صباح العيد في مدينة مترامية الأطراف مثل إسطنبول، مناسبة أكثر من ممتازة للشجن على عدم وجودك في القاهرة.. إسطنبول في العيد هي هي في ليلة بداية السنة الميلادية.. لا تُفرقُ هذه المدينة بين هذه المناسبة وتلك.
هذه الشوارع الطويلة الممتدة إلى ما لا نهاية، والطرق بالغة النظافة في أشهر الأحياء "فاتح".. "فاتح"، كما في "شيرين إيفلر"، و"بيليك دوزو"، و"ساغما ليجلار"، الأحياء العريقة أو الجديدة، لا تجد مسافة ولو قليلة يقتحمها التراب منها، أو أن تفتقد الرصيف، البنية التحتية تتوزع على جميع المناطق بالتساوي، حتى المباني المتدرجة، أحياناً، على شكل تلال وجبال مكثفة شائكة ملتفة، لا تخطئ العين أشكال البيوت والبنايات المتناسقة، كما لا تخطئ القدم بالخطو فوق مياه ماسورة صرف أو مياه مكسورة، ولو لمرة في العام في حي هنا أو هناك.
كما أنه لا تتوقف عجلات "المترو باص" عن الدوران طوال اليوم والليلة، والأخير أشهر وسيلة مواصلات هنا، وهو عبارة عن حافلة "أتوبيس" بنظام قطار، بمعنى أنه يسير في مسار محدد من الطريق بمحطات، لكن بلا إشارات.
هنا ليست البنية التحتية بمثل فخامة البنى التحتية الخليجية ولا بنفس مواصفاتها.. ليست هي.. لا في الطرقات ولا في جدران الشوارع، ولكنها ليست مثل طرقات وجدران شوارع مصر.. شيء في المنتصف، بين بين.. لكنه لا يعرف "بهدلة" مصر، شيء من التألق في الحفاظ على المنجز الذاتي، والاقتصاد والفائض المحلي يبدو في رصف جميع الطرقات بلا مطبات وهمية، ولا حصى صغير نافر من الأرصفة، بل لا أرصفة ملقاة إلى جوار بعضها، وكأنها قطع قماش غير محكمة التداخل أو "الحياكة"، لا سيارات بدون تراخيص، لا عربات "كارو".
صبيحة يوم العيد كل شيء في إسطنبول مستقر، بل معتاد لعين قضتْ هنا عاماً وبضعة شهور، فيما عدا أمر واحد تتفق فيه مع القاهرة ومدن العرب، بل مدن عالمية صبيحة الإجازات.. تتخفف إسطنبول من ثقل عدد سكانها، إذ غادرها الألوف منذ يوم على الأقل إلى مدن أخرى انحدروا منها في وسط تركيا، وربما حدودها، أحياناً البعض يسافر بالطيران.
الشوارع الفارغة تتعرف العين على المصريين فيها والسوريين بالملابس شبه الجديدة بتوسيع الخطوة إلى "الترام فاي".. وفاي هذه منقلبة عن "واي"، إذ إن الإنجليزية هنا ليست لها نكهة مختلفة فقط، بل لها مسارات في النطق قد لا تخطر على بال الإنجليز أو الأميركان ومن درس لغتهما، فالتركية لغة تحتاج إلى كثير من التوقف، خاصة لمن توقف مصاباً بـ"التحسس" منها.. مثلي!
يحاول الأطفال المرح في طرقات لن تخلو من السيارات على هذا النحو إلا في العيد فقط.. لا زينات في الشوارع.. لا عيد مبارك.. ولا النائب "فلان العلاني" يهنئ أهل الدائرة وينصحهم بإعادة اختياره لأنهم لن يجدوا مثله، كما أنه لا ألعاب نارية، بداية من المفرقعات الصبيانية الصغيرة، "البومب"، نهاية بـ"الشماريخ"، كل ما في الأمر أن الرحلة في "فاي" لمسجد السلطان أحمد تتعدى الساعة، لأنه بالغ البطء كترام القاهرة الذي كان يسير فوق الأرض - يوم كان يعيش للقاهرة ترام - وتشعر بأنهم أبقوا على الترام هنا رغبة في الإبقاء على "أثر متحرك"، قديم، وسط معالم البلدة الأثرية وأسواقها المنسوخة عن خان الخليلي، لكن بميزة فريدة مع هطول الأمطار، إذ تتسرب إلى جوف الأرض في ثوان، عبر شبكة قديمة محكمة على جانبي كل شارع.
في باحة مسجد "سلطان أحمد" إن فاتتك صلاة العيد لن تعدم مشهديه المميزين هنا.. المصريون يهنئون بعضهم بعضاً، امض بعيداً عن "معالي الوزير الأسبق" وهو يتلقى التهاني، ويسب في الجالس بدلاً منه على الكرسي ويرى الفرج قريباً جداً، ولكنك لن تعدم غير واحد ممن كانوا في البرلمان أو مشهد وظيفي مناسب يقترب منك مهنئاً وقائلاً: "رحمة الله قريبة".. لمثل هذه الشفاه المبتسمة الواثقة من حقك أن ترتحل لمسجد سلطان صبيحة يوم العيد، ولو لم تنم الليل كله!
أما المشهد الثاني والأخير فرئيس الجمهورية (رجب طيب أردوغان) يصافح المصلين ويتصور معهم، ويقول بالعربية "المكسّرة": "إنني أحبك في الله"!
بل يهب الصغار عشرين ليرة جديدة، - ما يقارب ثمانية دولارات -.. ويرفع شارة رابعة لمن يطلب. فيما الحرس مترقب حذر غير بعيد.. لمثل هذا المشهد يُحسنُ كثير من الأتراك استقبال العيد هذه الأيام!
