على عكس العادة، اختارت كوريا الشمالية، مساء الثلاثاء، لإطلاق صاروخ باليستي جديد، من دون ارتباطه بأي مناسبة قومية في البلاد. صاروخ ألهب صفارات الإنذار في الشرق الآسيوي، وتمّت متابعته قبل سقوطه في المنطقة البحرية الاقتصادية الخاصة باليابان، وسط تهديدات بإحالة ملف بيونغيانغ إلى مجلس الأمن مجدداً. التجربة الجديدة، التي أظهرت فيها كوريا الشمالية عدم اكتراثها بالعقوبات المفروضة عليها، ولا بالمواقف السياسية، باتت بمثابة تصعيد جديد، موجّه حتى ضد حلفاءها التقليديين، كالصين وروسيا، اللذين انتقدا التجربة، في إشارة إلى مزيد من الضغط المرتقب ضد كوريا الشمالية. مع العلم أن الصين تقف حائلاً أمام أي تصرّف عسكري أميركي ضد كوريا الشمالية، لكنها كانت واضحة سابقاً باعتبارها أن "الكوريين الشماليين يتحمّلون المسؤولية في حال بادروا إلى قصف مواقع أميركية"، رغم إبداء استعدادها لـ"الدفاع عن كوريا الشمالية إزاء أي اعتداء ضدها".
مساء الثلاثاء، أعلنت بيونغيانغ أن "صاروخ هواسونغ 15 الجديد بلغ ارتفاع 4475 كيلومتراً تقريباً"، وهو ما يعادل أكثر من عشرة أمثال ارتفاع محطة الفضاء الدولية، وطار مسافة 950 كيلومتراً خلال 53 دقيقة، قبل سقوطه في المنطقة البحرية الاقتصادية الخاصة باليابان. وأفادت بيونغيانغ بأنها "اختبرت بنجاح صاروخاً باليستياً قوياً جديداً عابراً للقارات يجعل البر الرئيسي للولايات المتحدة بأكمله في مجال أسلحتها النووية، والصاروخ مصمّم لحمل رأس حربي كبير جداً وثقيل".
وفور إطلاق الصاروخ، والضجيج السياسي والإعلامي الذي أثاره، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن "التجربة لم تشكل أي تهديد للولايات المتحدة أو حلفائها". وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للصحافيين في البيت الأبيض، إن "الصاروخ بلغ ارتفاعاً أعلى من أي إطلاق سابق لهم، وهو ما يأتي ضمن جهود البحث والتطوير من طرفهم لمواصلة صنع صواريخ باليستية قادرة في الأساس على تهديد أي مكان في العالم".
بدوره، تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب هاتفياً مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، ورئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن، وأكدوا مجدداً التزامهم بالتصدي لتهديد كوريا الشمالية. وقال ترامب للصحافيين "هذا وضع سنتعامل معه". من جهته، دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، التجربة بشدة. وذكر المتحدث باسمه، أن "الأمر هو خرق واضح لقرارات مجلس الأمن وأظهر تجاهلاً للرؤية الموحدة للمجتمع الدولي".
وعبّرت الصين، حليف كوريا الشمالية، عن "قلقها البالغ" بشأن التجربة ودعت كل الأطراف للتصرف بحذر. وأعرب المتحدث باسم الخارجية الصينية، أمس الأربعاء، عن "قلق الصين البالغ" و"معارضتها القوية" لأحدث اختبار صاروخي تجريه كوريا الشمالية، مطالبة بيونغيانغ بالابتعاد عن تصعيد حدة التوترات. وقال المتحدث جينغ شوانغ "الصين تطالب بشدة كوريا الشمالية بالإذعان لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة". وأضاف: "لا تقوموا بأمور من شأنها العمل على تفاقم التوترات المتعلقة بالموقف في شبه الجزيرة الكورية".
من جانبه، أفاد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال، بأن "ألمانيا تدين بقوة أحدث تجارب كوريا الشمالية الصاروخية الباليستية"، مضيفاً أنها "ستستدعي سفير بيونغيانغ لديها". وتابع في بيان، أن "كوريا الشمالية خرقت من جديد القانون الدولي. وسلوكها المتهور يمثل تهديداً كبيراً للأمن الدولي".
وذكر اتحاد العلماء المعنيين ومقره الولايات المتحدة، أنه بناء على المسار والمسافة التي قطعها الصاروخ، فإن مداه سيكون أكثر من 13 ألف كيلومتر، وهو أكثر مما يكفي للوصول إلى واشنطن العاصمة وباقي أرجاء الولايات المتحدة. إلا أن المجموعة العلمية ذكرت أنه "لم يتضح وزن الحمولة التي كانت على الصاروخ، وأنها غير متأكدة من قدرته على حمل رأس نووي كبير كل هذه المسافة". وأفاد الجيش في كوريا الجنوبية بأنه "بعد دقائق من إطلاق الصاروخ أجرى تدريباً على إطلاق الصواريخ رداً على ذلك". وأشار الرئيس مون جي ـ إن، إلى أن "إطلاق الصاروخ كان متوقعاً، ولا يوجد خيار سوى أن تواصل الدول فرض ضغوط". ولفت بعد اجتماع لمجلس الأمن القومي، إلى أنه "قد يخرج الموقف عن السيطرة إذا أتقنت كوريا الشمالية تكنولوجيا الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. يجب ألا تخطئ كوريا الشمالية حساب الموقف وتهدد كوريا الجنوبية بسلاح نووي، وهو ما قد يؤدي لاحتمال شن الولايات المتحدة ضربة استباقية".
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، رويترز، فرانس برس)