي انعقد مطلع الأسبوع الماضي في مدينة الزاوية، وانبثق عنه جسم سياسي بمسمى التجمع الوطني الليبي، كانت أول مطالبه فتح تحقيق عاجل بإشراف دولي في مجازر بنغازي، ورفض تدخل دول الجوار في الشأن الليبي"، لافتاً إلى أن كل مؤسسات الدولة بما فيها القضائية واقعة تحت تأثير التجاذبات السياسية.
وتساءل الأسود، هل لأوامر النائب العام علاقة بالتقارب الحالي بين مؤيدي حفتر وقادة حكومة الوفاق، وإمكانية عودة ممثلي حفتر للمجلس الرئاسي؟ وتابع: "يبدو أن كتلاً سياسية يمثلها بلحاج وهدية تعارض اقتراب حفتر سياسياً من العاصمة طرابلس، كما تعارض ذلك عسكرياً. وجاءت تعليمات النائب العام بدفع من أطراف سياسية، لكي لا تؤثر مشاركة مثل هذه الكتل في ملتقى الأطياف الليبية الجامع الذي سيقرر المشهد المقبل".
وتساءل الأسود حول الشخصيات الأخرى، التي يمكن أن تكون متورطة في حادث الهجوم على قاعدة تمنهنت مثل وزير الدفاع السابق بحكومة الوفاق، المهدي البرغثي، الذي أقاله رئيس الحكومة علناً لعلاقته بالحادث، وقال: "لم تتضمن أوامر القبض على البرغثي، كما أن النائب العام من المفترض أن يجلب عسكريين ومسلحين موالين لحفتر، يمكن أن تفيد شهاداتهم في الحادث، وهو ما لم يشر إليه قراره نهائياً وخصوصاً أن قوات حفتر أعلنت رسمياً أكثر من مرة أنها استهدفت قاعدة تمنهنت بالمدفعية في عدة مناسبات، ومن المؤكد أنها خلفت قتلى"، مضيفاً أن قرار النائب العام له خلفيات سياسية.
وكان النائب عن سبها في مجلس النواب علي السعيدي، قد طالب خلال تصريحات صحافية أمس الجمعة، النائب العام بالقبض على شخصيات عسكرية كانت أكثر حضوراً في الهجوم على منطقة الهلال عدة مرات، مثل مصطفى الشركسي قائد سرايا الدفاع عن بنغازي التي هاجمت منطقة الهلال، وسيطرت على أجزاء منه لعدة أيام في مارس/ آذار 2017 رفقة رئيس حرس المنشآت النفطية السابق، إبراهيم الجضران، كما طالب السعيدي بالقبض على جمال التركي قائد القوة الثالثة التي كانت قريبة من قاعدة تمنهنت أثناء وقوع الهجوم عليها.