صراع بين ديمقراطي وجمهوري الولايات المتحدة حول اللاجئين

20 نوفمبر 2015
وصل 1824 لاجئاً سورياً إلى أميركا (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -

لا انزلاق سورية إلى حرب دامية ولا استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) كان لهما هذا الحجم من الاستقطاب السياسي في النسيج الأميركي، كما هو الحال في قضية اللاجئين السوريين، التي تتفاعل بشكل غير مسبوق في واشنطن. ولا توحي القضية فقط بالانقسام الحزبي على أبواب انتخابات رئاسية (خريف عام 2016)، بل أيضاً بوجود هاجس عند الرأي العام الأميركي، من عودة موجة الاعتداءات إلى الولايات المتحدة.

وبعد ساعات على اعتداءات باريس الأخيرة، وعلى أثر اتضاح أن واحداً من الإرهابيين لديه صفة "لاجئ وصل إلى أوروبا عبر اليونان"، بدأ الجمهوريون يقرعون ما يعتبرونه "أجراس الخطر" واتّحدت صفوفهم للمرة الأولى منذ فترة حول قضية واحدة. في البداية، أعلن حوالي 29 حاكم ولاية جمهوريا رفضهم "استقبال لاجئين سوريين لاعتبارات أمنية"، علماً بأن القانون لا يسمح لهم بمنع الحكومة الفيدرالية من تمويل وتنفيذ خطة استقبال اللاجئين، وبالتالي فإن الوجهة الطبيعية لهم لتحقيق مرادهم كانت الكونغرس. أما في مبنى "الكابيتول هيل"، فأصبحت قضية اللاجئين فرصة استثنائية لاختبار العلاقة بين رئيس مجلس النواب الجديد بول ريان، ورئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش مكونيل، ولاستعراض قدرتهما على قيادة الجمهوريين.

في هذا السياق، طرح الجمهوريون في مجلس النواب القانون رقم 4038، وتم اقراره أمس الخميس، بعدما حصل على 289 صوتاً، مقابل 137 على أن يطرح على مجلس الشيوخ.
ويركّز  القانون بشكل حصري على اللاجئين السوريين والعراقيين، ويدعو إلى تشديد التدقيق والتحري بخلفياتهم عند تقديم طلب اللجوء. كما يقترح القانون، أن يصدر عن كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي تصريح عن كل لاجئ محتمل، يُشير إلى أنه "لا يشكّل خطراً على الولايات المتحدة".
وأقرّ 

ويطلب القانون أيضاً من وزارة الأمن الداخلي تقريراً شهرياً عن هذه التصاريح، التي تصدرها أو تحجبها، في حال كان هناك شكوك أمنية. وهناك مساعٍ أيضاً لتمرير تعديلات إضافية، مثل إعطاء صلاحيات للولايات لرفض استقبال اللاجئين، لكنها تعديلات ليست فقط غير مقبولة سياسياً بالنسبة إلى إدارة أوباما، بل فيها انتقاص لصلاحيات الحكومة الفيدرالية. مع العلم أن عائلة سورية وصلت هذا الأسبوع من الأردن بعد انتظار ثلاث سنوات. وتشير التقارير إلى أن "السلطات المحلية في ولاية إنديانا، طلبت تحويل وجهة وصول العائلة، لتنتقل بالتالي إلى كونيكتيكت، حيث استقبلها حاكم الولاية الديمقراطي دانيل مالوي، في مؤتمر صحافي. كما وفّرت لها السلطات سكنا مؤقتا".

إدارة أوباما حاولت استيعاب هذا النقاش منذ انطلاقه رسمياً، يوم الأحد، وباشرت حملات إعلامية مكثّفة لشرح المسألة بكل أبعادها والدفاع عن خطتها باستقبال 10 آلاف لاجئ سوري العام المقبل. كما نظّم البيت الأبيض لقاء عبر الهاتف مع 34 حاكم ولاية، بمشاركة كل الوزارات والوكالات المعنية لتحسين تبادل المعلومات معهم، بعدما كشفت الأيام الماضية عن امتعاضهم من انعدام التنسيق مع السلطات الفيدرالية. لكن الحملات الجمهورية توسّعت منذ يوم الإثنين، في محاولة لاستغلال تعامل إدارة أوباما مع اعتداءات باريس، والتقاط فرصة الهاجس الأمني عند الرأي العام الأميركي لمحاولة صرفها في الانتخابات الرئاسية.

لم يقف البيت الأبيض جانباً، بل أصدر بياناً أعلن فيه أن "أوباما سيلجأ إلى حق النقض لوقف مشروع قانون في مجلس النواب، يفرض تشديد التحريات على اللاجئين السوريين والعراقيين". ويذكر البيان أن "طالبي اللجوء من جميع الجنسيات، ومن بينهم السوريون والعراقيون، يخضعون لعمليات فحص أمني دقيق وصارم وشامل"، مضيفاً أن "الإجراءات الإضافية وغير العملية التي يتضمنها مشروع القانون، ستؤدي فقط إلى عرقلة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، لمساعدة الأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم، وعلى رأسهم ضحايا الإرهاب".

