دخل عباس محمود العقاد (1989-1964) تاريخنا الثقافي على هيئة "عُقاب هرم"، هي صورة أملتها أكثر صوره شيوعاً بقبّعته المميزة والنظرة المريرة التي تعذّب وجهه، إلى جانب مواقفه المتشددة في بداياته، وفي نهاياته أيضاً؛ منها "تَصَدُّدُه" لمهاجمة أحمد شوقي، إلى درجة يمكن القول إن "الديوان" (1921) لمؤلفيه العقاد والمازني، في هجاء شوقي، يكاد ينتمي إلى الصحافة الصفراء أكثر من انتمائه إلى النقد الأدبي.
ومن "تسامح" الحياة الثقافية المصرية أن سمّت ترديات كهذه "معارك أدبية" وهي لا تزيد عن كونها مشاحنات وعقد نفسية وصراعات مكانة وسلطة في الوسط الثقافي. أما في آخر سني العقاد، فمعروفة "معاركه" في وجه قصيدة التفعيلة. ما جعل شاباً كأحمد حجازي -وقتها- يخاطبه بهجائية موزونة: "تعيش في عصرنا ضيفاً وتشتمنا/ أنّا بإيقاعنا نشدو ونُطرِبُهُ".
ولعل تطرّف العقاد بالذات هو ما صنع منه نجماً وصنع له طائفة من المريدين في مجتمعات ثقافية يجذبها التطرّف بشكل يصعب تفسيره.
للعقّاد قصيدة عنوانها "العُقاب الهرم" كأنما هي صورة ذاتية تكشف قصته مع الشعر: "يَهمُّ، ويُعييه النهوضُ، فيَجثِمُ/ وَيَعْزِمُ، إلا ريشَهُ لا يَعزِمُ" إلى أن ينهيها مواسياً نفسه: "لِعَينيك يا شيخَ الطيور مهابَةٌ/ يَفِرُّ بُغاثُ الطيرِ عنها ويُهْزَمُ، وما عجزت عنك الغداةُ وإنما/ لكلِّ شبابٍ هَيْبَةٌ حين يَهْرَمُ".