يتتبع العقيد المتقاعد في الحرس الوطني التونسي، علي زرمدين، الخلاف بين تنظيمي القاعدة وداعش، منذ عملية "باردو" الإرهابية التي تنافس التنظيمان على تبنيها، إذ خرج أنس الفقيه، القيادي السابق في تنظيم أنصار الشريعة، معلناً في تسجيل صوتي عن تبني العملية التي راح ضحيتها 23 قتيلا و45 جريحاً، وسرعان ما جاء رد داعش، على فرع تنظيم القاعدة المحلي في تونس عبر إعلان التنظيم أن "الانغماسيين أبو زكريا التونسي وأبو أنس التونسي" هما من نفذا تلك العملية.
بحسب الخبير الأمني زرمدين فإن "القاعدة" في تونس، تستغل الضربات الأمنية التي تعرضت لها "داعش"، من أجل أن تتمدد في هدوء، وتوسع من مناطق نفوذها من دون ضجة، عبر استغلال الجوار الجغرافي بين تونس وليبيا، وانخراط العديد من الشباب في التنظيم.
نشأة التنظيمين في تونس
ظهرت "القاعدة" في تونس، عن طريق مجموعة "عقبة بن نافع السلفية الجهادية"، والتي تكوّنت في عام 2011 بعد الانفلات الأمني الذي عرفته تونس إبان ثورة 14 يناير/كانون الثاني، بقيادة الجزائري أبو مصعب عبد الودود، المعروف بـ عبد الملك دروكدال، كما يقول المختص في مجال الحركات والتنظيمات الإرهابية باسم السندي.
يشير السندي إلى أن القاعدة جندت منشقين عن تنظيم أنصار الشريعة، الذي ظهر في إبريل/نيسان عام 2011، إبان الثورة التونسية ونشط بصفة قانونية، في إطار الجمعيات الأهلية، وتزعمه سيف الله بن حسين، المعروف باسم أبو عياض، والذي يصفه السندي بـ"أهم رجال القاعدة في تونس".
ووفقاً للخبير السندي، فإن حالة الارتباك التي عرفتها فروع القاعدة وأنصارها في أنحاء العالم بعد إعلان الولايات المتحدة مقتل أسامة بن لادن في مايو/أيار 2011، دفعت أنصار داعش في تونس، إلى الإعلان عن وجودهم، مستغلين حالة الفراغ الأمني، التي سمحت بظهور ما عرف بنداء "النصرة القيروانية للدولة الإسلامية" والذي أطلقه فصيل منشق من"أنصار الشريعة" في تونس، في مدينة القيروان (وسط تونس) في 20 مايو/أيارعام 2012.
وأعلنت الحكومة التونسية أنصار الشريعة، تنظيماً إرهابياً في 23 أغسطس/آب عام 2013 بعد اكتشاف مسؤوليته في تجنيد الشباب وتسهيل سفرهم إلى بؤر التوتر. ويرى السندي، أن الظهور العلني لداعش غذّى المنافسة، والصراع على زعامة التنظيمات المتشددة، إذ إن القاعدة كانت تسعى إلى الحفاظ على وجودها في تونس في حين عزز داعش تونس، صفوفه ووجوده معتمداً على العناصر المنشقة من القاعدة والمجندين الجدد.
ويوّضح السندي أن القيادة التي انشقت من تنظيم القاعدة، وتحديداً من كتيبة عقبة بن نافع في عام 2014 كوّنت كتيبة "جند الخلافة" الموجودة حاليا بجبل المغيلة في ولايتي القصرين وسيدي بوزيد وسط غرب تونس، وتزعهما سيف الدين الجمالي، المكنى بـ"أبو القعقاع"، والذي قضت أجهزة الأمن التونسية عليه 19 مايو/أيار عام 2016.
وبحسب السندي الذي يتتبع التنظيمات المتطرفة، فإن "جند الخلافة" نجح في استقطاب عناصر جهادية تونسية معتمداً على الإمدادات المالية والعسكرية التي وفرتها قيادات التنظيم.
ملامح الخلاف بين التنظيمين
أدى سعي تنظيم الدولة الإسلامية لتعزيز وجوده في تونس، إلى اشتعال صراع مع تنظيم القاعده وفروعه المحلية، إذ جرت اشتباكات بين خلايا تنظيم القاعدة تتزعمها قيادات جزائرية، وخلايا تابعة لداعش يقودها تونسيون، بداية العام الجاري لمحاولة كل منهما التمدد إلى مناطق نفوذ الآخر على الحدود الغربية مع الجزائر، كما يؤكد سامي براهم الباحث في وحدة السلفية الجهادية بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، (مؤسسة حكومية تشرف عليها رئاسة الجمهورية).
يؤرخ براهم لبداية الصراع بين التنظيمين، في عام 2013، قائلا: "الصراع كان في البداية حول الشرعية والبيعة. القاعدة ترى أن لها الشرعية والريادة في شمال أفريقيا والمغرب العربي، في حين يرى داعش أنه أقوى ولديه شرعية إعلان الخلافة".
وأوضح براهم لـ"العربي الجديد" أنّ شرعيي القاعدة في تونس كانوا يرون خطأ الإعلان عن دولة الخلافة، في هذا التوقيت، في حين أنّ المجموعات المؤيدة لداعش والتي قاتلت في العراق تعتبر أنّ ساعة الصفر قد حانت".
ويوضّح الباحث التونسي أن "الدواعش تونسيون، وليسوا من عناصر أجنبية، مثلما هو الحال في تنظيم القاعدة الذي يضم جزائريين وليبيين وماليين، غير أنه سبق لهم العمل تحت راية تنظيم القاعدة، وتربوا في محاضنه الإرهابية"، ويعود ذلك، بحسب براهم، إلى الاستقطاب الكبير الذي قامت به القاعدة خلال العشرية السوداء في الجزائر، لتجنيد إرهابيين من كل منطقة المغرب العربي.