اقرأ أيضاً كلينتون: لسنا في حرب مع الإسلام بل مع المتطرفين

ويأتي موقف أوباما بعد صدور مواقف متشددة من المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، الذي تعهّد بحال فوزه، بأنه سيعيد كل اللاجئين السوريين الذي أتوا إلى الولايات المتحدة. كما نشر تغريدة عبر موقع "تويتر"، يقول فيها إن "اللاجئين يتدفقون الآن إلى الولايات المتحدة، ومن يعرف من هم. قد يكون بعضهم من داعش. هل رئيسنا مجنون؟". كما وصف منافسه الرئاسي في الحزب الجمهوري بين كارسون، خطوة استقبال اللاجئين بأنها "تعليق للفكر"، بينما اقترح السيناتور الجمهوري، المرشح الرئاسي راند بول، مشروع قانون، لوقف المساعدات الحكومية إلى اللاجئين السوريين. أما حاكم ولاية نيوجرسي، المرشح الرئاسي الجمهوري كريس كريستي، فأفاد بأنه لن "يستقبل في ولايته حتى الأيتام تحت سن الخمس سنوات"، بينما وجّه زميله حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، رسالة إلى أوباما، ذكر فيها أن "الرحمة الإنسانية الأميركية يمكن استغلالها لتعريض الأميركيين لخطر مميت". هذا الإجماع الجمهوري لم تخترقه سوى القاعدة الإنجيلية، لا سيما المنظمات غير الحكومية منها، التي تؤدي دوراً رئيسياً في تشجيع استقبال اللاجئين السوريين مثل "وورلد ريليف" و"خدمة الهجرة واللاجئين اللوثرية"، كما اعترض على المواقف الجمهورية أيضاً "المؤتمر الأميركي للأساقفة الكاثوليك".

تبدو الخيارات مفتوحة في هذه الجولة الجديدة من المعارك بين الجمهوريين في الكونغرس وإدارة أوباما، في وقت كشف فيه استطلاع للرأي أجرته "بلومبرغ" أن 53 في المائة من الأميركيين يؤيدون تعليق خطة إدارة أوباما لاستقبال 10 آلاف لاجئ سوري العام المقبل. حتى الآن هناك قرار واضح بالمواجهة في البيت الأبيض، إذ ردّ أوباما بقوة من جولته الخارجية، مؤكداً أنه ليس هناك "أداة تجنيد أكثر فاعلية لداعش من بعض تصريحات الجمهوريين".

يُذكر أن على كل سوري يُقدّم طلب لجوء إلى الولايات المتحدة، أن يحصل على صفة "لاجئ" عبر تقديم طلب إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. بعدها تبدأ عملية التدقيق في هويات اللاجئين، في مسار يمتد ما بين 18 و24 شهراً، يشارك فيه المركز القومي لمكافحة الإرهاب، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارات الأمن الداخلي والدفاع والخارجية. كما يتم التدقيق بالبيانات والبصمات وحتى بروايات اللاجئين حول توقيت مغادرتهم سورية ومتى تعرضت منازلهم للقصف وفي أي حي. بعدها، تتمّ مقارنة كل المعلومات مع قاعدة بيانات لوزارة الدفاع والوكالات الاستخباراتية. لكن التحدي الرئيسي يبقى عدم تمكن السلطات الفيدرالية من كشف ما يسمى في الولايات المتحدة "التاريخ الاجرامي" لشخص معين، وهذه معلومات تتوفر عادة بالتواصل مع حكومة البلد المعني. ويندرج في هذا السياق تصريح السيناتور عن فلوريدا والمرشح الجمهوري ماركو روبيو، الذي يرى أن "المشكلة ليست في عمليات التدقيق بهويات اللاجئين، بل بأنه لا يمكن أن تلتقط الهاتف وتتصل بسورية".

تستقبل الولايات المتحدة سنوياً 70 ألف لاجئ من حول العالم، وتسعى إدارة أوباما إلى رفع هذا العدد إلى 85 ألفا العام المقبل، وإلى 100 ألف في السنوات المقبلة، ضمن برنامج لا يمكن تنفيذه من دون تمويل من الكونغرس. كما أنه مقارنة مع عدد اللاجئين الذين استقبلتهم الولايات المتحدة في أوضاع مشابهة مثل فييتنام وايران والصومال، فإن عدد اللاجئين السوريين محدود جداً. وبحسب وزارة الخارجية، فإن عدد اللاجئين السوريين الذي وصلوا إلى الولايات المتحدة منذ بداية العام الحالي هو حوالي 1824 لاجئاً، وصلوا إلى كاليفورنيا وميتشيغان وتكساس.

اقرأ أيضاً: حملات عنصرية تستهدف مسلمي أميركا.. ممنوع اقتناء السلاح