إذ كانت الشتيمة تدفع بالدماء إلى الرأس فهي الآن لازمة، لذا أرخوا حبال الشتائم وتدفأوا.
في سجن مالطا سوف يضربكَ الشرطيُ على قفاك لأنك حاولتَ دخول بلاده بشكلٍ غيرّ شرعي ثم يقبلُ رأسكَ ويعطيكَ علبةً من البروتينات المطحونة لتقوية جسدك أثناء فترة عقابك.
يقشعرُّ بدنك من البرد ويتلون جسدك وتردد عدة جمل من لغات العالم، لا تعرف كيفَ ستقعُ الجملة من فمكَ واقفةً على أقدامها وفي المكان المناسب فقط لتنقذك من حاجز تفتيشٍ نُصبَ لأمثالك؛ الحاجز الذي لا يشبه أي حاجز في بلدك.
"الحاويةُ مصنوعةٌ من الخشب"
يستعجلُ المتحدث برصف الأيمان خلف حديثه عن الناقلةِ التي ستحملك إلى إيطاليا، وإن لم يكن نبياً ستصدقه وتتمنى أن يكون ملمس الخشب "الحديدي" بارداً عندما تعلو شمسُ المغامرةِ فلا رجعة تحت سناها.
وأنت تقفُ كديكٍ على قمةِ حصتك من القاربِ الخشبي السريع تقولُ لنفسك: لو رأيتُ البحرَ بلحمه وشحمهِ؛ لسلختُ فروة رأسه ولكنَّ كل ما أراه أمامي ملحٌ بماء.
تخيّل أن يغلق عليك الباب الخلفي لشاحنة نقلٍ كبيرة، مستلقياً على ظهرك لأربعةِ أيامٍ كاملة فقط لتصل إلى الطرف الآخر من البحر على ظهر باخرةٍ للشحن.
الشواطئ هناك ذهبيةٌ وأنت لم ترَ شاطئاً ذهبياً طوالَ عمركَ و"يحق لك أن تراه مثل بقية الخلق" هكذا كان يتصايح رفاقك في ما بينهم.
"هل تثق بالله" يقول الرجل الذي يتعهد بإيصالك إلى شاطئ فرنسا وأنت كأي رجلٍ يثق بالله لا تنظر إلى الخلف: "على الله".
تشغل نفسك بأكل الموز كل بضع ساعات، طعامك المتوفر الوحيد، وتتمنى ألا تجوع أكثرَ من اللازم، ثم تتمنى أن تجوع أكثرَ فقط لكي لا تفكر بلحظةِ فتحِ الباب وقتما يغتالك الضوء فيصفعُ عيونكَ بقسوة محققٍ جنائي يبحثُ عنك منذ زمنٍ.
أنت خائفٌ ترتعش كلما أبطأت السيارة أو أسرعت في سيرها، لأن صديقاً ما روى لك قصة رجلٍ لا يعرف القراءة ركب طائرةً بتذكرةٍ وجوازِ سفرٍ دفع ثمنهما مبلغاً يخاف أغلب الناس أن يتلفظوا بأصفاره فما بالك بأرقامه أو واحدة النقد التي يتباهى بها الرقم الأهبل، نزلَ الرجل من الطائرة ليجد نفسه في الخرطوم!!
وأنت في صندوق سيارة النقل تمررُ حروفَ الأبجديةِ بين أصابعكَ وإن كانت عتمتك لا تختلف كثيراً عن جهل ذاك الرجل بالقراءة.
وتأتي المفارقة، فبين مصر وليبيا ستكون ليبيا أرض الفرصِ الجديدة، لأن مصرَ بطرحتها البهية ستفتح لك حضنها، ولكن الحضن الفقير سيبقى فقيراً لأن القسمة والنصيب لعبت دوراً كبيراً بين تسعين مليون لاهثٍ فما بالك بمليون لاجئٍ.
ليبيا هي المكان الوحيد الذي لن تفكر في الهجرة منه ولكنك ستمشيٍ على الماء بعد أن تقدحَ العصاباتُ المسلحة في غسق الليل شرارة أنْ لا مكان "لكم" هنا.
لن تعيش في جلباب أبيك، أبوك دفن في جلبابه على عجل ولم يترك لك شيئاً لتتدفأ به، ليأتي وقتٌ يفتي فيه نبيّ اليبابِ بحرقِ الكتب المقدسة لتدفئةِ الأطفال، ولا مانع من التراتيل والعناق والتجويد واللطم بينما النار تعلو.
ستحفى وتحبو وتزحف وفي النهاية ستشارف على الدخول إلى السويد جاهزاً لتزين الأراضي المتجمدة بلحيتك العربية السوداء وصنارة صيدك والحلق الذي وضعته مؤخراً بدلاً من كلمة والدك التي كررها باقتضاب: "كن ما شئت إلا ناقص الرجولة فلا تكن".
*هذه الشهادات لسوريين حاولوا وما زالوا يحاولون الهجرة غير الشرعية من تركيا وغيرها إلى بلاد بعيدة جداً وباردة.
