يصف أندريه فرولوف الخبير الروسي في مركز أبحاث الاستراتيجيات والتكنولوجيا، صفقة مقاتلات الرافال الفرنسية التي وقّعت القاهرة مع باريس عقد شراء 24 طائرة منها في فبراير/شباط من 2015 بـ"السياسية والاقتصادية"، إذ ساعدت في تعزيز العلاقات بين البلدين خاصة وأن باريس منحت القاهرة تسهيلات مالية وقروضا لإتمام الصفقة.
وبالرغم من عدم تضمين صواريخ METEOR وSCALP EG الموجهة ضمن المنظومة التسليحية لتلك الطائرات ما قلل من فعاليتها، يقول فرولوف لـ"العربي الجديد" إن إقحام الرافال في الأسطول الجوي المصري إيجابي من ناحية تنويع السلاح خارج إطار المنظومتين الأميركية والروسية.
معضلة الرافال
دخلت المقاتلة الرافال الخدمة في القوات البحرية الفرنسية في عام 2004 ودخلت الخدمة في القوات الجوية الفرنسية في عام 2006 وصنعت فرنسا الرافال لتكون المقاتلة الفرنسية التي تستطيع اعتراض مقاتلات الجيل الرابع و مقاتلات الجيل الرابع ++ بحسب ما جاء على موقع المجموعة 73 مؤرخين العسكري، ولم يتم تصدير تلك المقاتلة إلا بعد 25 عامًا من إنتاجها المتسلسل الذي بدأ في عام 1991 وشاءت الأقدار أن تكون أول صفقة لتصدير تلك الطائرات الحربية مع مصر إذ جرت في مناخ اتسم بالسرعة لتصبح علامة في تاريخ الصناعة العسكرية الفرنسية بعدما لم يمر بين مرحلتي إبداء الاهتمام والتوقيع إلا خمسة أشهر كما يقول جان دومينيك مرشت في مقاله بجريدة لوبينيون في 12 فبراير 2015.
في منتصف العشرية الحالية، كان المرشح الوحيد لاستيراد الرافال هو الهند لكن السبب الرئيسي للاختيار المصري المتسرع للرافال هو رصد المصريين لقصف طيران الإمارات العربية المتحدة مواقع في ليبيا في عام 2015، عبر مقاتلات ميراج 2000 الفرنسية بدلاً من طائرات F-16 الأميركية التي اعترضت الولايات المتحدة على استخدامها وفق ما جاء في معلومات نشرها موقع دفنس ايرو المتخصص في شؤون الطيران الحربي في 15 فبراير 2015.
وبالتوازي مع الصفقة المصرية التي تمت باستلام 24 طائرة رافال مع إمكانية تمديد العقد إلى 12 طائرة أخرى اتخذت دولة قطر حسب يومية لو فيغارو الصادرة في 30 إبريل/نيسان 2015، قرارا باستبدال مقاتلات ميراج 2000 الفرنسية بالرافال، وأكد قصر الإليزيه إبرام عقد مع الدوحة لتسليم 24 طائرة مع إمكانية التمديد إلى 12 أخرى لصالح الدوحة.
أخيرًا، ستكون الهند هي آخر دولة تطلب الرافال رغم مشاركة المقاتلة الفرنسية في مناقصة MMRCA الهندية الدفاعية الأكبر في تاريخ الهند والتي تم طرحها في اغسطس/آب عام 2007 وتصل الي مرحلتها النهائية عبر تقييم الأسلحة من الطائرات المقاتلة الست المتنافسة على العقد وهي المقاتلة الفرنسية Dassault Rafale والمقاتلة الأوروبية Eurofighter Typhoon والمقاتلة السويدية Saab JAS 39 Gripen و المقاتلة الأميركية F/A-18E/F والمقاتلة الأميركية F-16IN والمقاتلة الروسية MiG-35، وبالفعل تفوقت الرافال على منافساتها، وفي إبريل/نيسان عام 2015، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي استعداد بلاده لشراء 36 طائرة رافال وتم توقيع العقد أخيرًا في 26 سبتمبر/أيلول 2016 لتحصل الهند على 36 طائرة.
تباينات الصفقات مختلفة
تختلف صفقات تصدير الرفال جذريًا، ففي الهند تم تحديد السعر بناءً على توقعات مبيعات لعدد كبير من الطائرات بالإضافة إلى برنامج نقل التكنولوجيا والتركيب المحلي لأجزاء من الطائرة بعد شراء داسو نسبة 50٪ من مكونات الطائرة من المجمعات الصناعية الهندية.