(مصر)
هذه الشوارع الطويلة الممتدة إلى ما لا نهاية، والطرق بالغة النظافة في أشهر الأحياء "فاتح".. "فاتح"، كما في "شيرين إيفلر"، و"بيليك دوزو"، و"ساغما ليجلار"، الأحياء العريقة أو الجديدة، لا تجد مسافة ولو قليلة يقتحمها التراب منها، أو أن تفتقد الرصيف، البنية التحتية تتوزع على جميع المناطق بالتساوي، حتى المباني المتدرجة، أحياناً، على شكل تلال وجبال مكثفة شائكة ملتفة، لا تخطئ العين أشكال البيوت والبنايات المتناسقة، كما لا تخطئ القدم بالخطو فوق مياه ماسورة صرف أو مياه مكسورة، ولو لمرة في العام في حي هنا أو هناك.
كما أنه لا تتوقف عجلات "المترو باص" عن الدوران طوال اليوم والليلة، والأخير أشهر وسيلة مواصلات هنا، وهو عبارة عن حافلة "أتوبيس" بنظام قطار، بمعنى أنه يسير في مسار محدد من الطريق بمحطات، لكن بلا إشارات.
هنا ليست البنية التحتية بمثل فخامة البنى التحتية الخليجية ولا بنفس مواصفاتها.. ليست هي.. لا في الطرقات ولا في جدران الشوارع، ولكنها ليست مثل طرقات وجدران شوارع مصر.. شيء في المنتصف، بين بين.. لكنه لا يعرف "بهدلة" مصر، شيء من التألق في الحفاظ على المنجز الذاتي، والاقتصاد والفائض المحلي يبدو في رصف جميع الطرقات بلا مطبات وهمية، ولا حصى صغير نافر من الأرصفة، بل لا أرصفة ملقاة إلى جوار بعضها، وكأنها قطع قماش غير محكمة التداخل أو "الحياكة"، لا سيارات بدون تراخيص، لا عربات "كارو".
صبيحة يوم العيد كل شيء في إسطنبول مستقر، بل معتاد لعين قضتْ هنا عاماً وبضعة شهور، فيما عدا أمر واحد تتفق فيه مع القاهرة ومدن العرب، بل مدن عالمية صبيحة الإجازات.. تتخفف إسطنبول من ثقل عدد سكانها، إذ غادرها الألوف منذ يوم على الأقل إلى مدن أخرى انحدروا منها في وسط تركيا، وربما حدودها، أحياناً البعض يسافر بالطيران.
الشوارع الفارغة تتعرف العين على المصريين فيها والسوريين بالملابس شبه الجديدة بتوسيع الخطوة إلى "الترام فاي".. وفاي هذه منقلبة عن "واي"، إذ إن الإنجليزية هنا ليست لها نكهة مختلفة فقط، بل لها مسارات في النطق قد لا تخطر على بال الإنجليز أو الأميركان ومن درس لغتهما، فالتركية لغة تحتاج إلى كثير من التوقف، خاصة لمن توقف مصاباً بـ"التحسس" منها.. مثلي!
يحاول الأطفال المرح في طرقات لن تخلو من السيارات على هذا النحو إلا في العيد فقط.. لا زينات في الشوارع.. لا عيد مبارك.. ولا النائب "فلان العلاني" يهنئ أهل الدائرة وينصحهم بإعادة اختياره لأنهم لن يجدوا مثله، كما أنه لا ألعاب نارية، بداية من المفرقعات الصبيانية الصغيرة، "البومب"، نهاية بـ"الشماريخ"، كل ما في الأمر أن الرحلة في "فاي" لمسجد السلطان أحمد تتعدى الساعة، لأنه بالغ البطء كترام القاهرة الذي كان يسير فوق الأرض - يوم كان يعيش للقاهرة ترام - وتشعر بأنهم أبقوا على الترام هنا رغبة في الإبقاء على "أثر متحرك"، قديم، وسط معالم البلدة الأثرية وأسواقها المنسوخة عن خان الخليلي، لكن بميزة فريدة مع هطول الأمطار، إذ تتسرب إلى جوف الأرض في ثوان، عبر شبكة قديمة محكمة على جانبي كل شارع.
في باحة مسجد "سلطان أحمد" إن فاتتك صلاة العيد لن تعدم مشهديه المميزين هنا.. المصريون يهنئون بعضهم بعضاً، امض بعيداً عن "معالي الوزير الأسبق" وهو يتلقى التهاني، ويسب في الجالس بدلاً منه على الكرسي ويرى الفرج قريباً جداً، ولكنك لن تعدم غير واحد ممن كانوا في البرلمان أو مشهد وظيفي مناسب يقترب منك مهنئاً وقائلاً: "رحمة الله قريبة".. لمثل هذه الشفاه المبتسمة الواثقة من حقك أن ترتحل لمسجد سلطان صبيحة يوم العيد، ولو لم تنم الليل كله!
أما المشهد الثاني والأخير فرئيس الجمهورية (رجب طيب أردوغان) يصافح المصلين ويتصور معهم، ويقول بالعربية "المكسّرة": "إنني أحبك في الله"!
بل يهب الصغار عشرين ليرة جديدة، - ما يقارب ثمانية دولارات -.. ويرفع شارة رابعة لمن يطلب. فيما الحرس مترقب حذر غير بعيد.. لمثل هذا المشهد يُحسنُ كثير من الأتراك استقبال العيد هذه الأيام!
(مصر)