(سورية)
في سجن مالطا سوف يضربكَ الشرطيُ على قفاك لأنك حاولتَ دخول بلاده بشكلٍ غيرّ شرعي ثم يقبلُ رأسكَ ويعطيكَ علبةً من البروتينات المطحونة لتقوية جسدك أثناء فترة عقابك.
يقشعرُّ بدنك من البرد ويتلون جسدك وتردد عدة جمل من لغات العالم، لا تعرف كيفَ ستقعُ الجملة من فمكَ واقفةً على أقدامها وفي المكان المناسب فقط لتنقذك من حاجز تفتيشٍ نُصبَ لأمثالك؛ الحاجز الذي لا يشبه أي حاجز في بلدك.
"الحاويةُ مصنوعةٌ من الخشب"
يستعجلُ المتحدث برصف الأيمان خلف حديثه عن الناقلةِ التي ستحملك إلى إيطاليا، وإن لم يكن نبياً ستصدقه وتتمنى أن يكون ملمس الخشب "الحديدي" بارداً عندما تعلو شمسُ المغامرةِ فلا رجعة تحت سناها.
وأنت تقفُ كديكٍ على قمةِ حصتك من القاربِ الخشبي السريع تقولُ لنفسك: لو رأيتُ البحرَ بلحمه وشحمهِ؛ لسلختُ فروة رأسه ولكنَّ كل ما أراه أمامي ملحٌ بماء.
تخيّل أن يغلق عليك الباب الخلفي لشاحنة نقلٍ كبيرة، مستلقياً على ظهرك لأربعةِ أيامٍ كاملة فقط لتصل إلى الطرف الآخر من البحر على ظهر باخرةٍ للشحن.
الشواطئ هناك ذهبيةٌ وأنت لم ترَ شاطئاً ذهبياً طوالَ عمركَ و"يحق لك أن تراه مثل بقية الخلق" هكذا كان يتصايح رفاقك في ما بينهم.
"هل تثق بالله" يقول الرجل الذي يتعهد بإيصالك إلى شاطئ فرنسا وأنت كأي رجلٍ يثق بالله لا تنظر إلى الخلف: "على الله".
تشغل نفسك بأكل الموز كل بضع ساعات، طعامك المتوفر الوحيد، وتتمنى ألا تجوع أكثرَ من اللازم، ثم تتمنى أن تجوع أكثرَ فقط لكي لا تفكر بلحظةِ فتحِ الباب وقتما يغتالك الضوء فيصفعُ عيونكَ بقسوة محققٍ جنائي يبحثُ عنك منذ زمنٍ.
أنت خائفٌ ترتعش كلما أبطأت السيارة أو أسرعت في سيرها، لأن صديقاً ما روى لك قصة رجلٍ لا يعرف القراءة ركب طائرةً بتذكرةٍ وجوازِ سفرٍ دفع ثمنهما مبلغاً يخاف أغلب الناس أن يتلفظوا بأصفاره فما بالك بأرقامه أو واحدة النقد التي يتباهى بها الرقم الأهبل، نزلَ الرجل من الطائرة ليجد نفسه في الخرطوم!!
وأنت في صندوق سيارة النقل تمررُ حروفَ الأبجديةِ بين أصابعكَ وإن كانت عتمتك لا تختلف كثيراً عن جهل ذاك الرجل بالقراءة.
وتأتي المفارقة، فبين مصر وليبيا ستكون ليبيا أرض الفرصِ الجديدة، لأن مصرَ بطرحتها البهية ستفتح لك حضنها، ولكن الحضن الفقير سيبقى فقيراً لأن القسمة والنصيب لعبت دوراً كبيراً بين تسعين مليون لاهثٍ فما بالك بمليون لاجئٍ.
ليبيا هي المكان الوحيد الذي لن تفكر في الهجرة منه ولكنك ستمشيٍ على الماء بعد أن تقدحَ العصاباتُ المسلحة في غسق الليل شرارة أنْ لا مكان "لكم" هنا.
لن تعيش في جلباب أبيك، أبوك دفن في جلبابه على عجل ولم يترك لك شيئاً لتتدفأ به، ليأتي وقتٌ يفتي فيه نبيّ اليبابِ بحرقِ الكتب المقدسة لتدفئةِ الأطفال، ولا مانع من التراتيل والعناق والتجويد واللطم بينما النار تعلو.
ستحفى وتحبو وتزحف وفي النهاية ستشارف على الدخول إلى السويد جاهزاً لتزين الأراضي المتجمدة بلحيتك العربية السوداء وصنارة صيدك والحلق الذي وضعته مؤخراً بدلاً من كلمة والدك التي كررها باقتضاب: "كن ما شئت إلا ناقص الرجولة فلا تكن".
*هذه الشهادات لسوريين حاولوا وما زالوا يحاولون الهجرة غير الشرعية من تركيا وغيرها إلى بلاد بعيدة جداً وباردة.
(سورية)