الميزة الحقيقية التي تتميز بها الصفقة الهندية والتي استقرت على شراء 36 طائرة بمبلغ 7.87 مليارات دولار هي الضمان المقدم من الفرنسيين بأن 75% من أسطول المقاتلات سيكون دوما جاهزا للخدمة، مما يعني أن الشركة المصنعة الفرنسية هي التي تتكلف بالصيانة.
بالنسبة إلى الرافال المصرية، فإن السعر المنخفض لـ 24 طائرة بمبلغ 5.2 مليارات دولار يبرره عدم وجود صواريخ موجهة طويلة المدى ورفض الولايات المتحدة تصدير تلك الصواريخ التي تدخل مكونات أميركية في صناعتها للقاهرة ويعود ذلك بحسب موقع الأمن والدفاع العربي إلى أن قانون التداول الدولي بالأسلحة (International Traffic in Arms Regulations) ينصّ على أنه إذا كان نظام الأسلحة يحتوي على عنصر أميركي واحد على الأقل بموجب قوانين ITAR الأميركية، فإن الولايات المتحدة لديها القدرة على حظر بيع التصدير إلى دول العالم الثالث (أي المتمركزة خارج الاتحاد الأوروبي) وهو ما فسرته لا تريبون بأنه لحماية مصالح إسرائيل بشكل غير رسمي. وبسبب قانون ITAR جرى تعطيل تسليم أجهزة الاستطلاع والاستهداف لعدة أشهر، وفق ما جاء في موقع راديو فرانس إنترناشيونال في 16 فبراير 2015.
ويؤدي حرمان الرافال المصرية من صواريخ جو جو من الجيل الأخير من طراز METEOR وصاروخ SCALP EG، إلى التقليل بشكل كبير من مجالها العملياتي إذ يمكن لطائرة رافال مصرية مزودة بصواريخ جو - ميكا MBDA MICA وصواريخ جو - أرض من نوع AASM، ضرب الأهداف الجوية والأرضية على مدى يزيد عن 60 كيلومترا.
في حين أن طائرة رافال الهندية أو القطرية حسب ما ورد في بيان رسمي لشركة أم بي دي أي، التي تصنع الصواريخ ستكون مزودة بصواريخ جو Météor و Air Sol Scalp EG، ويمكن أن تصل إلى هدف جوي على بعد 150 كيلومترا وعلى بعد أرضي أكثر من 300 كيلومتر.
الغريب في كل هذا أن مساحة مصر نظرًا لكونها كبيرة، تتطلب مقاتلات بعيدة المدى في حال جرت المقارنة مع العقد القطري، والذي تكمن فعاليته في كونه تضمن تدريب 26 طيارًا و100 فني في فرنسا مع دعم في الموقع للصيانة، بينما يقتصر العقد المصري على تكوين المدربين في الطيران والهندسة أي أن فرنسا دربت عددا محدودا من الضباط المصريين من المفترض توليهم تدريب باقي الأطقم في مصر، وهو ما يبدو أثره في حادثة تحطم طائرة رافال مصرية في ذات اليوم الذي قام فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى القاهرة في 28 يناير/كانون الثاني 2019، وتسبب الحادث في وفاة الرائد مهدي شاذلي الملقب بكوبرا، أحد أفضل المدربين المصريين على الطائرة وفقًا لما جاء في موقع دفنس أيرو.
في الخلاصة يمكن القول أن عقد الرافال المصري كان بمثابة صداع بالنسبة للفرنسيين وتسبب حتى في أزمة بين موظفي الجيش الفرنسي والحكومة بسبب طلب مصر العاجل لإتمام عملية التسليم، إذ تم نقل 11 طائرة من قيادة سلاح الجو الفرنسي إلى مصر كما تؤكد جريدة لاتريبيون، لكن في النهاية فإن القاهرة تبقى بدون طائرة تفوق جوي ثقيلة، وطويلة المدى وذات حمولة كبيرة، وفي حالتي الهند وقطر سيكون استعمال الرافال كقاذفة متوسطة لضرب الأهداف الأرضية وتبقى مهمة السيادة الجوية على عاتق طائرة الإف 15 في قطر والسوخوي 30 في الهند.