مناطق نفوذ التنظيمين الإرهابيين
يؤكد مسؤول قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب في المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، مازن الشريف، أن مناطق القاعدة في تونس، هي ما يسمى بالمنطقة الشوكية، أي جبال ورغة في محافظة الكاف شمال غربي تونس، والشعانبي وسمامة في محافظة القصرين وسط غرب تونس، وهي مناطق تبدو كأنها محرمة على خلايا داعش، في حين ينتشر تنظيم داعش، وسط المدن وفي الأحياء الشعبية برواد ودوار هيشر وحي التضامن والقصرين وسيدي بوزيد، وضمن خلايا سرية في الغابات والجبال.
ومن واقع خبرة السندي، فإنّ المسلحين التابعين لداعش والموجودين في جبل المغيلة يتعاونون مع "ذئاب منفردة" مسلحة في شكل مجموعات صغيرة، فردين أو ثلاثة ينتشرون في المدن الداخلية والأحياء الشعبية. ويتفق السندي مع الشريف في أن جنود القاعدة يتوزعون على ثلاث مجموعات رئيسية، الأولى في القصرين، والثانية في جبال الكاف، والثالثة في جندوبة، مؤكداً أن جنود القاعدة أكثر من الدواعش المنتشرين في جبل المغيلة بمحافظة القصرين.
30 هجوماً إرهابياً للقاعدة و9 لداعش
عبر تتبع عمليات التنظيمين الإرهابيين، وثقت معدة التحقيق الهجمات التي حصلت إبان الثورة التونسية، والتي تبنتها القاعدة عن طريق كتيبة عقبة بن نافع وتنظيم أنصار الشريعة، وبلغ عدد عمليات القاعدة 30 هجوماً إرهابياً، انطلقت في 18 مايو/أيار 2011 في ولاية سليانة بالشمال الغربي التونسي، وتسببت عمليات التنظيم في سقوط 50 قتيلا، أغلبهم عناصر أمنية وجنود، إضافة إلى 290 مصاباً، ومثلت أعوام 2011 و2012 و2013 فترة عمل التنظيم الأكثر دموية.
في المقابل، حملت أغلب العمليات الوحشية والدموية في الفترة من 2014 وحتى عام 2016 توقيع داعش، ووفقاً لما وثقته معدة التحقيق، فإن التنظيم قام بتسع عمليات تسببت في سقوط 100 قتيل بين سياح وعسكريين وأمنيين ومدنيين و130 مصاباً، وسجل التنظيم أكبر عدد من المصابين في صفوفه في عام 2015، إذ فقد 70 عنصراً خلال عملياته.
محاولات رأب الصدع بين التنظيمين
بحسب معطيات استخبارية دقيقة، كشفها العقيد زرمدين الذي عمل في الخطوط الساخنة بمحافظة قابس في الجنوب التونسي، وواكب أولى الهجمات الارهابية التي عرفتها تونس خلال الثورة، فإن لقاء حصل بين القيادات التي ترتبط بالقاعدة، مثل كتيبة عقبة بن نافع، وعناصر تابعة لجند الخلافة، المرتبطة بداعش، منذ بضعة أشهر، في محافظة سيدي بوزيد، مؤكداً أن المعلومات الاستخبارية ترجّح محاولة الطرفين التوصل إلى اتفاق بعدم تدخل أي طرف في مناطق نفوذ الآخر، بحيث لا تكون الفترة العصيبة التي يمر بها التنظيمان، مشحونة بالصراع بعد أن تكبدا خسائر فادحة.
ويؤكد الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، هارون زيلين، أن تونس اليوم هي محل تنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة، ولفت في دراسة إلى أن تنامي التنافس بين التنظيمات المتطرفة قد يضع مزيداً من الضغط على الدولة التونسية القادرة حتى الآن، على السيطرة على العنف الإرهابي منذ اندلاع الثورة.
ولعب تنظيم أنصار الشريعة من خلال زعيمه أبو عياض، دور الوسيط بين القاعدة وداعش، إذ عمل على توحيد الجماعات الجهادية المقاتلة، وطلب من قيادات تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش المتقاتلين "وقف الاحتراب والصراع فيما بينهما". ونشر تنظيم "أنصار الشريعة" في تونس عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في 13 يونيو/حزيران 2014 رسالة منسوبة لأبو عياض زعيم التنظيم، حملت عنوان "من وحي فتوحات العراق" ودعا من خلالها أبو عياض إلى حوار توافقي بين "الفصائل الجهادية"، غير أن تلك الجهود لم تثمر بحسب رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، إذ إن ما يحدث بين القاعدة وداعش من صراعات هو منافسة حول من يسيطر على الميدان ومن سيتزعم الخلايا الجهادية.
وتؤكد قعلول "أن القاعدة في تونس مسيطرة ميدانياً، إذ ما زلت تحظى بثقة الجهاديين التونسيين، مثل كتيبة عقبة بن نافع وأنصار الشريعة، في حين أن المنتمين إلى داعش من العناصر الجهادية من بقايا كتيبة جند الخلافة في جبل المغيلة بالقصرين".
وتتفق قعلول مع الآراء السابقة، بأن داعش لا مستقبل له في تونس، إذ خسر أغلب قياداته، ومن بينهم خالد الشايب المكنى بـ"لقمان أبو صخر" ومراد الغرسلي المكنى "بأبو البراء"، معتبرة أن " تنظيم الدولة قد خسر الكثير من إمكاناته المادية، في حين أن القاعدة يعمل في صمت من أجل مزيد من السيطرة على المشهد الإرهابي في تونس".