ينهي الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد أقل من شهر، ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة، ليتسلم رئيس خطف البيت الأبيض في لحظة غفلة وفراغ سياسي ولا يحمل من عدّة القيادة سوى خطاب شعبوي مشحون بلغة التوتير والوعيد والتخويف. وبين هذا وذاك، تنتقل الولايات المتحدة من مرحلة آفلة تبدو مهزومة، خصوصاً في الخارج، إلى مرحلة مقبلة مشحونة بعوامل القلق وبما يهدد بالأسوأ والأخطر.
بقيت سياسات أوباما الخارجية إجمالاً في حدود الوعظ والتبشير، وفشل في الأداء وأخذ القرار. وكانت ردوده على الأحداث والتطورات متأخرة، حتى إنجازاته التي يتباهى بها، مثل الاتفاق النووي مع إيران، جاءت مؤقتة وربما مهددة في زمن خلفه دونالد ترامب. وبدا أن الخشية من التورط كانت العقدة التي لم يقوَ على تجاوزها، وهو ما كان واضحاً في تعامله مع الصراع السوري، إذ رفض توصيات ومقترحات معظم أركان إدارته لتغيير المسار، خوفاً من الانجرار إلى المستنقع. وجاءت الحرب على حلب وتهجير أهلها لتكشف قصور مقاربته، وكأن هذه الحرب تزامنت مع نهاية رئاسته لتسلط الأضواء على حقيقتها.
أما الرئيس المنتخب، فقد حطم كافة الحواجز الحزبية، وقلب المقاييس السياسية رأساً على عقب. حملته الانتخابية الصاعدة كشفت عن ترهل الوضع السياسي في الولايات المتحدة، فالحزب الجمهوري كان مفككاً وزاد ترامب من ذلك، أما الحزب الديمقراطي فكشفت الانتخابات مدى عجزه وتهلهل وضعه. في هذا الجو تحوّل ترامب إلى ظاهرة طغت على المشهد السياسي برمته، بل احتكرته. اليوم، مع انتهاء الطفرة التي حملت ترامب إلى البيت الأبيض، جاء وقت ممارسة الحكم، وحتى العشرين من الشهر المقبل حين يستلم الرئيس المنتخب الحكم، تبدو البلاد وكأنها تحبس أنفاسها. فمواقف ترامب الملتبسة وتقلّباته وتعييناته السياسية، زادت من علامات الاستفهام والتوجس. ووفق استطلاعات، فإن 48 في المائة من الأميركيين، يقفون حالياً إلى جانبه، على أساس أنه يستحق منحه الفرصة، وهي نسبة قليلة مقارنة بأسلافه. فقد كان رصيد أوباما في مثل هذا الوقت بعد انتخابه بحدود 72 في المائة، أما جورج بوش فكان يحظى بدعم 65 في المائة.
وفي تقدير مراقبين أن بقاء تأييد ترامب تحت الخمسين في المائة يعود إلى رجحان كفة الشكوك على كفة الاطمئنان برئاسته، وتفاقم الموقف منه إثر ما تردد أخيراً بخصوص الاختراق الروسي الذي يُعتقد أنه خدمه في الانتخابات الرئاسية. ثم تفاقم بشكل إضافي في ضوء الالتباسات المحيطة بمسألة الفصل غير المحسومة بعد بين ترامب الرئيس وترامب رجل الأعمال. يضاف إلى ذلك، تنامي عدم الارتياح للدور الذي يقوم به بعض أولاده في العملية الانتقالية. كل ذلك عزز من الارتياب بمرحلة ترامب، خصوصاً أنه لم يفصح بعد عن سياساته بصورة مفصلة وقاطعة، ولو أن الرموز التي اختارها لحقائب إدارته لا توحي بالاطمئنان، بل هي تحمل على الخشية من أن يكون قد جرى تركيبها بهذا الشكل لتكون إدارة انتقام وتصفية حسابات في الداخل وعلاقات انقلابية مع معظم الخارج.
بعد نحو شهر من اليوم يغادر أوباما وقد طغى عليه ظل ترامب، فيما يطوي عام 2016 أيامه الأخيرة على وقع رحيل إدارة انتهت بأقل مما كان يجب أن تكون عليه، وولادة إدارة من الصعب أن تكون عند مستوى ما تزعم أنها ستكون.