وحدهم المشردونُ لم يشكّوا أبداً في إخلاصِ الأرضِ لأكبادها التائهين والمشردين والمحرومين، كانوا يعرفون جيداً بأنها تفتح لهم أصقاعَها ملءَ حبّها لتجعلَ لهم من هضابِها وجبالِها وشجرها ملاذاً وملجأً..
حتى المقابرُ في حلْكةِ الوجع، باتَتْ سكَناً آمناً للحزانى، بطريقة ما، رغمَ الأصفرِ المخيفِ الذي يلتحفُ بها وبرغمِ العقاربِ السارِيةِ في جُحور العمر. إن الأطفالَ لا تخيفهم الحربُ أبداً، ولا تخيفهم الحرائقُ كما لا يخيفهم الموتُ في حدِّ ذاتِه، بل هم من يواجهونه بشجاعةٍ يفتقرُها الكبار.
هم لا يُساقون إلى الموتِ مرغمين، بل يذهبون إليه مبتسمين. الأطفالُ يحبّون تلكَ الخُضْرةَ المرتدّةَ في عيونِ الأحياء، ويعشقون جداً التراشقَ بالماءِ الحلوِ المنسكبِ من عين الله. كانوا يمزجُون الدمعَ بالسكّر، لتينعَ الغصونُ في قلوبهم، وترفرفَ في داخلِ كلّ منهم شجرةٌ طيبة. إن اليتيمَ حينما تُسَدُّ في وجهه السُّبُل، يستخلصُ من عوارضِ الدنيا أسباباً كثيرةً للحياةِ وللنجاة.
(تونس)
اقرأ أيضاً: رمل وفيض واحات