شيخوخة جامعة الدول العربية
بلغ عمر جامعة الدول العربية 75 عاماً. وكان المفترض الاحتفال بالمناسبة، إلا أن كورونا ضربت العالم كله، وألزمت الجميع منازلهم. فأعفت الدول العربية من تبعات إحياء أو على الأقل استحضار روح الكيان العربي الوحيد الذي لا يزال يحمل بقايا الحسّ العربي الوحدوي، ولو اسماً فقط.
يقترب العام من نهايته، وبدأ العالم كله يفتح أبوابه ويستعيد نشاطه الاقتصادي، واستؤنفت حركة السفر والطيران بشكل شبه عادي. وعلى الرغم من ذلك، لا إشارة واحدة ولو تلميحاً بالتفكير في عقد القمة العربية التي كان يفترض عقدها في مارس/ آذار الماضي. كما لو كانت جائحة كورونا قد منحت العرب صكّاً مفتوحاً بتأجيل كل الاستحقاقات والمحافل العربية الجماعية التي قد تفتح باب التساؤل والمساءلة.
صحيح أن معضلة الجامعة أعمق وأوسع من انعقاد القمة أو تأجيلها، لكنها تظل الكيان العربي الوحيد الذي لا يزال جماعياً، في زمنٍ انهارت معه كل مفردات الوحدة، وكل مظاهر التكامل العربي، وصارت فيه القومية العربية نسياً منسياً، وأصبحت القمم العربية مظهراً وحيداً لتلك الجماعية العربية التائهة.
بعد 75 عاماً على إنشاء جامعة الدول العربية، من السهل استحضار عشرات المواقف والأزمات التي عصفت بشعوب ودول عربية، كاد بعضها يضيع وضاع بقيتها بالفعل، بينما الجامعة حاضرة، وربما مشاركة، ولا تتجاوز مواقفها سقف القلق والشجب. بل يمكن بسهولة رصد مواقف لعبت فيها الجامعة دوراً سلبياً، ومهّدت لتطوراتٍ لم تكن لتحدث من دون ذلك الغطاء العربي المؤسسي. منها، مثالا، موقف الجامعة من الغزو العراقي للكويت عام 1990، والدعوة الصريحة التي وجهتها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتدخل في ليبيا 2011.
تاريخ الجامعة حافل بالإخفاقات، مما سمي بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، على خلفية تفجيرات "11 سبتمبر" في 2001، إلى الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق عام 2003، وبعده العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006. ومع بدايات العقد الثاني من الألفية، وقفت الجامعة مشلولة إزاء موجة الربيع العربي، وبقيت على شللها فيما الموجة تنكسر.
وهكذا دخلت كورونا على الواقع العربي، لتستبق انكشافه، وتمنح الجامعة العربية قبلة الحياة. أنقذتها من مواجهة موقف التطبيع مع إسرائيل والانقسام الحاصل بشأن ليبيا وتباعد المواقف بشأن إيران واليمن والعراق ولبنان وليبيا وسد النهضة. وليس أصعب من الاضطرار إلى اتخاذ موقف عربي عام من قضايا تتقاطع فيها المصالح، وتتناقض حولها المواقف، بعد أن كانت في يوم ما محل إجماع.
لم يعد محل نقاش أن غياب الإرادة السياسية هو السبب الرئيس في إخفاقات جامعة الدول العربية. لكن سنوات الجامعة الخمس والسبعين جعلتها عجوزاً بما يكفي لتعجز حتى عن أداء مهام بسيطة غير خلافية، وتتكلّس أمام تطورات العصر في الآليات والأدوات، ومن قبلها التحدّيات، فتلك المؤسسة الوحدوية التكاملية التي تضم عشرات الأجهزة والأذرع الاقتصادية والسياسية والمتخصصة، لا تزال تفتقد الآليات والديناميكية اللازمة لمواجهة ثورة الاتصالات والمعلومات. بينما لا يزال الموقع الإلكتروني للجامعة يبثّ موادّ وأخباراً تعود إلى سنوات مضت. وفيما يتحرّك العالم حثيثا لمواجهة كورونا وتداعياتها، تقف جامعة الدول العربية تتابع وتراقب فقط. على الرغم من وجود مؤسسات تابعة لها معنية بالتعاون الاقتصادي، وأخرى بالعمل والعمال، وثالثة دورها التنسيق في مجال التعليم والثقافة. وعلى الرغم من ذلك كله، تتحرّك كل دولة عربية على حدة في كل المجالات، وأمام كل التطورات والقضايا، حتى وإن كانت ذات بعد عام شامل، كما هو الحال بالنسبة لكورونا. أما انحدار مستوى التعليم العربي وتدهور الثقافة والازدواج الضريبي والجمركي، وغيرها من مجالاتٍ كان يفترض أن تقود الجامعة المسيرة العربية فيها منذ أعوام، فلا تزال تراوح مكانها. وستظل كذلك بعد أن شاخت الجامعة، وبلغت من العمر أرذله.